icon
التغطية الحية

جيش ميليشيات أم جيش احترافي.. ما أهداف النظام من قرارات دفع البدل والتطوع؟

2023.12.05 | 11:47 دمشق

آلية عسكرية لقوات النظام في ريف حلب ـ رويترز
آلية عسكرية لقوات النظام في ريف حلب ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

في سوريا قبل الثورة، كانت الخدمة العسكرية المريحة "التفييش" من حظوظ أصحاب الأموال والعلاقات الأمنية بالنظام السوري والمقربين منه، وكان التهرب من الخدمة الإلزامية هدفا لمعظم الشباب السوري، رغم الجبهات النائمة مع إسرائيل والهدوء الذي عم سوريا، ولاحقا أصبحت الخدمة في المحافظة التي ينتمي إليها المجند حلا معقولا بدلا عن القتال على الجبهات الساخنة في أنحاء البلاد، وذلك عقب تشكيل النظام للميليشيات المحلية، التي امتهنت النهب وحازت على سلطة ونفوذ في مناطق سيطرتها، ووجدت دعما من حلفاء النظام؛ روسيا وإيران.

وبعد مرور أكثر من 12 عاما على الثورة وما تبعها من حرب، لم يبق جيش النظام السوري على حاله، وكان التغيير في بنيته قد بدأ منذ أول حادثة انشقاق عن صفوفه، لتضرب لاحقا الصدوع التي طالما رعاها النظام لتفكيك العلاقات الاجتماعية بين السوريين جيشه "العقائدي"، الذي تحول إلى الارتزاق وتشظى إلى ميليشيات، مع بقاء قوات مركزية تدين بولائها لعائلة الأسد التي يحميها الروس والإيرانيون من السقوط.

البحث عن مكاسب سياسية

الباحث في مركز عمران للدراسان نوار شعبان قال لموقع تلفزيون سوريا، إن "تصريحات النظام يمكن ربطها بالتحركات السياسية في المنطقة بما يخص الملف السوري.. فقد شهدنا خلال العام الحالي قيام جهات دولية وعربية بفتح قنوات تواصل إيجابية مع النظام ولكن كان هناك مطالب لاستمرارها، وعدم وفاء النظام بتعهداته أثر على تيار التقارب هذا".

وتابع "تعهدات النظام كانت مختلفة منها أمنية وعسكرية واجتماعية وخدمية.. النظام رأى أن عليه تقديم شيء جذري، وهو يعرف أن أي تغيير في هيكليته مضر.. ولكن بما بتعلق بالقوة الأمنية والسلطة الأمنية فإن التعديلات في نظام الجيش هي الأقل كلفة.. ويستطيع الترويج لها لأنه لا أحد يدرك حجم الخلل في هذه المنظومة..".  

وبالنسبة لبحث النظام عن متطوعين يضيف أن ذلك يتطلب مصادر مالية و"قد يطمع النظام بمبادرات من دول عربية أو أخرى حاولت التقارب معه وهو أمر ليس سهل التنفيذ.. الموضوع مكلف.. النظام هنا يحاول الحصول على مكاسب سياسية قبل التنفيذ لأن مجرد الإعلان عنه ودفع الجهات أو الشخصيات الدولية المرتبطة بالنظام بالترويج له يفيده.. انطلاقا من المبدأ العسكري القائل: محاولة كسب المعركة فقط بالإعلان عنها وليس ببدئها..".

ويشدد الباحث على أن دفع البدل النقدي موضوع أساسي عند النظام لكن الانتقال لمرحلة التنفيذ "الخطة السرية" يحتاج إلى وقت طويل، موضحا "هو يحاول تحقيق مكاسب لحظية بالإعلان عن خطة سرية لم يفصح هو عن أي من تفاصيلها، لأنه يبحث عن المكاسب أما بالنسبة للميليشيات فيجب أن نسأل ما مدى انضباط الميليشيات وارتباطها بالمنظومة العسكرية؟ مثلا ميليشيا الدفاع الوطني المنضوية في جيش النظام، هي تابعة للجيش لكنها من دون عقيدة عسكرية وغير منضبطة عسكريا لذلك هي بعيدة كل البعد عن الهيكلية الهشة التابعة للنظام ولكن إذا همشت هيكلية النظام الجديدة هذه الجهات بشكل تقني أي بمعنى اختفاء الحامي الأساسي لها من الاستهداف الإسرائيلي (توجيه الضربات الإسرائيلية إليه كان قليلا نوعا ما لأنه جيش نظام) فإذا سحب منه هذا التصنيف سيصبح جسما عسكريا من دون تصنيف رسمي وهذا سيدفعه للمحافظة على بقائه وسلطته.. وبالتالي سنشهد مرحلة جديدة من الاقتتال الداخلي".

