icon
التغطية الحية

حرب "الطائرات المسيرة".. سلاح إيراني يقلق واشنطن وتل أبيب

2021.07.01 | 12:28 دمشق

1046631849_0_26_1200_675_1000x0_80_0_1_85803ef32e0ec17ba28f12c06f921d6e.jpg
قائد "فيلق القدس" الإيراني سليمان قاآني في معرض للطائرات المسيّرة في طهران - AFP
إسطنبول - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

خلال أقل من خمسة أشهر، وبالتزامن مع استمرار مفاوضات فيينا، غير الحاسمة، بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء الاتفاق ‏النووي‏، وجهت القوات الأميركية، بأمر من الرئيس الأميركي جو بايدن ضربتين عسكريتين ضد الميليشيات التابعة لإيران في سوريا والعراق، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأميركية التي تتهم بايدن بتكرار "أخطاء" سلفه ترامب باستخدام الخيار العسكري.

بينما يوضح بايدن وفريقه بأن هدف الضربات الأميركية المثيرة هو تقويض أسلوب الحرب الجديد الذي تتبعه طهران في تهديد المصالح الأميركية في العراق وسوريا، أو ما بات يعرف بـ "الاستراتيجية الإيرانية الجديدة " التي يتبعها قائد "فيلق ‏القدس" الجديد التابع لـ "الحرس ‏الثوري" إسماعيل قاآني في تشغيل أذرع إيران في الشرق الأوسط، والتي تركز على استخدام ‏الطائرات المسيرة الانتحارية "المباغتة"، بدلاً من إطلاق القذائف والصواريخ البالستية "المكشوفة".

 

أسلوب حرب جديد

وبحسب شبكة "CNN" الإخبارية، فإن استراتيجية قاآني تثير قلق واشنطن، في ظل تعرض القوات والقواعد الأميركية في العراق، خلال الآونة الأخيرة، للعديد من الهجمات عبر طائرات بلا طيار مصدرها ميليشيات مدعومة من طهران.

ونقلت الشبكة تحذيرات مسؤولين في المخابرات والجيش الأميركي من تزايد خطر هجمات الطائرات بلا طيار الإيرانية التي تتعرض لها القوات الأميركية في العراق، وهي طائرات صغيرة الحجم ذات أجنحة ثابتة تتميز بأنها أكثر دقة وتستخدم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مما يجعلها أقل وضوحاً لأنظمة المراقبة الأميركية كما يصعب التشويش عليها.

تعتمد الاستراتيجية الإيرانية الجديدة على استخدام الطائرات بلا طيار ‏"الانتحارية" أو "المتفجرة" (تحمل ‏ذخائر متعددة الأوزان والأحجام ‏تنفجر عند تحطمها في الهدف)‏، وتخصصت إيران ‏منذ 30 سنة في إنتاجها ‏وتوزيعها على ميليشياتها في المنطقة.‏

وتعرف الطائرات بلا طيار باسم "الطائرات المسيرة" أيضاً، لأنها لا تحتاج إلى عنصر بشري لقيادتها وإنما يتم التحكم بها عن بعد، كما تعرف باسم طائرات "الدرونز" وفقاً لاسمها في اللغة الإنجليزية.

وتعرضت خلال الأشهر الأخيرة، القوات الأميركية الموجودة بالعراق، البالغ قوامها 2500 جندي، لهجمات عديدة من طائرات ‏بلا طيار، ترتبط بإيران إلا أن الأخيرة تنفي مسؤوليتها.‏

 

هجوم أربيل.. وآخر مماثل في إسرائيل

في نيسان الماضي تعرضت القاعدة الجوية الأميركية القريبة من أربيل شمالي العراق لهجوم من ‏طائرة بلا طيار انفجرت في حظيرة طائرات بلا طيار تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية ‏‏(‏CIA‏).‏

وبحسب التقارير الإعلامية فإن الطائرة بلا طيار المهاجمة انطلقت من الأراضي السورية، أطلقتها ميليشيا عراقية تعمل بتمويل ورعاية وتوجيه إيراني، وأصابت هدفها بدقة ملحقةً أضراراً كبيرة ‏ما أثار غضب واشنطن.‏

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصادر في البنتاغون، أن إدارة بايدن مارست وقتئذ عملية ضبط ‏النفس ولم ترد على ما اعتبرته استفزازات إيرانية تتزامن مع مفاوضات فيينا.

