icon
التغطية الحية

حراك روسي لضمان أمن إسرائيل من جنوبي سوريا

2020.11.08 | 05:45 دمشق

alqnytrt.jpg
إسطنبول ـ فؤاد عزام
+A
حجم الخط
-A

تشهد الساحة الإقليمية حراكا دبلوماسيا روسيا، أبرز عناوينه ترتيبات في الجنوب السوري المتاخم للحدود السورية مع الأراضي المحتلة، في إطار تنفيذ مخرجات لقاء القدس الذي جمع مستشاري الأمن القومي لكل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، في حزيران من العام الماضي، ووضع خطوطا عريضة لتسويات أزمات المنطقة، انطلاقا من مصالح إسرائيل، ومن بينها إبعاد ميليشيات إيران عن حدودها وضمان أمنها، بالتزامن مع  دفع الولايات المتحدة دولا عربية للتطبيع مع إسرائيل برعايتها وبترحيب روسي، وتطبيع عربي مع نظام الأسد، برعاية روسية، وبعدم ممانعة أميركية .

وتركز الحراك الروسي إزاء الوضع في الجنوب السوري، في لقائين رئيسين الأول بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي في العاصمة اليونانية أثينا يوم الإثنين 2/ 11، والثاني عقده ألكسندر لافرنتيف المبعوث الروسي للتسوية في سوريا برفقة وفد عسكري رفيع المستوى، مع الملك الأردني عبد الله الثاني في العاصمة عمان بتاريخ  27/ 10، بينما تسرت أنباء عن لقاء جرى في عمان وجمع مسؤولين عسكريين روس وأردنيين إلى جانب قائد اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا أحمد العودة الذي يسيطر على معظم مناطق محافظة درعا.

 

هل بدأت روسيا بـ ترتيبات المنطقة العازلة جنوبي سوريا؟

وفيما يتعلق بلقاء لافروف أشكينازي، فقد نقل عن الوزير الإسرائيلي تأكيده خلال اللقاء "أن تل أبيب تقدر الحوار والتنسيق مع روسيا لمنع تموضع إيران في سوريا ". بحسب ما أورده موقع قناة روسيا اليوم، في حين استحوذ الحديث عن الجنوب السوري على اهتمامات وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال المدة الحالية بشكل لافت بحسب ما أوردته صحيفة هآرتس التي ذكرت في تقرير أن هناك صراع نفوذ في الجنوب السوري بين طهران وموسكو، وأن الجيش الإسرائيلي رصد في الآونة الأخيرة حدوث تصدعات في تحالف المصالح الثلاثي بين دمشق وطهران وموسكو.

وأوردت وكالة سبوتنيك بأن ضباطا عسكريين كبارا رافقوا لافرنتيف في زيارته إلى عمان مشيرة إلى أن البحث تركز على تطورات الأوضاع في سوريا والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ونقلت الوكالة عن السفير الروسي لدى الأردن غليب ديساتنيكوف قوله الثلاثاء 3/ 11 " أن جميع الممثلين عن وزارة الدفاع الروسية الذين انضموا إلى الوفد الروسي برئاسة لافرنتيف يشاركون بدرجة أو بأخرى وبشكل مباشر في حل الإشكالات السورية المعقدة على الأرض، ولذلك كان حضورهم المشاورات التي عقدت في عمّان في 27 من تشرين الأول الماضي مفيدا في إحراز تقدم بما يتعلق بالتنسيق الروسي الأردني حول سوريا.

كما نقلت عن وزير الخارجية الأردني تأكيده خلال اللقاء أهمية التعاون مع روسيا لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية في سوريا، محذرا من محاولات العصابات الإرهابية إعادة بناء قدراتها ووجودها في الجنوب وأن الأردن سيتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أمنه ومصالحه وضرورة احتواء التوتر في الجنوب السوري.

وأوفدت موسكو قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس أحمد العودة، إلى العاصمة الأردنية عمان، بهدف التنسيق لطرد الميليشيات الإيرانية من المنطقة ، وفتح معبر جابر - نصيب الحدودي بين الأراضي الأردنية ومحافظة درعا بحسب ما أكده إبراهيم الجباوي عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة  لموقع تلفزيون سوريا.

