icon
التغطية الحية

حملة "مكافحة الفساد" شمال حلب... الأسباب والتفاصيل والمآخذ

2018.11.22 | 14:11 دمشق

أطلق الجيش الوطني يوم الأحد الماضي حملة ضد من وصفهم بـ "مجموعات فاسدة"
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار أعلنت الفيالق المنضوية ضمن "الجيش الوطني السوري" بمساندة من الشرطة العسكرية فجر يوم الأحد الثامن عشر من الشهر الجاري حظر التجول في "عفرين" تمهيداً لإطلاق حملة ضد من وصفهم البيان بـ "مجموعات فاسدة" و "متورطة بانتهاكات مختلفة بحق المدنيين أو أجهزة الشرطة".

واستهلت الحملة أولى مواجهاتها مع فصيل مستقل يسمى "شهداء الشرقية" يتمركز في مدينة عفرين، و جميع المنتسبين له ينحدرون من محافظة دير الزور ويقوده  شخص يكنى بـ "أبو خولة" أثار الكثير من الجدل في أوقات سابقة.

وانتهت الاشتباكات بعد يوم ونصف بتدخل "جيش الشرقية" الذي ضمن نقل عائلات "شهداء الشرقية" إلى منطقة آمنة، في حين اختار "أبو خولة" مدينة سلقين بريف إدلب الخاضة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" وجهة له.

وأعلنت قيادة الأركان استمرار الحملة وتوسعها لتشمل كلا من: الباب – وجرابلس – والراعي في ريف حلب الشمالي، والشمالي الشرقي، والتأكيد على أنها ستستهدف قرابة 14 مجموعة من المطلوبين.

 

أسباب الحملة وتفاصيلها

أكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن حملة "مكافحة الفساد" جاءت تجسيداً لقرار تركي بأن تتحول منطقة عمليتي "غصن الزيتون" و " درع الفرات" إلى مناطق آمنة ومستقرة، لتدور فيها عجلة الاقتصاد من جديد، الأمر الذي سيشجع مزيداً من السوريين على العودة الطوعية إلى بلادهم، خاصة أن موعد افتتاح المعبر التجاري الذي يربط عفرين وريف حلب الغربي مع تركيا قد اقترب.

وترغب تركيا بأن تبسط الأمن والاستقرار في هذه المناطق قبل اتخاذ أي خطوات جديدة في "منبج" و "شرق الفرات"، لأن التحول إلى الأهداف الجديدة دون وضع حد للفلتان الأمني في عفرين وشمال حلب من شأنه أن يصعب مهمة ضبط الأمن في رقعة جغرافية واسعة ستصبح تحت الإدارة التركية المباشرة، وأيضاً قد يقف حائلاً دون تعاون السكان المحليين مع تركيا والفصائل السورية المدعومة من قبلها تحسباً لمصير مشابه لمدينة عفرين بعد السيطرة عليها.

وأوفدت رئاسة القوات الخاصة التركية التابعة للأمن العام قبل قرابة الأسبوعين مجموعات مدربة على العمليات الخاصة، ومؤلفة من 12 سرية لتحل مكان الطاقم العسكري التركي المسؤول عن الأمن، وذلك استعداداً لتنفيذ المهمة الحساسة، والتي من المفترض أن تشمل مختلف الفصائل لكن بنسب وأساليب متفاوتة.

وأفادت مصادر خاصة  في "هيئة الأركان السورية" لموقع تلفزيون سوريا بأن سبب استهلال الحملة بالمواجهة مع "شهداء الشرقية" والبالغ عددهم قرابة 100عنصر، يعود إلى كونهم أكبر كتلة عسكرية خارج نطاق "الجيش الوطني السوري" موجودة على قائمة المطلوبين، وفي حال تطويعها فالأمر سيؤدي إلى تسهيل المهمة ضد باقي المجموعات الأصغر حجماً.

ويتهم القائمون على الحملة "شهداء الشرقية" بالتورط في قضايا خطف والاستيلاء على سيارات لمواطنين من عفرين، بالإضافة إلى تلقيهم أسلحة جديدة من جهة مجهولة وهي عبارة عن سيارات دفع رباعي ومدافع رشاشة وأسلحة فردية، حيث تحوم الشكوك حول القيادي في "هيئة تحرير الشام" العراقي "أبو ماريا القحطاني" بأنه من يقف وراء خلف هذا التسليح.

وبحسب المصادر فإن خطة الحملة تنقسم إلى شقين، الشق الأول يتمثل بالقبض على المجموعات المطلوبة  العاملة خارج إطار "الجيش الوطني السوري" بعد إعطائها مهلة لتسليم نفسها أو استخدام القوة ضدها في حالة عدم الاستجابة، والشق الثاني يقوم على عمليات تطهير صامتة لمؤسسة "الجيش الوطني" نفسها دون صدامات عسكرية من خلال ضغوط سيمارسها الجانب التركي على قيادات الفصائل لتتكفل بنفسها في تفكيك المجموعات الفاسدة المنتمية لها .