وفي إسرائيل، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن إسرائيل تعرضت لهجوم مماثل، في اليوم الخامس من عدوانها على قطاع غزة، 16 من أيار الماضي، من قبل طائرة بلا طيار حاولت ‏التسلل من الأردن إلى الأجواء الإسرائيلية، إلا أن الرادارات رصدتها وتم إسقاطها.

وأعلن رئيس الوزراء ‏الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، أنها طائرة بلا طيار متفجرة، مصنوعة في إيران، ‏انطلقت من العراق أو سوريا، وكان من المفترض أن تنفجر في الأراضي الإسرائيلية.‏

ويربط معلق الشؤون الأمنية والسياسية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، بين هجوم أربيل والهجوم الذي تعرض له الجيش الإسرائيلي، رغم أنهما متباعدان في الزمان والمكان.

ويرى المحلل الإسرائيلي أن القصف الأميركي الأخير على الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا يؤكد وجود المصلحة المشتركة بين واشنطن وتل أبيب لمواجهة الخطر الإيراني وتنامي هجمات الطائرات بلا طيار التي تنفذها ميليشيات تابعة لإيران في المنطقة.

 

بأوامر من بايدن

وتأتي تأكيدات واشنطن بأن القصف الأميركي الأخير في العراق وسوريا جاء رداً على هجمات بطائرات مسيرة نفذتها ميليشيا الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، على أهداف أميركية في العراق. وأن القصف استهدف مواقع خاصة بالطائرات المسيرة.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية إن طائراتها من طراز "F-15" و"F-16" شنت ليل الأحد - الاثنين الماضي غارات على "ثلاثة مواقع عسكرية تابعة للميليشيا المدعومة من إيران في سوريا والعراق، موضحة أن المواقع المستهدفة "كانت مرتبطة بشكل مباشر بالتهديد الناجم عن الطائرات المسيرة". ‏

وأكد بايدن، في رسالة وجهها إلى رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، نشرها مساء الثلاثاء البيت الأبيض أن "المنشآت المستهدفة جرى استخدامها من قبل جماعات مسلحة مدعومة إيرانياً متورطة في سلسلة هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على موظفين ومنشآت للولايات المتحدة في العراق".

وتعدّ هذه الضربة الأميركية هي الثانية من نوعها بعد أن أغارت مقاتلات أميركية على مواقع للميليشيات المدعومة إيرانياً في دير الزور والبوكمال شرقي سوريا في 26 شباط الماضي، "بأمر من الرئيس الأميركي جو بايدن رداً على هجوم الميليشيات بالطائرات المسيرة ضد المصالح الأميركية (القنصلية الأميركية في أربيل) في العراق"، بحسب بيان البنتاغون.

 

لماذا يعتمد الإيرانيون أسلوب "الطائرات المسيرة"؟

استراتيجية استخدام الطائرات المسيرة ابتكرها القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قاآني، الذي "يفتقد للكاريزما"، لتبسيط الاستخدام العملياتي للميليشيات العراقية التي تمولها إيران، والتي بدأت تفقد انضباطها ودخلت في صراعات بينية بعد اغتيال مؤسسها قاسم سليماني الذي خلفه قاآني.

كما تواجه هذه الميليشيات مقاومة شعبية متنامية من الشعب العراقي، سنة وشيعة على حد سواء. إضافة إلى تحركات الحكومة العراقية لكبح جماحها (الميليشيات) وتراها ذراع إيران العنيفة للسيطرة على العراق وتحويله إلى حديقة خلفية لطهران اقتصادياً وعسكرياً.

