icon
التغطية الحية

حاولوا قتله مرتين.. محمد فارس رائد الفضاء الذي أغضب حافظ الأسد وثار على ابنه

2024.04.20 | 19:33 دمشق

آخر تحديث: 21.04.2024 | 10:23 دمشق

43
رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس - الأناضول
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

"لا تيأسو.. سوف ننتصر" هي آخر كلمات رائد الفضاء السوري الأول واللواء المنشق عن النظام السوري، محمد فارس، التي وجهها إلى السوريين في آخر ظهور له، قبل وفاته داخل أحد مشافي ولاية غازي عنتاب التركية، بعد معاناة مع المرض استمرت لأسابيع.

لم يكن اسم محمد فارس عادياً وعابراً في ذاكرة التاريخ السوري، بل كان رمزاً حفر اسمه في قلوب السوريين وحظي باهتمامهم، واشتهر لديهم مرتين، أولاً كأول رائد فضاء سوري، وثانياً كأبرز شخصية معروفة وبارزة التحقت في صفوف المعارضة، رافضاً لسياسات وجرائم نظام الأسد ضد السوريين.

أحب فارس الفضاء قبل الصعود إليه عبر قراءة كتب المجرات والنجوم والكواكب، فقد كانت رغبته وهو طفل بـ"أن يرى الأرض من مسافة بعيدة".

وصف رحلته بأنها "رحلة وطن" وليست مجرد رحلة شخصية، اعتبر أن "الإنسان يولد مرة لكن رائد الفضاء يولد مرتين، مرة عندما يولد من رحم أمه، ومرة عندما يولد من رحم الأرض" حسب وصفه.

تحدى المخاطر وآمن بقضاء الله وقدره في وجه المؤامرات التي حيكت ضده من قبل شخصيات نافذة في النظام، الذين حاولوا قتله مرتين عبر الصعق بالكهرباء والسم.

حمل أرفع الأوسمة في روسيا وسوريا، لكن رغم ذلك، اُضطهد في بلده من قبل نظام قائم على تقديس الأشخاص. أُجلس في بيته. مُنع من السفر. رفض الأسد الأب حضوره في اللقاءات، ورفض الأسد الابن مقابلته.

في السماء كان رائداً، وفي الأرض أصبح لاجئاً. كان حلمه أن يجلس في حديقة منزله بسوريا ويرى الأطفال يلعبون في الخارج دون خوف من طائرات وقنابل الأسد، كما يقول، لكن الأجل كان أسرع من تحقيق الحلم.

بداية الطريق

يروي محمد فارس في العديد من اللقاءات الإعلامية تفاصيل حياته التي بدأت من مدينة حلب عام 1951، وترعرع وسط عائلة متوسطة، حيث كان والده يعمل في مهنة "الصباغة".

توجه فارس إلى سوق العمل منذ صغره، لكن ذلك لم يبعده عن حبه للمطالعة وقراءة الكتب والروايات ما أكسبه ثقافة عالية، حيث يقول في إحدى مقابلاته الإعلامية إن أكثر كتاب أثر فيه كان بعنوان "آثرت الحرية" للكاتب الروسي فيكتور كرافتشنكو، الذي يعتبر من أشهر المنشقين عن الاتحاد السوفييتي في أربعينيات القرن الماضي.

بعد نجاحه في الثانوية العامة وحصوله على درجات تؤهله للدخول في كلية الهندسة المدنية، إلا أنه اختار الالتحاق بالكلية الجوية في قاعدة النيرب الجوية 1971، وتخرج كطيار في عام 1973، قبل 15 يوماً من بداية حرب تشرين مع إسرائيل، لكن لصغر سنه لم يشارك فيها.

حقق طموحه بأن يصبح طياراً مقاتلاً برتبة مقدم في سلاح الجو السوري، وأصبح ضابطاً في مطار الضبعة العسكري القريب من حمص، قبل إرساله إلى ليبيا في ثمانينات القرن الماضي لمدة عام ونصف، بهدف تدريب طيارين ليبيين.

بداية حلم الفضاء كانت في 1984، عندما وقعت سوريا اتفاقية مع برنامج التدريب الروسي الذي يقدمه الاتحاد السوفييتي لحلفائه والذي يطلق عليه "إنتركوزموس"، وبموجبه يقوم السوفييت بتوفير تدريب رواد فضاء لغير الروس.

