icon
التغطية الحية

حرب إعلامية داخل هيئة تحرير الشام.. التنظيم يتجرع مرارة إعلامه الرديف

2024.04.04 | 16:00 دمشق

435234
ذباب إلكتروني -- صورة مولدة بالذكاء الصناعي
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من أن أبا محمد الجولاني قد ضمن تجديد البيعة والولاء له من الغالبية العظمى من عسكريي هيئة تحرير الشام، وظهر للمراقب المحلي والخارجي وكأنه رتّب بيته الداخلي، والتفت إلى محاولة تهدئة الشارع الذي انفجر في مظاهرات تطالب بإسقاطه؛ فإنَّ حربا إعلامية من نوع مختلف غير موجهة مباشرة إلى الجولاني تدور رحاها في أوساط الإعلام الرديف التابع للهيئة.

منذ انطلاقتها عملت هيئة تحرير الشام ومن قبلها جبهة النصرة على تشكيل الإعلام الرديف، وخصصت له ميزانية مالية كبيرة، وكان سلاحها الأبرز ضد خصومها من الفصائل العسكرية، ومن المدنيين والناشطين وحتى العسكريين الذين زجتهم في سجونها بتهم العمالة قبل أن تعاود الإفراج عنهم. وعلى خلاف الرواية الرسمية المتزنة للهيئة، كان إعلامها الرديف يشيطن خصومها بأبشع الطرق والوسائل، بشن حملات تشويه وإسقاط للشخصيات المناهضة للهيئة، وتلميع كبير لإنجازاتها، فضلاً عن بث الرواية التي تريد الهيئة الترويج لها.

يعمل الإعلام الرديف بهيكلية منتظمة، ويقوم على غزو أفراد الجيش الإلكتروني التابع للهيئة مختلف مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات وهمية، حسابات تنتحل صفة النساء تارة، وصفة أطباء ودكاترة في الجامعات وشخصيات مثقفة تارة أخرى، وذلك كله من أجل خلق رأي عام يشيطن خصوم الهيئة ويبني رأياً عاماً كاذباً حول تأييد الحاضنة الشعبية لها.

يرصد أفراد الجيش الإلكتروني المعروف محلياً بالذباب الإلكتروني منشورات الناشطين وطلاب الجامعات ومختلف فئات المجتمع، وينسخ روابط المنشورات ويضعها في مجموعات خاصة به، ثم يوجه مشرفو المجموعات الذباب للهجوم على المنشور بأعداد كبيرة وفق تعليمات وتعليقات محددة.

أيضاً ينشط أفراد الجيش الإلكتروني في مختلف المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مجموعات البيع والشراء  على فيسبوك (أسواق المستعمل) ويروجون للهيئة ومؤسسات "حكومة الإنقاذ"، ويبثون الدعاية التي تريد الهيئة إيصالها للشارع والرأي العام.

"إدلب بوست".. قناة تلغرام أقلقت الجولاني

كان أبو أحمد زكور أول من كسر احتكار الهيئة للإعلام الرديف والجيش الإلكتروني، فأسس قريبه همام عيسى الشيخ قناة "إدلب بوست" على تلغرام، وكانت القناة للمتابع الخارجي وحتى لأبناء الهيئة واحدة من قنوات إعلام الهيئة الرديف، تنقل جميع التصريحات والمنشورات وتشارك كل ما يشاركه الرديف. في حزيران عام 2022 أصدرت تحرير الشام تعميماً داخلياً لأتباعها يحذرهم من التعامل مع عدد من قنوات التلغرام التي قال التعميم إنها تدّعي التبعية لإعلام الهيئة الرديف، وخص قناة "إدلب بوست" بالاسم، وأكد التعميم على عدم تبعية القناة وقنوات أخرى لم يسمها للهيئة، وعدم دراية الهيئة بمن يديرها ولمن تبعيتها، وحظر البيان على منتسبي الهيئة التعامل معها وإرسال أي معلومات أو صور أو فيديوهات لها، تحت طائلة المساءلة، وفق ما جاء في التعميم.

 

234534

 

لم تتأثر إدلب بوست بالتعميم، وبقيت تنشر ما ينشره الإعلام الرديف، بل تحولت نحو مزيد من الشهرة عبر التفرد بأخبار حصرية قبل نشرها على الإعلام الرسمي أو الرديف، بعد ذلك ظهرت تبعية غير مباشرة ومعلنة، تربط قناة إدلب بوست بكل من القياديين السابقين في هيئة تحرير الشام أبي أحمد زكور وأبي مارية القحطاني، فكانت تنشر صورهما بشكل دوري، وأطلقت على القحطاني لقب "الخال"، اللقب المنتشر بشكل واسع في أوساط الهيئة حالياً.

