icon
التغطية الحية

جهاز طبي واحد لـ 4.7 ملايين نسمة.. معركة لتأمين العلاج لضحايا الزلزال بسوريا

2023.02.28 | 15:24 دمشق

طفلة تقف فوق ركام الأبنية التي دمرها الزلزال في سوريا
طفلة تقف فوق ركام الأبنية التي دمرها الزلزال في سوريا
Nature - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تسبب زلزال شدته 7.8 درجات ضرب تركيا وسوريا يوم 6 شباط بمقتل أكثر من 50 ألف إنسان وتسوية العديد من المدن بالأرض، ومن بين تلك الأعداد، هنالك 4.500 نسمة قتلوا بالزلزال في سوريا، و8500 شخصاً أصيبوا بجراح بسببه في شمال غربي سوريا.

تلك المنطقة التي لا تخضع لحكومة موحدة، والتي أصبحت مفصولة عن العالم منذ أكثر من 12 عاماً في خضم الحرب المدمرة التي شهدتها، كما أن منظومتها الصحية المنهكة بالأصل، والتي يشترك فيها 4.7 ملايين نسمة بجهاز واحد للتصوير بالرنين المغناطيسي، أصبحت بحالة عجز يرثى لها. ثم إن أكثر من 10 آلاف مبنى قد دمر بسبب الزلزال بشكل كلي أو جزئي، ما خلف 11 ألف مشرد، بحسب وكالة أوتشا الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، ناهيك عن تدمير الزلزال لمستودعات الأدوية.

الطوارئ الطبية

أصبحت المشافي في تلك المنطقة مكتظة ومنهكة وهي تحاول تأمين مساحة لآلاف المصابين بوجود عدد محدود جداً من الأسرّة واللوازم الطبية والمعدات الجراحية ومرافق العناية المركزة.

يحتاج أكثر من 8500 مصاب لسرير في 66 مشفى فقط مايزال ضمن نطاق الخدمة، ومجموع عدد الأسرة في كل تلك المشافي يصل إلى 1245 سريراً مخصصة للإقامة القصيرة في المشفى بحسب ما أعلنته منظمة الصحة العالمية. كما أن  شمال غربي سوريا كاملا ليس فيه سوى 86 طبيباً مختصاً بالعظام، و64 آلة تصوير شعاعي، و7 أجهزة للتصوير المقطعي بواسطة الحاسوب، وجهاز تصوير واحد بالرنين المغناطيسي، وذلك بحسب ما نشرته منظمة الصحة العالمية من بيانات بنهاية عام 2022، وهذا ما دفع طبيبة أمراض النساء، إكرام حبوش، وهي مديرة مشفى التوليد العام الوحيد الموجود في مدينة إدلب، للقول: "إن الوضع الصحي في شمال غربي سوريا كارثي".

يطلعنا عالم الأوبئة عبد الكريم قزيز من جامعة كينغز كوليدج بلندن، على مدى خوفه من تفشي الأمراض المعدية، ولهذا يقول: "لقد نفدت المضادات الحيوية منذ اليوم الثالث [بعد وقوع الزلزال]"، وتضيف حبوش:" لقد استخدمنا خلال يومين إلى ثلاثة أيام الأدوية والأمصال التي تبقى لدينا عادة لمدة أربعة إلى ستة أشهر". ولذلك بدأت منظمة الصحة العالمية بنقل الأدوية واللوازم الطبية جواً إلى هناك، بيد أنها ذكرت بأن شمال غربي سوريا يحتاج أيضاً إلى معدات تشخيص أساسية مثل أجهزة التصوير بالأشعة السينية.

يعود أحد أسباب النقص الحاد في الرعاية الطبية في هذه المنطقة لاستهداف المشافي والكوادر الطبية خلال الحرب كما شرح قزيز الذي يعمل مع غيره على مشروع تحقيقي تموله المملكة المتحدة ويعرف باسم أبحاث من أجل تمتين المنظومة الصحية في سوريا. وفي دراسة منفصلة، قدر قزيز عدد المرافق الطبية التي تعرضت لهجمات اعتبارا من حزيران 2021 بـ350 مرفقاً طبياً، مع مقتل 930 عاملاً في الرعاية الصحية.

وعن الوضع الراهن يحدثنا فيقول: "يعمل الناس في كل مكان ليستفيدوا من الموارد الموجودة والتي تشمل سيارات الإسعاف الأساسية"، وتضيف حبوش بأن: "الكوادر الطبية صارت تعمل بلا توقف"، بما أنها هي نفسها كانت تعمل لدى مشفى التوليد بإدلب عند وقوع الزلزال الأول، وهذا المشفى يشغل الطابقين الخامس والسادس من البناء، ولهذا تتذكر حبوش تلك اللحظات فتقول: "ترتّب علينا إخلاء الحاضنات ونقل جميع الرضع إلى الطابق الأرضي".

وبحسب ما ذكره ثلاثة أطباء من شمال غربي سوريا، فإن أشيع الإصابات تتمثل في كسور في الأطراف وإصابات بسبب الصدمة، والنزف، وإصابات بسبب السحق ومن بينها "متلازمة الهرس" وتعني وجود إصابة تؤدي إلى تلف في العضو ويشمل ذلك الفشل الكلوي.

