icon
التغطية الحية

حرف سورية عريقة: أسواق دمشق في العصر المملوكي

2021.12.09 | 14:35 دمشق

sr_mmlwky-_dmshq.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت مدينة دمشق تنال امتيازاً خاصاً من حيث الأهمية التجارية في العهد المملوكي حيث إنها تفوقت على جميع المدن الأخرى التجارية بتجارتها، وقال بنجامين التودلي الذي زار دمشق عام 558هـ/1163م إن التجار كانوا يجلبون السلع المختلفة لمدينة دمشق من جميع أنحاء سوريا. 

أما ابن جبير (ت614هـ/1217م) فقد ترك لنا وصفاً عن مدينة دمشق مجمله أن هذه المدينة كانت تحوي القيسارات المتسمة والأسواق المكتظة ولم يضف شيئاً على هذا. أما ابن بطوطة (ت779ه/1377م) فقد كان متأثراً بما قال ابن جبير عن أسواق دمشق حيث إنه لم يضف أي شيء آخر لوصف ابن جبير. 

وكانت أسواق دمشق تمتاز بكونها ذات طابع خاص مميز، وأهم ما في هذه الأسواق أن كل سوق انفرد بنوع معين من البضائع، مثل سوق الشماعين وسوق النحاسين وسوق الفرّائين وسوق الحريرين وسوق القباقبين وسوق الخشابين وسوق الحدادين. وكانت أكثر أسواق دمشق مغطاة. قال "نيقولا البوغبونصي" الذي عاش في أواسط القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي إن الحرف في دمشق قد فصلت الواحدة عن الأخرى وكان لكل واحد منها حي خاص بها. ولم يكن هذا من قبيل الصدفة حيث إن الشيرازي قال بأنه كان على المحتسب أن يرى جميع الحرف فصلت عن بعضها البعض، ومن محاسن هذا النظام أن التاجر لم يستطع أن يشذ عن جيرانه أو يرفع أسعار السلعة التي يتاجر بها، لأن منافسيه على مقربة منه كما أن المشتري إذا لم يعجبه نوع السلعة أو ثمنها فإنه يستطيع أن ينتقل بكل سهولة إلى تاجر ثان وثالث دون أن يتحمل أدنى مشقة.

 

A picture containing sitting, table, vase, brownDescription automatically generated
مجسم نحاسي للكرة الأرضية من أواخر القرن الثالث عشر من الفترة المملوكية في دمشق. صُممت هذه الكرة الأرضية لتكون مبخرة، وقد كانت معلقة من سلسلة. يوجد داخل الجسم المفصلي كوب صغير، متدلٍ على ثلاث حلقات لتثبيت الفحم أو البخور المحترق في الحاوية المعلقة

 

أما عيوب هذا النظام فأهمها أن الفرد إذا أراد شراء عدة أصناف متباينة من البضائع فعليه أن يقطع المدينة كلها طولاً وعرضاً عدة مرات حتى يقضي حاجاته لأنه لن يجد في السوق الواحد سوى نوع واحد من البضائع. وامتازت حوانيت الأسواق بصغر حجمها، حتى أن متوسط مساحة الواحد منها بلغ خمسة أقدام مربعة يكدس فيها التاجر بضائعه، ويحتفظ في مقدمة الحانوت بمكان يشبه المصطبة يجلس عليها التجار ومن يتردد عليهم.  أما الأسواق الخاصة بالمآكل والمشارب في عهد المماليك فلا يمكن إحصاء ما فيها من أنواع الأطعمة، عدا باعة الطعام الذين يقطعون الشوارع مجيئاً وذهاباً ومعهم الطعام المطهو وتحته المواقد مشتعلة ليبيعوه ساخناً للمشترين.  وزار الرحالة برتداندون دو لابروكيير دمشق في أواسط القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي في عام 836هـ/1432م وسجّل ملاحظاته عن المدينة حيث يقول: "رافقت أحد أصحابي إلى السوق وابتعت رداءين طويلين حتى أنهما كانا يبلغان الكاحل، وحزاماً من الجلد ورباطين من القطن أضم بهما طرف الرداء، وكيسين صغيرين أحدهما لاستعمالي والآخر للحصان يطعم فيه الشعير، وملعقة من الجلد وبساطاً أنام عليه.

وقد أنتجت دمشق في العصر المملوكي 100 نوع من أنواع الأنسجة منها 20 نوعاً من القطن و20 من الكتان و40 من الحرير و10 من أنواع القصب المختلفة. ومن الصناعات الشهيرة آنذاك هي صناعة الزجاج التي لفتت نظر ابن بطوطة أثناء رحلته إلى دمشق فقال: "إن دمشق فيها صناعة الزجاج عجيبة" .

 

A picture containing indoor, table, sitting, vaseDescription automatically generated
زجاجة مطلية ومذهبة من دمشق من القرن الرابع عشر، أي في العصر المملوكي

 

وقد أقبل السلاطين على اقتناء المشكاوات الزجاجية الملونة والمزخرفة بزخارف وكتابات كانت توضع ضمنها رسم للرنك الخاص بالسلطان. وقد كان في دمشق شارع خاص أطلق عليه شارع طلي الزجاج. 

واشتهرت أسواق دمشق أيضاً بصناعة ماء الورد، ويصف البوغبونصي طريقة صنع ماء الورد. وزادت العناية في دمشق في العصر المملوكي بصناعة التحف المعدنية، وتقدمت هذه الصناعة تقدماً عظيماً، مثل صناديق المصحف والأسلحة والحلي والأبواب والشمعدانات. وقد ذكر بروكيه الذي زار دمشق عام 836هـ/1432م أنه يصنع في دمشق مرايا من المعدن والتي تضخم الأشياء.

إن التجمع الأكبر للأسواق في العصر المملوكي كان مركزاً في منطقة القلعة، تليها الأسواق الواقعة جنوبي الجامع الأموي، وعند باب البريد، ثم منطقة باب الجابية والقسم الغربي من الشارع المستقيم أي شارع مدحت باشا حالياً، وبعدها أسواق باب الفراديس وخان السلطان ومسجد القصب والباب الصغير والشاغور والميدان وباب سريجة وباب توما. ومن هذا المنطلق نجد أن الأسواق تبدأ بكثافة في منطقة القلعة وتتناقص تدريجياً كلما اتجهنا نحو الشرق والشمال.