 

23452345

 

مع تفجر قضية العملاء داخل هيئة تحرير الشام في منتصف عام 2023 واعتقال القحطاني وملاحقة زكور فيما بعد، ظهرت تبعية "إدلب بوست" بشكل واضح لزكور، وكشف القائمون عليها عن هوياتهم وهم من أقارب زكور، وتحولت القناة إلى أكبر منبر إعلامي خصم لإعلام هيئة تحرير الشام الرسمي والرديف، وباتت بوصلة كل من يريد متابعة تطورات الأحداث الدائرة داخل هيئة تحرير الشام، فنشرت معلومات من داخل الهيئة عن مجريات القضية، وأسماء معتقلين، ومعلومات عن محققين وأمنيين وجلبت صورهم وحتى وثائق ثبوتية خاصة بهم.

شكلت إدلب بوست حالة فريدة واختراقاً كبيراً وكسراً لاحتكار هيئة تحرير الشام للإعلام الرديف، فكانت سلاحاً خاصاً بأحد الأطراف داخل الهيئة، استخدمه بالشكل الأمثل خلال مواجهته مع الجولاني، وأثبت هذا السلاح نجاعته.

تجربة ناجحة ضد الجولاني حفّزت تيارات أخرى

هذا النجاح الكبير لسلاح المنابر الإعلامية الخاصة داخل تيارات الهيئة تحت غطاء الإعلام الرديف، دفع بأطراف أخرى داخل الهيئة حالياً لتشكيل إعلام رديف خاص بها، يندس في صفوف إعلام الهيئة الرديف، الذي يشهد حالة من عدم الانضباط وكثرة القنوات والصفحات والحسابات التابعة له، فبحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا فإن أطرافاً عدة داخل هيئة تحرير الشام بعيداً عن تيار القحطاني وزكور تعمل وعملت على إنشاء قنوات خاصة بها، بعضها ما زال يسير ضمن السياق العام لإعلام الهيئة الرديف، ربما لن يستخدم حالياً، وبعضها الآخر بدأ بالعمل ضد هيئة تحرير الشام.

على الرغم من توجه الإعلام الرديف لهيئة تحرير الشام بشكل مباشر نحو استهداف الحراك الشعبي الحالي وتشويه صورته، فإن المتابع لممارسات ذلك الإعلام يرى أنه يتوجه إلى شيطنة شخصيات لها ارتباطات فصائلية سابقة، ويركز على قادة في الحراك، أما ما نقلته مصادر تلفزيون سوريا فهو سعي الإعلام الرديف الخاص بكتل وتيارات محددة داخل الهيئة لاستهداف الحراك ككل، والإساءة إلى عموم المتظاهرين، وذلك بهدف تأجيج الرأي العام أكثر ضد الهيئة، وزيادة الغليان والاحتقان الشعبي ضدها، مما يدفع الشارع إلى مزيد من التظاهرات للمطالبة بإسقاط الجولاني.

بعد موجة من حملات التشويه لشخصيات في الحراك وللحراك ككل، وبعد وصف المتظاهرين بأوصاف سيئة ومهينة، أججت الشارع ضد الهيئة، عاودت الأخيرة نشر تصريح حول من وصفتها بالحسابات المنتحلة المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، واتهمت الهيئة أعداء الثورة وعلى رأسهم نظام الأسد بتشويه الثورة وخلق الفتنة بين مكوناتها عن طريق حسابات تدعي التبعية للثورة، وحذرت الهيئة من وجود حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتحل صفة شخصيات ومكونات في هيئة تحرير الشام، تهاجم شخصيات أو كيانات معينة مستغلة الأحداث الجارية لتأجيج الخلافات وزيادة الشرخ بين مكونات الثورة.

2134234

بعيداً عن ممارسات الإعلام الرديف التابع للهيئة أو لأطراف داخل الهيئة تجاه الحراك الحالي، يبدو من الواضح أن جميع الأطراف داخل الهيئة أدركت أهمية سلاح الإعلام وعملت على تشكيل منابرها الإعلامية الخاصة، وأن أي صراع داخلي مستقبلي لن يبقى حبيس البيت الداخلي للهيئة، ولن يصدر للخارج بالشكل والصورة التي يريدها الجولاني، بل لكل طرف منابره وروايته التي يعمل على تصديرها لكسب الرأي العام.