يهدف النظام السوري من "مشروعه" إلى إيجاد قوة محلية تحميه في دمشق والساحل، وهو صاحب تجارب في استخدام الجيش لمواجهة أي تهديد لسلطته في الداخل، وهو مازال مستمرا في نهجه هذا منذ 2011 وحتى اليوم. 

 تآكل الجيش "العقائدي".. جيش ميليشيات أم جيش احترافي؟

يقاتل إلى جانب جيش النظام خليط من الميليشيات انفصل بعضها عن "الجيش" وعاد ليشارك في المعارك إلى جانب قوات النظام كميليشيات موالية، بحسب محللي الاستخبارات المفتوحة المصدر في موقع Bellingcat.

ويضيف الموقع أن جزءا كبيرا من جيش النظام تم دمجه في مجموعة متنوعة من الميليشيات المحلية، التي لا تختلف كثيراً في بنيتها عن قوات المعارضة السورية.

وتبقى العلاقة بين "المؤسسة العسكرية" أو ما تبقى منها والميليشيات الموالية محفوفة بالمخاطر، خاصة أن الميليشيات تتمتع بعلاقات مع أجهزة الاستخبارات العسكرية المتنافسة، وفي ضوء الفساد المتأصل والمصالح التجارية، يمكن أن تؤدي قرارات النظام الأخيرة إلى صراعات مستقبلية لأن الميليشيات ستضطر للدفاع عن وجودها ومكاسبها، إذا لم تكن مستفيدة من المشروع الجديد.

والإثنين، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، أمراً إدارياً أنهى من خلاله استدعاء الضباط الاحتياطيين (المدعوين الملتحقين) ضمن جيش النظام، اعتباراً من تاريخ 1 من شباط 2024، لكل من يتم سنة وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى 31 من كانون الثاني من العام المقبل.

ونصّ الأمر الإداري على إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين (المحتفظ بهم، والمدعوين الملتحقين) اعتباراً من تاريخ 1 من شباط العام المقبل، لكل من يتم 6 سنوات وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى تاريخ 31 من كانون الثاني من العام نفسه.

ويوم الجمعة الفائت، أصدر بشار الأسد مرسوماً "يجيز للمكلفين بالخدمة الاحتياطية ممن بلغوا سن 40 ولم يلتحقوا بعد، دفع بدل نقدي مقداره 4800 دولار أميركي أو ما يعادله بالعملة السورية".

وأضاف المرسوم أنه "يحق لمن التحق بالخدمة الاحتياطية وبلغ سن 40 وما زال يؤدي الخدمة، دفع البدل النقدي المذكور، على أن يتم حسم مبلغ 200 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية عن كل شهر أداه المكلف".

ويفرض النظام السوري "خدمة العلم أو الخدمة الإلزامية" على الذكور ممن أتموا 18 من العمر، وتصل مدة الخدمة إلى سنتين، وتشمل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. ويسعى النظام عبر قراراته الأخيرة للحصول على تمويل من العملة الصعبة التي ستصله من "دافعي البدل النقدي".

ما خطة "إصلاح" جيش النظام؟

ادعت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري، البدء بخطة إصلاح سرية للمؤسسة العسكرية، للوصول إلى جيش "متطور واحترافي" قائم على المتطوعين.

وقال مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام، اللواء أحمد سليمان، إنّ "النظام اتخذ قراراً بالبدء بخطة الإصلاح في المؤسسة العسكرية، وذلك بصمت وسرية، دون توجه إلى العلن".

وزعم سليمان أن "صدور مرسوم العفو عن جرائم الفرار، وإعلانات التطوع والمرسوم الأخير المتعلق بالمتخلفين عن خدمة الاحتياط، لم يكن صدفة، فهناك استراتيجية لتحقيق هدف الوصول إلى جيش نوعي متطور احترافي يعتمد على المتطوعين".

وهناك ميزات لمن يؤدي خدمة التطوع منها راتب لا يقل عن مليون و300 ألف ليرة سورية، تطوله زيادات، وفقاً لما نقلت وسائل إعلام مقربة من النظام عن اللواء، الذي أشار إلى أن هناك "تعديلاً كاملاً لمفهوم الاحتياط ولن يبقى كما هو الآن"، وفق وصفه.