وخضع أكثر من 50 طياراً للتدريب والاختبارات الشاقة من قبل لجنة سورية في دمشق، نتج عنها اختيار عشرة طيارين سوريين، قبل قدوم لجنة من الاتحاد السوفييتي والتي اختارت أربعة طيارين.

وحسب تصريح سابق للواء فارس، فإن الثلاثة الذين تم اختيارهم إلى جانبه، كانوا العقيد الطيار كمال عربي من السويداء، والعقيد أحمد الرطب والمقدم منير حبيب من الساحل السوري.

سافر فارس مع الثلاثة الآخرين إلى روسيا لمدة 15 يوماً، وبعد عدة اختبارات، تم اختياره مع منير حبيب للدخول في دورة اختبارات قاسية في "مدينة النجوم" الروسية التي كانت تضم أول مركز لتدريب رواد الفضاء.

وخضع فارس وحبيب لاختبارات شديدة وقاسية، حسب ما يصفها، تضمنت اختبارات علمية وصحية ونفسية لمدة عامل كامل.

وبعد انقضاء العام، كان على الروس الاختيار بين حبيب وفارس الذي يروي في إحدى مقابلاته الإعلامية السابقة، عن محاولة النظام السوري الضغط على الروس في اختيارهم.

ويقول فارس إن أحد الجنرالات الروس قال له بأن هناك ضباطا سوريين يضغطون عليهم لاختيار منير حبيب بدلاً عنه، فكان رده "أنا أؤمن بقضاء الله وقدره، وإذا كتب لي أن أشرب المياه في المحطة الفضائية مير سأشربها، بالرغم من جنرالات منير وبالرغم عنكم أيضاً".

وأرسل النظام السوري لجنة إلى روسيا لمساعدة الروس في اختيار رائد الفضاء، حسب فارس لصحيفة "الغارديان، الذي أكد أن الملحق العسكري الذي كان ضمن اللجنة حينذاك وهو العميد إسماعيل، قال له إن "اختيار رئيس الوزراء أسهل من اختيار رائد الفضاء".

لكن في النهاية طلب حافظ الأسد من قائد القوى الجوية اللواء محمد خولي، ترك الاختيار للروس وعدم التدخل.

واختارت اللجنة محمد فارس كرائد أساسي، ومنير حبيب كرائد احتياطي، لتبدأ عمليات التحضير العملي في مدينة النجوم الروسية لمدة عامل كامل.

وبعد الاختبارات والتجارب العملية، منح الروس الطاقمين الرئيسي (محمد فارس) والاحتياطي (منير حبيب) استراحة لمدة أسبوع في إحدى المنتجعات السياحية مع عائلاتهم.

وخلال وجودهم في المنتجع تعرضت زوجة فارس إلى محاولة الصعق بالكهرباء في الحمام، لكن الروس حاولوا "لململة الموضوع"، حسب تصريحه.

ويؤكد فارس أن أحد قادة الطاقم الروسي أخبره لاحقاً أن زميله منير حبيب حاول قتله من خلال الصعق بالكهرباء، كما ألقي القبض على أحد الملحقين العسكريين في مطار دمشق الدولي يحمل مادة سامة مرسلة إلى رواد الفضاء.

يوم غير حياته

في 22 من تموز 1987، كان يوم حاسم بالنسبة لمحمد فارس، لأنه حول حياته من اتجاه إلى اتجاه آخر، كما يصفه.

ويتحدث فارس عن لحظات الانطلاق نحو الفضاء، حيث كانت من أصعب لحظات الانتظار، ويؤكد أن نبض زميله الروسي وصل 140 نبضة في الثانية، بينما كان هو يؤمن بقضاء الله وقدره.

ورغم أن فارس كان رائد الفضاء العربي الثاني بعد السعودي سلطان بن الأمير سلمان، إلا أنه سجل باسمه كأطول مدة يمكث فيها رائد فضاء عربي في محطة الفضاء والتي بلغت ثمانية أيام إلا ساعة واحدة.

وفي حوار مع صحيفة "ذا ناشينال" الإماراتية قال فارس إنه كان أول رائد فضاء يوصل تربة الأرض إلى الفضاء الخارجي، عندما أخذ معه "قارورة تحمل تراباً من دمشق".

وأجرى فارس في رحلته 13 تجربة واختباراً علمياً كان بعضها يهدف إلى معرفة كيفية تفاعل جسم الإنسان مع الزمن في الفضاء، وأطلق على هذه التجارب أسماء عربية مثل قاسيون وبصرى وتدمر.

كما يروي فارس تفاصيل مكالمته الشهيرة مع حافظ الأسد، في إحدى المقابلات الإعلامية، حيث قدمت له قبل رحلته إلى الفضاء ورقة من الإدارة السياسية في الجيش، لتوجيهه بما يجب أن يقوله في أثناء المكالمة المرتقبة، لكن فارس قرر عدم اصطحاب الورقة إلى الفضاء.

بعد عودته من الفضاء، كان محمد فارس يتطلع إلى البدء في تحقيق أحلامه في علوم الفضاء والاستفادة من الخبرات التي اكتسبها خلال رحلته الفضائية.

لكن الواقع كان أقسى بكثير مما كان يتخيل، حيث واجه عقبات لم يكن يتوقعها، وكانت أكبرها غياب الفرص والدعم من قبل النظام السوري.

قابل فارس حافظ الأسد مرتين، الأولى عند عودته لتقليده "وسام بطل الجمهورية" وصفه فارس بأنه "عادي"، حيث لم يقلده الوسام شخصياً كما هو متعارف عليه.

والمرة الثانية عندما رافق رائد الفضاء السعودي سلطان بن سلمان في زيارته إلى سوريا، حيث دار حوار حول معلومة تتعلق بالفضاء فتدخل فارس بأسلوب أدبي، ليلتفت إليه الأسد ويسأله "ألم يغضب منك الروس، لأنك قلت يا الله لحظة انطلاق الرحلة"، ليرد عليه فارس بـ"لا، على العكس كانوا مسرورين" ما أدى إلى انزعاج الأسد.

وعقب ذلك بدأت رحلة فارس مع حافظ الأسد، حيث رفض أن يكون ضمن وفد رواد الفضاء الروس لاحقاً، كما رفض طلبه في تمويل معهد وطني لعلوم الفضاء لمساعدة السوريين الآخرين على اللحاق به في الفضاء، حسب صحيفة "الغارديان".

وفي هذا السياق يقول فارس "لقد أراد حافظ الأسد أن يبقي شعبه غير متعلمين ومنقسمين، مع قدر محدود من الفهم، هكذا يبقى الدكتاتوريون في السلطة، إن مجرد التفكير في إعطاء الناس الرؤية التي سيقدمها لهم معهد علوم الفضاء كان أمراً خطيراً".

كما عمد النظام إلى تهميش فارس لمدة تسع سنوات دون تعيينه في أي مكان، قبل أن يعين في 1996  مديراً للمعهد الجوي في الكلية الجوية، وهو منصب شرفي يشرف على تدريب طيارين مقاتلين.

وبعد وصول بشار الأسد إلى السلطة، حاول فارس لقاءه والعمل على الاستفادة من خبرته في الفضاء، إلا أن الدائرة الضيقة به كانوا يرفضون ذلك، حسب تعبيره.

من رائد إلى لاجئ

بعد اندلاع الثورة السورية قرر فارس الانشقاق عن النظام، رغم المراقبة الدقيقة عليه من قبل أجهزة النظام الأمنية، حيث كان ممنوعا من مغادرة سوريا منذ 2010.

وفي مقابلة مع قناة "TRT" التركية قال فارس إن اللحظة الحاسمة التي جعلته يفكر بالانشقاق هي إصابة طفلة عمرها 8 أشهر بطلقة من طائرة هليكوبتر في حلب ما أدى إلى إصابتها بكتفها.

بدأت رحلة فارس بالانشقاق في 4 من آب 2012، حيث خرج بسيارة خاصة بمساعدة شخص من الجيش الحر، إلى منطقة الخالدية في حلب ثم دوار الليرمون، قبل المرور بجانب المخابرات الجوية وصولاً إلى بلدة كفرحمرة التي كانت خاضعة لسيطرة الفصائل.

وعقب ذلك دخلت أسرة فارس إلى تركيا بشكل نظامي عبر الحدود، وبقي هو في معسكر للجيش الحر حتى اليوم التالي حيث دخل بشكل غير نظامي إلى منطقة كلس التركية.

وخلال وجوده في تركيا تلقى عروضاً من عدة دول في الاتحاد الأوروبي وروسيا، إلا أنه رفض حيث كان يعتقد "أنهم يريدون استخدامه لتحقيق مكاسب سياسية".

وقرر فارس العيش في تركيا وحصل على جنسيتها، وبدأ بتقديم محاضرات ودروس في الجامعات التركية حول الفضاء وعلم الفلك، قبل وفاته في غازي عنتاب جنوبي تركيا.