حراك صاخب بعد القمة الصامتة

2024.06.08 | 06:28 دمشق

بشار
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور قرابة الشهر على القمة العربية التي أقيمت في المنامة يمكننا التكهن بعدة فرضيات جعلت رئيس النظام السوري يلتزم الصمت في تلك القمة وليس فقط ما قيل إنها مسألة الوقت القليل الذي تم منحه لأي زعيم في خطابه السياسي (ثلاث دقائق) أو أن الكلام ليس مفيداً في تلك الظروف بل هي الأفعال، وهذا غير واقعي لأن الخطاب السياسي ملازم لأي قمة كانت وفي أي ظروف.

تطورات المشهد السريعة بعد القمة تعطينا انطباعاً بأن الكلام أي "الخطاب السياسي" فعلاً بات غير مهم لأن أغلب الأمور على ما يبدو قد اتفق عليها مسبقاً وأن ترتيبات معينة قد تطفو للسطح عما قريب، ابتداءً من لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس النظام السوري بشار الأسد على هامش القمة وأنهما تباحثا في أمور عدة وهنا يأتي التساؤل عن ماهية تلك المحادثات هل هي متعلقة فقط بالأمور الثنائية بين الطرفين من دعم مالي وسياسي كملف الحج للسوريين إذ جُعل مرتبطاً فقط بدمشق أو ملف ضبط الحدود في الجنوب السوري الذي يزعج الجميع، أم أن الأمر أوسع من ذلك ليشمل نوعاً من الدعم الإقليمي أو الوساطة الإقليمية لما توارد من أنباء بعد ذلك عن احتمالية فتح ملف المفاوضات بين أنقرة ودمشق وذلك لمتغيرات كثيرة قد تجمع مصلحة الطرفين بينهما فأنقرة التي يؤرق نومها وجود قسد علاوة على ما تطرحه من انتخابات ترسخ فكرة الانقسام أو الفدرالية في سوريا وهذا أمر مرفوض ولا أدل على ذلك من تصريحات دولت بهتشلي شريك الرئيس أردوغان في الائتلاف الحاكم ودعوته لشن حملة عسكرية بالتنسيق مع النظام السوري للقضاء وإنهاء قسد وحزب العمال الكردستاني وبتوقيت مجاور تأتي تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال بضرورة فتح علاقات مع النظام في دمشق لأغراض إنسانية وسياسية وغيرها من الأمور، كل هذا يوحي بأن الجميع موافق على فكرة التقارب مع النظام في سوريا تلبية للمتطلبات الأمنية لتركيا سواء على صعيد قسد أو على صعيد إنقاص عدد اللاجئين السوريين على أراضيها وهذا الأمر بكل تأكيد يهم دولاً بالإقليم كالعراق الذي وردت أنباء عن قيامه بوساطة بين الطرفين ولعل الرياض تقوم بدور داعم من خلف الكواليس على الصعيد الإقليمي وحتى الأميركي وتحديداً قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام وكل من يتعاون معه.

معرض بيلدكس المقام في دمشق يمكن عده من الحراك الصاخب ما بعد القمة، كيف لا وفيه تجتمع دول ذات أهمية كبيرة على الصعيد الإقليمي والدولي

وفي الإطار نفسه يمكن اعتبار اللقاء الذي جرى بين القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني على باقري كني وفيصل المقداد وزير خارجية النظام السوري بأن إيران تتخوف من مثل هذا التقارب وتريد أن تقول إنها هنا عبر الضغط على دمشق لوضع شرط في هذه المفاوضات إن وجدت وهو تعهد تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية وخاصة بعد توارد أنباء عن خلافات بين طهران ودمشق في الفترة الأخيرة وعدم حضور الرئيس بشار الأسد مراسم تأبين الرئيس الإيراني ليقوم بعدها بزيارة خاصة لطهران ويلتقي المرشد الأعلى علي خامنئي ويقوم بواجب العزاء، هذه الزيارة لا يمكن وصفها إلا بمدلولات سياسية بأن النظام في دمشق يقول للجميع بأنه يجيد لعبة التوازنات القائمة على تضارب المصالح بين بعض الدول الكبيرة في المنطقة وأن وجود القواعد الروسية على أراضيه سيبقى الداعم الأكبر له في كل المحافل السياسية.

معرض بيلدكس المقام في دمشق يمكن عده من الحراك الصاخب ما بعد القمة، كيف لا وفيه تجتمع دول ذات أهمية كبيرة على الصعيد الإقليمي والدولي روسيا والصين إضافة للحليف الإيراني وخمس دول عربية السعودية والإمارات والأردن والجزائر ولبنان، المشاركات العربية هذه لسان حال الخطاب السياسي بأنه لو لم تكن هناك مباركة عربية لدعم هذا المعرض لما كان قائماً ربما وعليه فإنه لم يبق ضرورة لإلقاء كلمة في تلك القمة فالدعم المادي أصدق أنباءً من الخطب فما يهم النظام هو إنجاح المعرض لما يترتب عليه من نجاحات سياسية وغيرها من إعادة الإعمار وتدفق رؤوس الأموال التي يحتاجها لترتيب وضعه الداخلي والإقليمي وحتى ترحيبه بمشاركة الشركة "الجزائرية القطرية للصلب" رسالة منه بأنه منفتح على الجميع طالما أن الأمر فيه تدفق لرؤوس الأموال التي يحتاجها لإعادة إعمار النظام السياسي وإعمار البلد وحتى أنه ليس مهتماً بالانخراط بأي مواجهة مع إسرائيل ليقول للغرب إنه يجب عليه رفع العقوبات المفروضة عليه وأنه لا بديل سياسياً غيره على الجغرافيا السورية، نعم هناك دعم للنظام السوري لكن مقابل هذا الدعم هناك التزامات عليه أن يقوم بها إضافة إلى أن المشهد في المنطقة يتجه نحو التعقيد أكثر فأكثر بعد الحرب الإسرائيلية على حماس فهل يستطيع النظام الوصول لمآربه وسط كل هذه التعقيدات؟.