حرب غزة وفقا للرؤية والمنظور العسكري..

2023.12.08 | 19:37 دمشق

حرب غزة وفقا للرؤية والمنظور العسكري..
+A
حجم الخط
-A

يقول "ناحوم برنياع" الصحفي الإسرائيلي الشهير، إن يوم 7/10 هو اليوم الأسوأ في تاريخ الحروب العسكرية التي خاضتها إسرائيل"، وهدفت "حماس" منها، كما كتب بن كسبيت، إلى الحصول على صورة نصر، وعادت منها بألبوم كامل.. وعليه فلا شك أنه ومنذ عملية طوفان الأقصى البطولية التي حتما ستغيّر قواعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسيكون لها تداعيات إقليمية ودولية كبيرة، وخاصة أن هذه العملية قد أحدثت على صعيدها الاستراتيجي زلزالا عسكريا وشرخا كبيرا في عقيدة جيش العدو الإسرائيلي الذي أريد له طيلة عقود أن يصور على أنه الجيش المرعب الذي لا يقهر، ولا شك أيضا أن سياسة الردع التي تنتهجها إسرائيل قد شهدت بعد هذه العملية البطولية تآكلا وإخفاقاتٍ استراتيجية جلية لم تكن بالحسبان، وخاصة عندما بدأت إسرائيل ومنذ مدة ليست بالقصيرة لا تواجه جيوشا نظامية محترفة بل جماعات المقاومة المختلفة في الداخل الفلسطيني، مثل الجهاد الإسلامي وحماس وفصائل فلسطينية أخرى، وعليه فمن الواضح أن السطوة والقوة العسكرية الهائلة والترسانة الكبيرة في العدة والعتاد التي تمتلكها إسرائيل لم تفلح في ردع خصومها ومنع استهدافها وتهديدها بصواريخ المقاومة التي وصلت وبالمئات إلى عمق غلاف غزة ومختلف المدن الإسرائيلية بما فيها ما يسمى بـ "تل أبيب" الكبرى، وباتت إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" وما سيليها لاحقا من عمليات فدائية مطالبة من جديد باتخاذ وتبني إجراءات واستراتيجيات جديدة "قد تساعدها" في تحقيق أمنها القومي، وأمن مواطنيها المشكوك فيه بدون تلبية المطالب والحقوق المشروعة المغتصبة للشعب الفلسطيني، مهما طال الزمن أو قصر.

تخبط سياسي ميداني:

عمليا وبعد مضي أكثر من 50 يوما من المجازر الدموية، والدمار والتهجير القسري وعمليات القصف المشروع، والتطهير العرقي والحصار والتجويع والعمليات الانتقامية المخجلة والبشعة التي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي برا وجوا وبحرا أمام مرأى العالم المتحضر وسمعه ضد قطاع غزة بجميع مكوناته وبناه التحتية من مشاف وأسواق وأفران ومحطات كهرباء وماء. ولا شك أن كل هذا يأتي بدافع الانتقام الأسود لهيبتها التي اضمحلت بعد إنجازات طوفان الأقصى، وقيامها من دون أي رادع بعملياتها الحربية الإجرامية مستخدمة أسلوب التدمير الشامل والتضييق الممنهج جغرافيا ومعيشيا وأمنيا على المدنيين وإرهابهم، وإجبارهم على النزوح وإفراغ مدنهم وبيوتهم قسرياً، ليسهل على قواتها البرية والمدرعة التحرك بحرية أملا في تحقيق السقف المرتفع للأهداف التي وضعتها قياداتها السياسية وحكومة حربها المتطرفة َالتي حددتها بما يلي:

  • سحق حركة حماس، وتدمير بنيتها العسكرية التحتية، والعمل على إنهاء حكمها وملاحقة قادتها السياسيين والميدانيين، والتخلص منهم وهذا ما صرح به رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو في أعقاب قتل الحركة لنحو “1300“إسرائيلي في هجومها الأخير قائلا "ليعتبر كل عضو في حماس نفسه هو في عداد الأموات".
  • تحرير العدد الكبير من الأسرى الذين تم أسرهم في عملية طوفان الأقصى، يأتي هذا في وقت تتزايد فيه الضغط على “نتنياهو“ وحكومة حربه من قبل أهالي الأسرى المحتجزين في غزة، ومطالبتهم بوقف إطلاق النار من أجل تسهيل إطلاق سراح ذويهم.
  • تأمين حدود غلاف غزة، الذي يحوي على عشرات المستوطنات، وإقامة منطقة أمنية عازلة بعمق معين مع حدود القطاع لتوفير حماية أكبر للتجمعات السكانية الإسرائيلية.