وقال الدكتور الجباوي إن الزيارة تندرج في إطار تنفيذ  اتفاق الجنوب في العام 2018 والمتضمن إبعاد الميليشيات الإيرانية لمسافة أكثر من 60 كيلومترا عن الحدود الإسرائيلية، وجاءت بالتزامن مع زيارة الوفد الروسي إلى عمان وفي إطار التنسيق بين هذه الأطراف.

وأضاف جباوي" إما أن تضغط  روسيا على الميليشيات الإيرانية لإبعادها أو أن يتولى فصيل أحمد العودة هذه المهمة وطرد الميليشيات ولا سيما من الحدود الأردنية السورية، مشيرا إلى أن ما اتفق عليه في عمان لا يزال في إطار السرية والأيام القادمة ستوضح ما ستؤول إليه التطورات.

وقال الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" في عددها الصادر الثلاثاء 3/ 11 " إنه بمشاركة روسية بدأت خطة لتشكيل منطقة عازلة على الحدود مع إسرائيل في المنطقة الجنوبية من أجل تقليل وجود الحرس الثوري الإيراني والتشكيلات المحلية والأجنبية غير النظامية القريبة من طهران، والتي كانت أكثر من مرة قد توعدت إسرائيل بفتح جبهة على حدودها الشمالية ".

 

أهم مخرجات لقاء القدس

ويعد لقاء القدس الذي جمع في حزيران من العام الماضي، مستشاري الأمن القومي لكل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل  نيكولاي باتروشيف، جون بولتون، مائير بن شبات، أحد نتائج الاتفاق الروسي الأميركي حيث أعلن على إثره المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أنه تم التوصل فيه إلى عدد من الاتفاقيات المهمة بشأن سوريا من دون أن يعطي المسؤول الروسي آنذاك تفاصيل إلا أن البيت الأبيض أعلن حينذاك أن اللقاء الثلاثي ناقش قضايا إقليمية على نطاق شامل. 

وفي حين ذكرت وسائل إعلام أميركية حينئذ أن اللقاء بحث مسائل مثل إيران وسوريا والقضية الفلسطينية، ووصف رئيس البعثة الأميركية في موسكو أنتوني غوديغري لقاء القدس بأنه يبلور نهجاً مشتركاً لمعالجة أزمة المنطقة.

وكان بولتون أعلن في تصريحات قبيل مشاركته في لقاء القدس أن الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين اتفقا من حيث المبدأ في قمة هلسنكي في تموز من العام 2018 على ضرورة خروج الإيرانيين من سوريا وإن رأت روسيا أن ذلك سيكون مهمة شاقة، مضيفا أن هدف الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا بحسب ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين هو إيران وميلشياتها في سوريا والعراق وإنهاء دعم إيران لميليشيا حزب الله.

ورأى الدكتور سامر الياس الخبير بالشأن الروسي في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن روسيا ملتزمة بأمن إسرائيل استنادا للقاء مستشاري الأمن القومي واتفاق الجنوب السوري الذي كانت إسرائيل طرفا خفيا فيه وعلى هذا فهي ملتزمة بإبعاد ميليشيات إيران إلى أكثر من ثمانين كيلومترا من الحدود السورية الإسرائيلية.

وأضاف الياس أن روسيا تدرك أولويات إسرائيل الآن وهي إقامة ترتيبات نهائية في الجنوب السوري مع انفتاح وتطبيع مع الدول العربية، وترى أن الوقت غير مناسب الآن للتطبيع بين إسرائيل والنظام على الرغم من أن النظام يلهث وراء صفقة مع إسرائيل للبقاء على كرسيه.

 

ما المحاور التي تعمل عليها إسرائيل ؟

وبموازاة ذلك تعمل إسرائيل على ثلاثة محاور الأول التنسيق مع روسيا والولايات المتحدة بخصوص وجود ايران وميليشياتها في سوريا، استنادا للقاء القدس، والثاني التطبيع مع الدول العربية والثالث ترتيبات متقدمة بالنسبة لسوريا ولبنان.

