حلب.. تكثيف لسوريا وأوجاعها

2020.01.15 | 14:53 دمشق

whatsapp_image_2019-05-27_at_6.00.31_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

بقراءة الجغرافيا السياسية لمحافظة حلب وتوزع القوى الدولية والإقليمية، ناهيك عن الفصائل العسكرية، يمكن للمرء تلمس حال الثورة السورية التي وصلت إليه بعد أعوامها التسعة. فالمدينة وبدءاً من نهاية عام 2016، سيطر عليها النظام والميليشيات الطائفية والقوات الروسية كاملة بعد استرداد شرق المدينة من خلال القصف الهمجي الروسي الذي دمر ذلك القسم إلى حد كبير، التدمير الشاهد على فظائعهم على حاله رغم مرور ثلاثة أعوام، هذه المدينة التي استباحتها تلك الميليشيات من خلال النهب والسرقة والاعتقالات وإهانة البشر اليومية، والتي تعاني اليوم من أبشع صور البؤس المعاشي نتيجة لندرة المواد وغلائها، وتدهور سعر الليرة إلى حد لم تشهده في تاريخها، بسبب توقف عجلة الاقتصاد ونهب العائلة الحاكمة لثروات البلاد، التي حولت اسم المدينة من العاصمة الاقتصادية للبلاد إلى مدينة الطوابير.

في الريف الغربي، والذي شهدت قراه وبلداته أولى المظاهرات ضد حكم العائلة، وصدحت حناجر أهله بصيحات التضامن مع درعا وغنت أناشيد الحرية، يتحكم به اليوم وإلى حد كبير هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، والتي تحولت لهيئة ضرائب ومخابرات تجاه الجمهور في المنطقة، أما الجهة الثانية وهي قلة فهي بقايا مجموعات من الجيش السوري الحر، الذي تمكن بفضل إيمانه وشجاعته من تحرير المنطقة لوحده في أعوام 2012 و2013، والذي لغياب قرار مركزي وموحد بين فصائله، ولظروف إقليمية ودولية، وصل إلى حالة من الضعف مكّنت جبهة النصرة من ابتلاعه أو طرد من تبقى إلى مناطق أخرى. أما الريف الجنوبي فهو موزع بين جهات ثلاث، الميليشيات الإيرانية (فصائل الدفاع الوطني ولواء القدس) وفصائل من الجيش الحر وجبهة النصرة.

وكذلك الريف الشرقي، فهو موزع بين بقايا الجيش الأسدي، والميليشيات الإيرانية، والقوات الروسية التي توسع دورها مؤخراً عقب التدخل التركي شرق الفرات والقرار الأميركي بالانسحاب، وعلى حوافه من الجهة الشمالية (الشمالي الشرقي) توجد فصائل الجيش الحر التي "توحدت" مؤخراً تحت راية الجيش الوطني، الذي تدعمه تركيا، ويشكل القسم الأكبر من القوة العسكرية المعارضة للعائلة الأسدية.

أما الريف الشمالي، فقصته أكثر وجعاً، فعلى حدود المدينة تماماً توجد بعض فصائل الجيش السوري الحر ولمسافة تصل لحوالي (18) كم، تجاوره مباشرة "مستعمرة" إيرانية خالصة طولها حوالي (15) كم وعرضها (7) كم تحيط ببلدتي نبل والزهراء، وهي منطقة ممنوع حتى على الجيش الأسدي الدخول إليها، وتقتصر على ميليشيات من البلدتين مدعومة من ميليشيات جلبتها إيران وتحت إشراف ومتابعة من عناصر فيلق القدس مباشرة، لا يذهب شبانها للخدمة الإجبارية في جيش الأسد، بل يتطوعون في ميليشياتهم. تجاور هذه المنطقة إلى الشمال باتجاه الحدود مع تركيا، منطقة شريطية تمتد من المالكية نحو تل رفعت ودير جمال وتنتهي بأحرس، طولها حوالي 25 كم وبعرض لا يتجاوز العشرة كيلومترات، سيطرت عليها ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي، وذلك اعتباراً من بداية عام 2017، أي مع سقوط شرق حلب، مع وجود ملحوظ للقوات الروسية ولعناصر المخابرات الأسدية، حيث تقلص دور الحزب إلى دور رئيس البلدية، أما قضايا التفاوض على مصير المنطقة فهي بيد الروس أولاً وأخيراً.

يكشف هذا التوزع الموجع لفصائل المعارضة الحال الذي آلت إليه أوضاع السوريين عموماً وأوضاع المهجرين خصوصاً، كما يكشف مدى التحكم الخارجي بمآلات السوريين

إلى الشمال منها، وبمسافة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة كيلومترات، مدينة اعزاز، التي أصبحت تحوي أكثر من أربعة أضعاف سكانها بالأساس، أي حوالي 200 ألف نسمة من كل سورية التي ثارت وتهجرت. على أطراف مدينة اعزاز الغربية، عفرين، التي انتزعتها القوات التركية وفصائل الجيش الوطني في آذار 2018 من قبضة حزب الاتحاد الديمقراطي، والتي أصبحت ملاذاً لكثير من المهجرين وخاصة من الغوطة الشرقية بعد نزوح غالبية سكانها إلى مناطق سيطرة الحزب الديمقراطي، أما الجزء الشمالي والشمالي الشرقي من اعزاز، فهناك المأساة: بحر من الخيام العشوائية و"المنظمة" التي تفتقد في أحسن الأحوال إلى أبسط شروط الحياة، وفي وضعها الطبيعي جحيم حقيقي سواء في صيفها أم في شتائها.

يتم التنقل بين مناطق الريف الحلبي ومدينة حلب من خلال معابر، فالمعبر بين الريف الشمالي والغربي في قرية الغزاوية تحت إشراف هيئة تحرير الشام، وله رسومه وضرائبه وقوانينه، والمعبر بين الريف الشمالي والشرقي والشمالي الشرقي وحتى مع مدينة حلب فهو تحت إشراف حزب الاتحاد الديمقراطي في قرية عون الدادات في ريف منبج، وبعده في ريف الباب حاجز للفرقة الرابعة، وللتدليل على ما يعانيه المواطن من تلك المعابر والحواجز، فالذهاب من اعزاز إلى مدينة حلب يستغرق من (14 -18) ساعة فقط، ناهيك عن الرسوم المالية. أما التنقل من قرية في المستعمرة الإيرانية أو تحت سيطرة الاتحاد الديمقراطي فتحتاج إلى يومين أو ثلاثة، فعلى المواطن الذهاب إلى مدينة حلب والعودة في اليوم التالي إلى اعزاز، والعكس أيضاً.

يكشف هذا التوزع الموجع لفصائل المعارضة الحال الذي آلت إليه أوضاع السوريين عموماً وأوضاع المهجرين خصوصاً، كما يكشف مدى التحكم الخارجي بمآلات السوريين، فكثير من الموجودين في المخيمات وفي قرى الريف الشمالي لا يملكون من أمرهم سوى التحديق بعيونهم على قراهم وبلداتهم التي تقع في مجال الرؤية المباشرة، نتيجة للتوازنات والاتفاقات الإقليمية والدولية، والسؤال هل سيبقى الحال على ما هو عليه وسط تهديد النظام والميليشيات الإيرانية بالهجوم على الريف الغربي أم لا، سيحدد الدور الجديد للمحافظة ككل.