في الواقع وعلى ما يبدو أن عملية "السيوف الحديدية" الإسرائيلية من حيث الأهداف التي تريدها "تل أبيب" هي أكثر طموحا من أي عملية قام بها الجيش الإسرائيلي في غزة سابقا. وبالتالي ولتحقيق هذه الأهداف المعقدة والصعبة والجمع بينها، فكل الدلائل والمؤشرات التكتيكية تشير إلى أن هذه الحرب لن تكون "نزهة قصيرة" وفقا لمفهوم القيادة الصهيونية، بل أمد هذه الحرب سيكون أطول وأشد كلفة مما تتصور، وسيتطلب ذلك من القوات الإسرائيلية الانتقال ربما بعد الهدنة المحدودة وعملية تبادل الأسرى التي تم التوصل إليها بواسطة قطرية ومصرية إلى مراحل متقدمة في الاجتياح البري، وفتح محاور وجبهات أكثر وأوسع في جنوب القطاع باتجاه "خان يونس" و"دير البلح"، وهذا الأمر حتما لا يلعب في صالح الجيش الإسرائيلي على العديد من الصعد، وخاصة على الصعيد العملياتي العسكري، الذي يوحي بأن إسرائيل ماضية في حربها وتعنتها واختيارها الغرق في مستنقع غزة الاستنزافي، وبالتالي فعليها أن تضع في حساباتها أنها ستتكبد في كل يوم ثقيل يمضي عليها داخل القطاع خسائر فادحة في صفوف ضباطها وجنودها، وصنوف عتادها من خلال مواجهاتها المتواصلة مع فصائل المقاومة صاحبة الأرض والحق، والتي تتقن وإلى درجة كبيرة حرب العصابات والشوارع، والمدن وأعمال الكمائن والتلغيم والتفخيخ والقنص والقتال من فوق الأرص وتحتها، وقدرتها على التقرب من أهدافها ومباغتتها من خلال مناورات الأنفاق والخروج المفاجئ من بين الركام.

بالتأكيد تعي القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية جيدا، في أن حربها داخل قطاع غزة قد تدوم أسابيعَ وربما أكثر من ذلك، وبالتالي فكلما طال أمد الحرب، زاد احتمال أن تؤدي القيود السياسية وربما العسكرية إلى إعاقة قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة، ناهيك عن أن أمد هذه الحرب مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمور التالية:

 

  • مدى قدرة حركة المقاومة حماس والفصائل الأخرى على الثبات والصمود ومقدرتهم الميدانية على إدارة معاركهم على جميع المحاور والجبهات بكفاءة وإرادة عالية.
  • مدى ما ستلحقه المقاومة بالقوات الإسرائيلية المتوغلة من خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
  • مدى قدرة تل أبيب على تحقيق أهدافها الصعبة مجتمعة وبالوقت المتاح.
  • مدى الضغط الدولي المتزايد الذي قد يحدث لإجبار الجيش الإسرائيلي على وقف الحرب اذا طالت مدته زمنيا، والفشل الذريع في تحقيق النتائج المرجوة.

ختاما.. فصائل المقاومة الفلسطينية المتمثلة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي ونظرا للفارق الكبير في نسبة القوى والوسائط، والذي يأتي دائما لصالح الجيش الإسرائيلي وبفارق هائل، فإنها تعترف بعدم القدرة على منع أرتال الجنود والدبابات الإسرائيلية من الدخول والتوغل إلى القطاع من محاور وجبهات عدة، ولكنها على الأقل تتوعد قوات العدو وكما عرضت في فيديواتها وإصداراتها مفاجآتٍ لم تكن في حسبانهم، بل وترى أن دخول الجيش الإسرائيلي برا إلى غزة سيمثل الفرصة المثالية لمقاتليها للانتقام منهم وإيقاع الخسائر الفادحة وغير المتوقعة في صفوفهم، فهل سيكون ذلك لمقاومة وتمنى إسرائيل بهزيمة وفشل ذريع في غزة هذه المرة كما فشلت في الحروب الأربع الماضية التي شنتها ضد القطاع ومقاومته ننتظر ونراقب ونرى ..؟!