وفي يوم الأربعاء 21 تشرين الثاني / نوفمبر سلمت "فرقة الحمزة" للشرطة العسكرية وبشكل طوعي الحواجز التي نصبتها على الطرقات العامة في منطقة الباسوطة بريف عفرين وبالقرب من دارة عزة، المنصوبة منذ انتهاء عملية "غصن زيتون" والتي ثبت تورطها في فرض إتاوات على السيارت والبضائع التجارية تتراوح بين 400 و 100 ليرة سورية على السيارة الواحدة.

واستسلمت المجموعات المسلحة المطلوبة من مدينة الباب للشرطة العسكرية دون قتال، حيث أعلنت مجموعة تابعة لـ "فرقة السلطان مراد" وأخرى مستقلة الخضوع للقضاء وتسليم نفسها بمجرد توجه الحملة إلى المدينة.

وفي اليوم الثالث للحملة استسلم لها دون قتال مجموعات عسكرية في مدينة "جرابلس" متورطة بالهجوم على مؤسسة الشرطة العسكرية بشكل متكرر، وعمليات خطف وابتزاز ضد المدنيين وأبرزها مجموعة تدعى باسم "حراس العقيدة" وكانت تتبع لـ "أحرار الشام" قبل أن يتم فصلها قبل قرابة شهر.

وأعلن "الجيش الوطني السوري" حظر التجول في منطقة "الراعي" اليوم الخميس 22 تشرين الثاني / نوفمبر، حيث ستكون هذه المنطقة هي الوجهة القادمة للحملة العسكرية.

 

مآخذ على "حملة مكافحة المفسدين"

أثارت الحملة العسكرية ردود أفعال متباينة، خاصة أنها اتصفت بالدموية مع بداية انطلاقها ضد فصيل "شهداء شرقية"، حيث قتل وجرح من "الجيش الوطني" والفصيل المستهدف على حدٍ سواء قرابة 25 عنصراً جراء المواجهات المسلحة في عفرين.

واعتبر موالون لـ "شهداء الشرقية" أن المقصود منها فقط إنهاء هذا الفصيل كونه لم يستجب سابقاً للتعليمات وهاجم قوات النظام السوري في منطقة "تادف" قرب الباب، وأن المجموعات الأخرى تم اعتقالها بموجب اتفاق يتضمن الإفراج عنها بعد مدة محددة وذلك بهدف ذر الرماد في العيون ولإظهار الأمر أنه شرعي وقانوني، مؤكدين أن ما حصل له أبعاد سياسية بامتياز وليس بهدف بسط الاستقرار.

ومن المآخذ التي سجلها منتقدو الحملة على أدائها أنها اكتفت بتفكيك كتلة "شهداء الشرقية" فقط في عفرين، في حين أن حجم الفساد وقطع الطريق والانتهاكات بحق السكان المحليين أكبر من مجموعة واحدة أو تشكيل منفرد، بالإضافة إلى تورط بعض الفصائل العسكرية المشاركة بالحملة في انتهاكات مشابهة لكنها نصبت نفسها كجهة رسمية مسؤولة عن المحاسبة.

وأثار بعض المنتقدين نقطة أخرى تتعلق بغياب دور القضاء في التحركات الأخيرة، مشيرين إلى استناد الحملة للقوة العسكرية وليس إلى الشرعية القضائية والقانونية، حيث من المفترض أن يصدر جهاز القضاء مذكرات اعتقال بناء على تحقيقات وملفات معدة سابقاً وليس قيام الشرطة والفصائل باعتقال مطلوبين لهم ثم إحالتهم للقضاء لإنشاء ملفات لهم.

تتمسك هيئة الأركان وفيالق الجيش الوطني السوري بشرعية تحركاتهم الأخيرة ويعتبرونها باتت ضرورة ملحة فرضها توسع التجاوزات في المنطقة، ويصرون على أنها لم تكن بدوافع سياسية هدفها القضاء على فصيل معين، وأنها ستستمر وتشمل البيت الداخلي للمؤسسات العسكرية أيضاً وليس فقط المجموعات المتفرقة المستقلة.

وستتكفل الأيام القادمة التي ستتلو انقشاع غبار الحملة العسكرية بإثبات مدى نجاعتها، وما إذا كانت بالفعل قد تمكنت من إنهاء حالة الفوضى أو تضييق نطاقها على الأقل، مما سيتيح الحكم عليها بشكل أدق بعيداً عن التهكنات المبالغة في التشاؤم أو المسهبة بالتفاؤل.