ولم يكشف سليمان مزيداً من التفاصيل عن "خطة الإصلاح"، قائلاً إن ذلك "سيتضح خلال الأيام القادمة"، إذ لن يؤدي أحد الخدمة الإلزامية ويبقى فيها فترة طويلة، بعد صدور تعديلات في الفترة القادمة، منها تسريح عدد لا بأس به ممن يؤدون "الخدمة الاحتياطية".

وختم سليمان: "وضعنا جدولاً زمنياً لتحديد مدة الخدمة الاحتياطية، بحيث لا تتجاوز العامين، وذلك لا يعني أن كل من أدى خدمة إلزامية سيؤدي خدمة احتياطية، قد لا يُطلب".

يأتي الإعلان عن الخطة التي تحتاج إلى مصادر تمويل ضخمة، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة تضرب البلاد، حيث يعتمد النظام والميليشيات على تجارة الكبتاغون والمخدرات، وسط ضغوط إيرانية لسداد الديون واستنزاف عسكري واقتصادي لروسيا في حرب أوكرانيا.

على من سيعتمد جيش النظام "الاحترافي"؟

عام 2020، أشارت تقارير المصادر المفتوحة إلى أن المحافظتين الساحليتين اللاذقية وطرطوس إلى جانب محافظتي حمص وحماة في المناطق ذات الأغلبية "الموالية"، مثلت مجتمعة ما لا يقل عن 52 في المئة من وفيات الموالين.

وبعد التسويات التي تمت في سوريا، التحق مقاتلون سابقون في فصائل المعارضة بقوات النظام، "كميليشيات ملحقة"، وفي الوقت ذاته رفضت محافظة السويداء تجنيد أبنائها، وهي في انتفاضة ضد النظام منذ أكثر من 100 يوم. 

وشهدت مناطق سيطرة النظام حركة "تخلف" عن أداء الخدمة الإلزامية، من خلال الهجرة إلى أوروبا أو دفع الأموال، وبحسب تقرير عام 2022، فإن النظام لم يستطع سحب سوى 148 شاباً من أبناء ريف دمشق لأداء الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، ضمن عدّة حملات نفّذتها استخبارات النظام والشرطة العسكرية.

وكان جيش النظام السوري قد أعلن قبل أيام عن رغبته بقبول تطوع أشخاص كصف ضباط وأفراد في مختلف التشكيلات والقطعات، في حين يرجح أنها خطة للنظام لترميم قواته المسلحة بعد أكثر من 12 عاماً من إنهاكها في مواجهة الثورة السورية.

وقالت وزارة الدفاع في حكومة النظام، إنها تعلن رغبتها عن تطوع أشخاص من حملة الشهادات "جامعات ــ المعاهد المتوسطة ــ الثانوية ــ التعليم الأساسي ــ الابتدائية".

كذلك أصدر رئيس النظام بشار الأسد، الجمعة، مرسوماً يجيز دفع بدل "الخدمة العسكرية الاحتياطية"، وحدد فيه الفئة "المستفيدة".

ويبدو أن قوات النظام قد تأقلمت مع الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع تابعة عسكرية تابعة لها وللميليشيات الإيرانية، وهو ما يشير إلى أن خطة النظام لـ "حرفنة" الجيش تحتاج إلى ولاء قد لا يؤمنه المال إن توفر، حيث يعيش السوريون في مناطق سيطرة النظام أزمة معيشية حادة حيث وصل خط الفقر العام إلى مليون و600 ألف ليرة سورية شهرياً، وبلغ خط الفقر المدقع لأسرة مكونة من 5 أفراد نحو 736 ألف ليرة سورية شهرياً، وخط الفقر الشديد 1.16 مليون ليرة سورية، وخط الفقر العام 1.6 مليون ليرة سورية في عام 2022.

ومع انتشار الاحتقان الشعبي في المناطق الموالية للنظام عقب فشله في إدارة ملف القتلى والجرحى، سيكون تطوع الشباب في "الجيش الاحترافي" دافعه الفقر والجوع، بعد تآكل عقيدة جيش النظام إثر الجرائم والمجازر التي ارتكبها في سوريا. لذا قد يجد الجيل الجديد من المتطوعين نفسه أمام سؤال يقول: من أجل ماذا سنحارب؟..