وفيما يتعلق بالمحور الأول فقد عملت إسرائيل ولا سيما بعد لقاء القدس على تهيئة الساحة في سوريا ميدانيا لخطوة لاحقة من خلال تكثيف استهدافها بعشرات الغارات ميليشيات إيران ومراكز قيادات تلك الميليشيات في محيط دمشق وصولا إلى مناطق درعا والقنيطرة والسويداء، وهي مناطق العمق العملياتي لانتشار ميليشياتها في مناطق الجنوب.

وقال قائد الفرقة 210 في الجيش الإسرائيلي، اللواء رومان غوفمان إن الهدف الاستراتيجي بالنسبة لإسرائيل هو منع تمركز إيران وميليشيا "حزب الله" جنوبي سوريا وفي سوريا بشكل عام. مشيرا إلى أن "الخطر الأكبر إذا نظرنا إلى الحدود السورية، فهو بناء جبهة من قبل إيران وحزب الله في جنوبي سوريا ضد إسرائيل". حسبما أوردته وكالة تاس.

وفيما يتعلق بالتطبيع مع الدول العربية فإن إسرائيل سارت بخطوات متقدمة بعد التطبيع  مع الإمارات العربية المتحدة  والبحرين والسودان إذ  صرح وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، بأن السعودية وسلطنة عمان وقطر والمغرب والنيجر "على الأجندة" حسبما ذكرت محطة تلفزيون واي نت.

وعبرت روسيا عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن تأييد تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبين جيرانها " ... ودول أخرى في المنطقة وقال "الدولة العبرية بخير وصحة وهم أصدقاؤنا وشركاؤنا الوثيقون ، لكن ليس على حساب الفلسطينيين، دون أن يشير إلى الجولان السوري المحتل".

 

النظام يلهث للتطبيع وإسرائيل تتلقى رسائله ببرود

رأى المحلل السياسي حسن النيفي في حديث لموقع تلفزيون سوريا أنه على الرغم من إشارات النظام للتطبيع فإن إسرائيل ليس لديها رغبة بالتطبيع معه وفقا لعدة تلميحات وتصريحات إسرائيلية غير مباشرة أوضحت بأنه لا فائدة للتطبيع مع نظام الأسد لأنه لم يعد يحكم سوريا من الناحية الفعلية وسيطرته تكاد تنحصر على جزء من الجغرافيا السورية ثم إن التطبيع مع نظام قد احترقت أوراقه محليا ودوليا لن يعود عليها بالفائدة المرجوة .

تحركات في إطار تسويات إقليمية 

تندرج  التحركات الروسية والمتفقة مع التفاهمات الإسرائيلية والأميركية،  في إطار مناخ التسويات في المنطقة، التي أقرها لقاء القدس، وتتضمن ترتيبات نهائية  في المنطقة الجنوبية المتاخمة لحدود إسرائيل، بعد إنهاء دور ميليشيات إيران في الجنوب السوري خصوصا، في ظل عجز إيران عن مواجهة التطورات، مع الوجود الروسي القوي، إضافة إلى تطبيع عربي مع النظام بشروط أميركية في إطار العنوان الإسرائيلي، وهو ما تعمل عليه دول عربية متعددة من بينها مصر والإمارات العربية المتحدة التي تربطها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع النظام.

وفيما يتعلق بالنظام فإن إسرائيل ومن خلال تصريحات مسؤوليها  تبدو أنها تستثنيه من قبول تحقيق رغبته بالتطبيع، ولا سيما أنها أصبحت قريبة من إنجاز ترتيبات المنطقة الجنوبية بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا، وكأن النظام غير موجود، وأبعد ما ذهبت إليه هو تجديد موافقتها على بقائه في الحكم بشروطها، بعد أن استنزف البلاد وباتت مدمرة منهكة يحتاج إعادة بنائها إلى عشرات السنين، وعين إسرائيل أبعد من نظام بات هزيلا خرجت ثلث البلاد تقريبا من سيطرته، وتتجه خصوصا باتجاه تطبيع مع الدول العربية الأقوى اقتصاديا، ورسم شرق أوسط جديد ضمن رؤيتها ومصالحها .