ولتجنب هذه الضغوط الشعبية والحكومية، نقل الإيرانيون بعض قواعد الميليشيات الموالية لهم إلى سوريا، حيث أنشأت طهران قاعدة عسكرية، قاعدة الإمام علي، في مدينة البوكمال المحاذية للحدود العراقية، كمحطة رئيسية في الممر البري (الكاريدور الإيراني) الذي يربط طهران بالبحر المتوسط ونقطة وصل بين بلدَي العبور.

ومن جهة أخرى، فإن التحسينات في منظومات الدفاع الجوي التي جلبتها القوات الأميركية في العراق وقوات التحالف الدولي للتصدي لقذائف إيران وصواريخها البالستية، كانت عاملاً مهماً في دفع قاآني للتصرف بشكل مختلف وتجربة استراتيجية جديدة.‏

وبحسب رون بن يشاي، المعروف بصلاته الشديدة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، قبل عام مضى لم تكن القوات الأميركية في العراق وقوات التحالف الدولي تمتلك وسائل فعالة للدفاع عن نفسها ضد قذائف وصواريخ إيران البالستية التي تسبب بسقوط قتلى وجرحى.

وفي منتصف 2020 بدأ الأميركيون في العراق في تحسين منظومات الدفاع الجوي والرادارات وجلبوا بطاريات باتريوت حديثة، كما أدرجوا أساليب استخبارية وتعاون مع العراقيين لإحباط الهجمات على قواعدهم في العراق.

في المقابل، بعد تحييد خطر الصواريخ الإيرانية أثبتت الاستراتيجية الجديدة في "هجوم آرامكو" 2019، الذي نفذته ميليشيات الحوثي بدعم مباشر من طهران على منشآت النفط السعودية، أن الطائرات بلا ‏طيار "الانتحارية" هي أسلحة أكثر فاعلية بكثير من الصواريخ البالستية والصواريخ غير الدقيقة، نظراً لصعوبة تحديد موقعها، وقدرتها على تغيير مسارها وامتلاكها ميزة "المباغتة" لأنها ربما تأتي من اتجاهات غير متوقعة، كما يصعب إسقاطها حتى وإن رصدتها الرادارات بسبب حجمها الصغير.‏

 

هواجس تل أبيب وواشنطن

وما تزال وسائل الكشف واعتراض الطائرات بلا طيار في أيدي الأميركيين قيد التطوير وليست عملية لدرجة كبيرة، الأمر الذي يشكل خطراً أمنياً على قواتها في المنطقة.

هذا ما أكده قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط ‏الجنرال فرانك ماكنزي، بذلك صراحة خلال زيارته ‏للمقاتلين الأميركيين في شمال شرقي سوريا:‏ ‏ "نحن نبحث عن طرق لقطع الاتصال بين مركز القيادة والتحكم للطائرة بلا طيار المهاجمة ‏وبين مشغلها، وتحسين أجهزة استشعار الرادار لاكتشاف أي تهديد بسرعة مع اقترابها والعثور على طرق فعالة ‏لاعتراض هذه الطائرات".

على الرغم من أن الطائرات بلا طيار لا تسبب كثيرا من الضرر أو إحداث دمار، فضلا عن أنها لم تقتل أي مدني أو جندي أميركي أو بريطاني حتى الآن، فإن احتمال الخطر كبير، كما حدث مؤخراً في سيناريو الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في ناغورني قراباغ.

بدورها، تخشى تل أبيب في ضوء هذه التقديرات من أن أي حرب قادمة مع إيران أو مبعوثيها، ستواجه الاستراتيجية الإيرانية التي تعتمد على هجمات الطائرات المسيرة "الانتحارية".

ونتيجة الهواجس المشتركة لواشنطن وتل أبيب من حرب "الطائرات المسيرة"، أعلن البيت الأبيض، في نيسان الماضي، عن إنشاء مجموعة عمل مشتركة ‏للولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة "التهديد المتزايد للطائرات بلا طيار والصواريخ الدقيقة التوجيه ‏التي تصنعها إيران وتزودها للميليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط.