icon
التغطية الحية

حالات مرضية حرجة في الركبان تنتظر الدخول إلى الأردن ولا حلول

2021.09.30 | 06:52 دمشق

picture2.png
مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية (خاص تلفزيون سوريا)
عمان - آلاء نصّار
+A
حجم الخط
-A

"طفلي يصارع الموت بين يدي ولا أستطع فعل شيء له" هذا ما قالته السيدة أم أحمد المقيمة في مخيم الركبان، قرب الحدود السورية-الأردنية، في حديثها لـ"تلفزيون سوريا"، بعد أن ازدادت سوءاً حالة طفلها ذي السنة وثلاثة أشهر، والذي يعاني من "فتق في الخصية تحول لتورم كبير فيها، يرافقه إقياء وترفع حروري وبكاء مستمر". حسبما ذكرت.

ولم تكن مشكلة أحمد الصحية هي الحالة الوحيدة في مخيم الركبان، بل هناك "ستة أطفال آخرين في المخيم، يعانون من "فتق الخصية"، إضافة لأربع سيدات حالتهن حرجة أيضاً، يعانين من وجود ألياف في أرحامهن، تفاقمت حالتهن لنزف مستمر في الرحم"، بحسب ما قال الممرض شكري شهاب مدير نقطة تدمر الطبية في المخيم. مؤكداً أن العدد الكلي للحالات الحرجة التي تحتاج عملا جراحيا فوريا في المشافي الأردنية، وصل إلى "11 حالة، سبعة أطفال و4 سيدات".

وكانت قد ناشدت هيئة العلاقات العامة والسياسية للبادية السورية في مخيم الركبان، العاهل الأردني عبد الله الثاني في بيان صدر عنها 11 حزيران/ يونيو الحالي، بالسماح للمرضى ذوي "الحالات الحرجة من الأطفال والنساء التي تتطلب إجراء عمل جراحي" بالدخول إلى المشافي الأردنية وإنقاذ حياتهم. 

ولا بديل عن دخول المرضى إلى مستشفيات الأردن إلا الاضطرار للذهاب إلى مناطق النظام لتلقي العلاج في مشافيه، "مرغمين مهددين بالاعتقال أو أعمال الانتقام الذي يمارسه هذا النظام بحق كل من تضطره الظروف الصحية للتوجه إلى تلك المناطق [مناطق النظام]"، بحسب ما أردف البيان.

 

حصاران وموت بطيء 

يعاني أهالي مخيم الركبان الذي يقطنه نحو 12,700 سوري، من حصار غذائي منذ العام 2016، بعد أن أغلق الأردن حدوده مع المخيم على خلفية هجوم إرهابي لتنظيم "داعش" استهدف القوات المسلحة الأردنية في المنطقة، وما فرضته روسيا من إصرار نظام الأسد وروسيا على عدم إيصال مساعدات غذائية للمخيم عبر الأراضي السورية، ولم يكن حال الأمم المتحدة بأفضل، فقد كان آخر دخول لشحنة مواد غذائية أممية إلى المخيم  في أواخر العام 2019.
وبعد مضي أكثر من سنة على إغلاق النقطة الطبية التابعة لمنظمة اليونيسيف في المخيم منذ 18 آذار/ مارس 2020، كأحد الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، عمّق حصار طبي جديد يضاف إلى الغذائي معاناة أهالي المخيم، إذ كان دخول آخر شحنة مواد طبية إلى المخيم ضمن قافلة مساعدات إنسانية مشتركة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري إلى المخيم، في 30 أيلول/سبتمبر 2019.

وبالرغم من وجود نقطتين طبيتين يشرف عليهما ممرضون، تقدمان الخدمات الإسعافيّة وبعض الأدوية وتجرى فيهما الولادات الطبيعية، إلا أن "نقطة اليونيسيف" التي تبعد خمسة كيلومترات داخل الأراضي الأردنية، كانت تمثل المركز الوحيد الذي يجري عمليات جراحية ويقدم معاينات طبية عبر أطباء، ويحول الحالات الحرجة إلى المشافي الأردنية.

 

Picture1_0.png
الطفل محمود وهو يحتضن لعبته المفضلة أمام منزله الطيني في مخيم الركبان 27-9-2021

 

وقبل إغلاق النقطة، ومنذ ولادته القيصرية، عانى أحمد من مشكلات صحية أخرى تمثلت "بوجود سوائل على رئتيه، أنتجت لديه صعوبة في التنفس، اضطرته للبقاء في الخداج بمستشفى الحنان في الأردن"، بحسب أم أحمد. مضيفةً: "اكتشفنا فتق الخصية بعد شهر من ولادته، وأخبرني الطبيب في النقطة أن فتق الخصية لا يتم إجراء عمل جراحي له للأطفال قبل عمر السنة، ولكن عندما بلغ طفلي عامه الأول كانت النقطة الطبية قد أغلقت".

أما خديجة وهي سيدة تبلغ من العمر 26، وتقيم في مخيم الركبان، فإنه وبالرغم من قلقها على حياتها، إذ "أعاني نزفاً مستمراً في الرحم منذ شهرين نتيجة وجود ألياف فيه، وأنا بحاجة لعملية جراحية مستعجلة لاستئصال الألياف"، بحسب ما قالت لـ"سوريا على طول"، إلا أنها قلقة بشكل أكبر على طفلها محمود البالغ من العمر 7 سنوات، ويعاني من الصرع ".

