حرب أوكرانيا.. ومعارك السوريين الوهمية

2022.02.26 | 05:29 دمشق

13190-syrian-russian-leaders-600_384.jpg
+A
حجم الخط
-A

كما لو أنها هدية من السماء نزلت كمطر في غير موعده، وأعادت الأمل للسوريين اليائسين من حل لمشاكلهم السياسية والنفسية والاقتصادية، وبالتحديد أولئك الذين ابتعدت عنهم منابر الإعلام، وصاروا من الزمن الغابر بعد أن تحولت سوريا إلى دولة محتلة، وأرض صالحة فقط لتبادل الرسائل بين المتصارعين الإقليميين والدوليين أما هم فليسوا سوى بيادق تم استهلاكها، وأدمنت الهزائم.

يكتب أحد الأصدقاء منشورا يصف حال هؤلاء بعد اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا: (أقسم بالله غير مازح ولا هاذر أن حفنة من بلهاء اليسار العربي يظنون أن الجيش الأحمر السوفييتي هو الذي يهاجم أوكرانيا.. أما على المقلب الثاني فهناك من يرى أن الفرصة مواتية للشعب السوري للانقضاض على النظام وإسقاطه لأن روسيا مشغولة بأوكرانيا).

تذهب المعارِضة الداخلية الوطنية إلى أبعد من ذلك حيث تستقرئ المستقبل القريب الذي يبدو أن الحكومة تستعد له على شكل قرارات اقتصادية

إحدى رموز المعارضة الداخلية ترى أن الأمر لا يتعدى استهداف شخص الرئيس السوري الذي ساهمت حكمته في تأسيس المحور المقاوم الجديد، وأن غاية أميركا شيطنة هذا الرجل لأن دونه لا سوريا على الخارطة.. وتقول في مقابلتها الأخيرة: (أميركا تشيطن شخص الرئيس السوري لأنه استطاع بفكره المقاوم تشكيل ما نراه الآن من محور صيني روسي بعمق استراتيجي يبدأ من دمشق، شاء من شاء وأبى من أبى وليس لها شغل شاغل سوى إزاحة هذا الرجل).

تذهب المعارِضة الداخلية الوطنية إلى أبعد من ذلك حيث تستقرئ المستقبل القريب الذي يبدو أن الحكومة تستعد له على شكل قرارات اقتصادية مثل ترشيد المواد الغذائية وترشيد توزيع النفط وإعلان الجاهزية، وتطالب حكومة الأسد بالتوجه إلى (مصارحة من شأنها تضافر جهود الحكومة والشعب من أجل خوض معركة وجودية باتت وشيكة).. ثم تصل إلى التساؤل الأهم: (فهل سنشهد فتح الجبهة الجنوبية في حال التصعيد).

وفي مواقع التواصل اندفعت جموع المؤيدين للتهليل للحرب في استعادة لدعوات مشابهة عندما تدخل الروسي في الحرب السورية عام 2015، واعتبروه حينذاك مؤازرة إلهية لمواجهة الأصولية التي اقتربت من قصر المهاجرين من أجل إزاحة الصرح العلماني العظيم، وأطلق اسم (بوتين) على المواليد الجدد، وكذلك دعوات لتعليم اللغة الروسية، وباتت (حميميم) رمزاً كبيراً لهذا التحالف الممانع الكبير، ولهذا يكتب أحدهم على الفيسبوك: (من حميميم إلى كييف قادمون).

أما عتاة المؤيدين فقد التزم أغلبهم الصمت أو صدمته الحكمة المفاجئة فجاءت منشوراتهم مقتضبة لا تشي بفرح أو بحزن أو حتى تفاؤل بل حملت آمالاً بانتصار الحليف الروسي، وأمنيات بأن لا تصل شظايا الحرب إلى سوريا وتحديداً توقف إمدادات الوقود والقمح فالبلاد في قاع الجوع وعلى زعم أحدهم (موناقصها).

المعارضون من أصحاب الهمم العالية بدؤوا بحملات للاستفادة من انشغال الروس بالحرب الأوكرانية، ورأوا أن الفرصة تبدو مواتية للانقضاض على النظام والتخلص منه لأنه بات مكشوف الوجه والظهر، وكالعادة اندلعت على هامش المعركة العسكرية معركة فيسبوكية ساخرة من أوهام هؤلاء، وطالبهم البعض بتذكر فجائعهم وتدارك تمزقهم كأكثر ما يمكن أن يفعلوه.

أما المعارضون فأعادت لهم صور النسوة الهاربات مصائر أهلهم الفارين من قصف النظام وحليفه الروسي، وأن المجرم واحد في سوريا وأوكرانيا

أما الناشطون من الطرفين فبدؤوا بنشر صور اللاجئات الأوكرانيات الذين رأى فيهم المؤيدون ثروة نسائية صالحة للأكل إن وجدوا في سوريا مكاناً لهم فهن على رأي أحدهم: (جربن الكرم السوري والمتنزهات عندما تمزق الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن المنصرم)، وأما المعارضون فأعادت لهم صور النسوة الهاربات مصائر أهلهم الفارين من قصف النظام وحليفه الروسي، وأن المجرم واحد في سوريا وأوكرانيا.

منذ قليل يكتب شاعر محلي: (بدأ موسم التعفيش في أوكرانيا).. كما لو أنها ذروة الاستذكار فالقتلة المكررون يتناسلون شرقاً وغرباً، والعالم على أبواب موسم سفالته وتوحشه، وفي المواجهة ثمة من لا يستطيع سوى استثمار مواسم الموت بصورته الديمقراطية الزائفة.