يحتاج المصابون بمتلازمة الهرس لرعاية مركزة وغسيل للكلى بحسب ما ذكره طبيب القلب والأوعية جواد أبو حطب الذي صار عميداً لكلية الطب بجامعة حلب الحرة في شمال غربي سوريا، بيد أن المنطقة كلها لا يوجد فيها سوى 73 جهازاً لغسيل الكلى بحسب الإحصائيات التي جمعتها منظمة الصحة العالمية.

وحول ذلك يعلق أبو حطب بالقول: "ثمة حالات لسكتات قلبية بسبب الصدمة والذعر من المصيبة". ولذلك صار المجمع الطبي هناك يستعد للتعامل مع المزيد من حالات صدمة ما بعد الزلزال خاصة بين صفوف الأطفال والنساء.

يرى الأطباء بأنهم بحاجة ماسة للمزيد من أجهزة غسل الكلى ومعدات جراحة العظام، إلى جانب المسكنات والمضادات الحيوية، إذ تقول حبوش: "لم تكن تلك اللوازم موجودة بوفرة قبل الزلزال" بيد أنها نفدت اليوم.

Aerial view of rescuers searching for survivors amidst the rubble of a collapsed building in the town of Harim in Syria.

منقذون يخرجون ناجين من بين أنقاض الأبنية المنهارة في حارم

تقييمات بالأضرار تتم بالعين المجردة

يقوم مهندسون متطوعون بالتنقل من بيت إلى بيت لفحص 8500 مبنى تضرر بسبب الزلزال والتأكد من سلامتها قبل عودة الناس إليها، وبسبب النقص في الأدوات الضرورية ومعدات السلامة يلجأ هؤلاء للنقر على الجدران بأدوات منزلية مثل المطرقة العادية ومن بعدها يتخذون قراراتهم بناء على ما يشاهدونه بالعين المجردة.

إن هذا العمل مرهق للغاية، ولكن ابتداء من 25 شباط الجاري، تم تقييم نحو 2644 مبنى متضرر بحسب ما أعلنته نقابة المهندسين السوريين الأحرار، وهي عبارة عن منظمة تطوعية مقرها اعزاز بالقرب من حلب، تعمل على تنسيق تلك الجهود.

وفي الوقت ذاته، يسهم خبراء سوريون يعيشون في الشتات في عمليات التقييم الافتراضية للأماكن التي لم يتمكن المهندسون المحليون من الوصول إليها، حيث يقوم الأهالي بالتقاط صور وفيديوهات للأبنية المدمرة من الداخل، ثم يرسلونها إلى أعضاء نقابة المهندسين السوريين في قطر، ضمن مقرها في الدوحة.

وحول ذلك يعلق المهندس المدني محمد عزمي توكل وهو رئيس تلك النقابة، بالقول: "يعتبر تقييم وضع هيكل الأبنية ملحاً تماماً كالوضع الطبي، ولهذا يجب ألا يتم التقليل من شأن هذه العملية بما أن الهزات الارتدادية ماتزال تحدث"، بيد أن الناس في شمال غربي سوريا مضطرون لاستخدام ما يتوفر بين أيديهم من سبل وطرق حسب رأيه.

يحاول المهندسون تقييم المبنى إن كان صالحاً للسكن أو لا (والمقصود بذلك أنه آمن بوجود تشققات طفيفة)، أو غير صالح للاستخدام بصورة مؤقتة (أي إنه بحاجة لتدعيم)، أو غير آمن، وفي هذه الحالة يتعين على السكان إخلاء المبنى على الفور.

هذا ويتم تدعيم الأبنية المهددة بالانهيار بما يتوفر من مواد بصرف النظر عن كونها مناسبة أم لا، فالبوليمرات المعززة بألياف الكربون تنفع أكثر مع عمليات التدعيم في مواجهة الزلزال، بحسب ما ذكره المهندس محمد خير حايك الذي يعمل مع متطوعين في تلك النقابة، بيد أن الناس هناك يضطرون لاستخدام الحديد الصناعي الهش، وهذا ما دفع حايك للقول: "إننا في وضع الطوارئ، ولهذا يتعين علينا الاستجابة بسرعة عبر استخدام الموارد المتوفرة بين أيدينا".

تقوم نقابة المهندسين في شمال غربي سوريا بجمع البيانات بصورة يومية، ويعلق أحد أعضائها واسمه علي حلاق وهو مهندس حاسوب على ذلك بقوله: "إن الخطوة التالية هي تحليل التقارير وإنتاج دراسات إحصائية لا بد أن نستفيد منها في مرحلة إعادة الإعمار".

قد تحتاج معظم الأبنية لإعادة بناء من جديد، بيد أن هنالك نقصا في عدد المهندسين في شمال غربي سوريا حسب رأي حايك، إذ قبل الزلزال يحدثنا عن الوضع فيقول: "كنا نتحدث عن الحاجة لتدريب مهندسين على إعادة الإعمار بحسب معايير السلامة الملائمة، أما الآن فقد تحول ذلك إلى ضرورة".

 

المصدر: Nature