إذ قبل إغلاق النقطة الطبية بسنة، بدأت أعراض الصرع عند محمود "بوهن عام في الجسم وعدم القدرة على الحركة، تطورت إلى حالات إغماء تستمر لدقائق، وعندما أخذناه إلى نقطة اليونيسيف منذ سنتين، أجروا له التحاليل الطبية، ووجدوا أن لديه نقصاً في الكلس والتغذية، ووصف له الطبيب أدوية استمر عليها"، بحسب ما روى والد محمود لـ موقع تلفزيون سوريا.

ولكن بعد شهرين لم يشعر محمود بتحسن، كما أوضح والده، بل "تطورت الحالة لديه إلى رعشة في أطرافه، وعندما أخبرنا الطبيب بحالته، طلب مني تصويره كلما أتته نوبة الصرع، ومن ثم جلبه إلى النقطة".

وبعد معاناة امتدت لأشهر، كون حالته "لا تعد من الحالات الحرجة، -برغم أنه كان يفقد الوعي لساعات-، تم نقله للمشافي الأردنية، وأجريت له الفحوصات العصبية، وصرفت له أدوية عصبية، تحسن عليها كثيراً وتوقفت نوبات الصرع لديه". 

ولكن بعد إغلاق النقطة الطبية "توقف صرف الأدوية العصبية لطفلي، وصرت أخفض جرعة الدواء له كي يكفيه أطول فترة ممكنة". 

ومع استمرار إغلاق النقطة، اضطر والد محمود إلى التواصل مع طبيب يقيم شمال غربي سوريا، -كون الخط الساخن التابع لنقطة اليونيسيف قد توقف بتوقفها، "ليصف لي دواءً بديلاً عن دوائه الذي نفد، خاصة وأن الدواء الموصوف لمحمود سابقاً من المشافي الأردنية، لا تبيعه الصيدليات في مناطق النظام إلا بوصفة طبية من طبيب يقيم في مناطق سيطرتها حصراً". بحسب أبو محمود.

وعليه استطاع والد محمود جلب دواء بديل من مناطق النظام لا يحتاج وصفة طبية، عبر أحد المهربين، إلا أنه لم يكن ذو فعالية على محمود، إذ "عاد الانتكاس لحالة محمود وعادت له النوبات بشكل أكبر لتصل إلى 14 مرة في اليوم، يفقد فيها الوعي، وفي كل مرة أشعر فيها بأني فقدت حياة طفلي إلى الأبد".

معاناة فوق معاناة

"ليست هناك أية معلومات حول ما إذا كانت ستستأنف "نقطة اليونيسيف" عملها مجدداً أم لا؟"، بحسب ما أكدته جولييت توما، المديرة الإقليمية لقسم التواصل بمنظمة اليونيسيف عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لـ موقع تلفزيون سوريا"، إذ يتعلق الأمر "بقرارات الحكومة الأردنية، ولا شأن لنا فيه".

وكان  وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي،  قد نشر في تغريدة له على تويتر، في 20 نيسان/ أبريل 2020، أن مخيم الركبان "ليس مسؤولية الأردن"، وأنه يمكن تلبية احتياجات المخيم "من داخل سوريا"، مؤكداً أن أولوية الأردن صحة مواطنيها، إذ "نحن نحارب كورونا، ولن نخاطر بها بالسماح بدخول أي شخص من المخيم". 

وبرغم أنه وحسب المعلومات الرسمية المتوفرة والتي يبدو أنها ما زال يلفها الغموض حول مصير المخيم طبياً، إلا أنه ليست هناك خيارات متاحة لقاطني المخيم سوى الذهاب للعلاج في مشافي النظام وإلا سيواجهون مصيرهم داخل المخيم.

وفي السياق أجمع أبو محمود وأم أحمد على أن العلاج في مشافي النظام ليس ضمن خياراتهما، إذ قالت أم أحمد "لا أؤمّن على نفسي في مناطق سيطرة النظام، فكثيرون ذهبوا إليه لعلاج ذويهم وتعرضوا إما للاعتقال أو المساءلة، وأنا لا أريد خسارة نفسي وطفلي معاً". في حين أكد أبو محمود رفضه إرسال طفله محمود وزوجته خديجة إلى مشافي النظام لأنها "مسالخ بشرية، هذا إن استطعت الوصول إليها دون أن تعتقل أو تقتل" على حد قوله، إذ ستكون "المعاناة أكبر وأشد وأعتى من الألم الذي يعانيه مرضانا".

من جانب آخر، أكد أبو منير (اسم مستعار) وهو زوج إحدى النساء اللواتي يعانين من نزيف حاد في الرحم، أنه اضطر إلى إرسال زوجته لتلقي العلاج في مناطق النظام بعد أن ساءت حالتها الصحية، مضيفاً "أعلم بأنني خسرت رؤية زوجتي بابتعادها عني وعن أولادها الخمس، ولكن ما باليد حيلة، أردت إنقاذ حياتها، أرسلتها وقلبي يعتصر ألماً.. يبدو أنه كتب علينا أن نعيش الشتات والألم طوال حياتنا".

كذلك أكد شهاب أن "إحدى السيدات التي غادرت المخيم قبل عام إلى مناطق النظام للعلاج، اعتقلها فرع الأمن السياسي في حمص ولا نعلم عنها شيئاً حتى اليوم". 

من جهته ناشد أبو محمود الحكومة الأردنية والملك عبد الله الثاني، من خلال "تلفزيون سوريا"، للسماح لطفله وزوجته بالدخول للمشافي الأردنية، خاتماً حديثه بقوله: "لا أعلم ما الذي فعلناه للعالم حتى يتم نفينا وحصارنا بهذه الطريقة في مخيم الركبان، ألسنا بشراً؟".