عمقت الفصائل العسكرية من جراح روسيا بهجوم جديد شنته يوم أمس الأربعاء مساءً، واستهدف السيطرة على معسكر وتلال إستراتيجية جديدة، بعد تمكن تلك الفصائل من الحفاظ على مواقعها في "تل ملح" و "الجبين" للأسبوع السادس على التوالي، حيث دخلت هذه المواقع التي تشرف على طريق السقيلبية – محردة في السادس من شهر حزيران / يونيو الفائت.
وأفادت مصادر عسكرية خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن غرفة عمليات "الفتح المبين" التي تتألف من عدة فصائل أبرزها الجبهة الوطنية للتحرير وجيش العزة، نفذت أمس الأربعاء هجوماً واسعاً، بعد أسبوع من التمهيد المدفعي والصاروخي، ونتج عن الهجوم السيطرة على بلدة الحماميات والتلة المجاورة لها، حيث أقامت قوات النظام السوري قبل سنوات معسكراً ضخماً في البلدة وتلتها.
وتمكنت الفصائل المهاجمة من الاستحواذ على 7 نقاط أخرى في محيط الحماميات وعلى مشارف بلدة كرناز، أبرزها "البراد" و "الطوابق"، وهي منشآت خاصة حولتها قوات النظام إلى نقاط عسكرية لحماية معسكراتها الأخرى.
ولم تقتصر خسائر قوات النظام على المواقع الهامة، وإنما امتدت لتشمل العتاد والعنصر البشري، حيث دمرت فصائل "الفتح المبين" دبابتين وعربة مدرعة، واستولت على دبابة ثالثة، كما قتل في المعارك 40 جندياً وضابطاً على أقل تقدير.
وأفاد القيادي في الجبهة الوطنية للتحرير النقيب "إياد الحمصي" أن معركة "الحماميات" شهدت تنفيذ تكتيك جديد من قبل فصائل الجيش الحر، وذلك من خلال "محاصرة التل نارياً"، وتكثيف الرمايات المدفعية والصاروخية عليه، وعلى الطرق التي يتم استخدامها لإيصال الإمدادات له.
وأضاف "الحمصي" في تصريح لموقع تلفزيون سوريا: "استمرينا في قصف المعسكر وطرقات الإمداد لأكثر من أسبوع بمشاركة من وحدات المدفعية ووحدات المضادة للدروع ، مما أدى لإنهاك وإضعاف ترسانة العدو المتواجدة في الحماميات وتلتها".
وأكد "الحمصي" أن الهجوم أسفر عن مقتل مابين 40 و 50 جندياً وضابطاً في قوات النظام السوري، وتدمير دبابتين والاستيلاء على عربة مدرعة محملة بمدفع رشاش من عيار23 ملم، بالإضافة إلى أسلحة وذخائر متنوعة".
ورغم تنفيذ قوات الأسد لأكثر من 5 محاولات لاستعادة المعسكر الذي خسرته خلال الساعات الماضية، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أي تقدم.
معسكر الحماميات في الميزان العسكري والإستراتيجي
خسارة قوات الفيلق الخامس وقوات النمر والفرقة التاسعة المدعومين روسياً لمعسكر الحماميات المتموضع على تلة مرتفعة، تعتبر هي أقوى صدمة تتلقاها الحملة الروسية على ريف حماة منذ إطلاقها مطلع شهر أيار / مايو الماضي، أي قبل أكثر من شهرين، والتي كانت موسكو تعول على حسمها خلال أسابيع قليلة عن طريق إحداث "صدمة" تؤدي لانهيار معنوي أمام القوة المفرطة، وذلك من خلال تكثيف غارات الطيران، والتي بلغت حتى يومنا هذا أكثر من 2100 غارة جوية من الطائرات الحربية الروسية التي تنطلق من قاعدة حميميم، بالإضافة لأكثر من 1600 هجوم من الطائرات المروحية بالبراميل المتفجرة، والقصف المدفعي والصاروخي المكثف والمركز.
وتكمن أهمية "معسكر الحماميات" بأنه يعزز من حضور الفصائل العسكرية بالقرب من طريق السقيلبية – محردة العسكري، حيث يتصل تل "الحماميات" بالـ"الجبين" و "تل ملح" الإستراتيجيتين المطلتين على الطريق ذاته الذي يعد بمثابة شريان مهم جداً لضمان استمرار سير العمليات في شمال حماة، حيث يتم استخدامه لاستقدام التعزيزات وقوات الدعم.
وبالسيطرة على "الحماميات" وتلتها يصبح الطريق مفتوحاً للتقدم نحو بلدة "كرناز" ومعسكر "المغير"، ويعزز من فرص عودة الفصائل العسكرية إلى بلدة "كفرنبودة" مجدداً، حيث لم يعد يفصل بينهم وبينها سوى السيطرة على تلة "الصخر".
واعتلاء الفصائل المقاتلة لتلة "الحماميات" يمنحها إمكانية أوسع للمناورة العسكرية، والدفاع عن "كفرزيتا" التي تضعها روسيا منذ البداية كهدف أساسي لها.
ورطة روسية
بات يمكن وصف العمليات العسكرية التي أطلقتها روسيا في شمال حماة وغربها بـ "الورطة"، في ظل فقدانها تلال إستراتيجية كانت توصف بالسابق أنها "حصينة"، ولم تتمكن فصائل ريف حماة من تثبيت سيطرتها عليها رغم تكرار المحاولة بشكل دائم في الفترة الممتدة من 2013 حتى 2016، والحديث هنا عن "تل ملح" و "معسكر الحماميات".
وأبدت روسيا في نهاية شهر أيار / مايو رغبتها في إعادة الهدوء إلى المنطقة، وذلك بعد تثبيت سيطرة "الفيلق الخامس" المدعوم منها في "كفرنبودة" و "قلعة المضيق"، في موقف يؤشر على خشيتها من الدخول في حرب مفتوحة، وقيام تركيا بإطلاق يد الفصائل العسكرية لشن هجمات كان الاتفاق التركي – الروسي لا يتيح القيام بها، حيث كانت تسعى موسكو لـ "القضم البطيء" للمواقع دون استثارة حفيظة أنقرة.
وتكمن "الورطة الروسية" في أنها باتت عاجزة عن تحقيق تقدم مهم في معارك ريف حماة رغم زجها بقرابة 500 جندي من المشاة وخبراء سلاح المدفعية، كما أن إيقافها للحملة سيشكل اعترافاً واضحاً بـ "الهزيمة"، وقد يشجع الفصائل العسكرية على الاستمرار في الهجوم ودخول مناطق جديدة، بالإضافة إلى استعادة "كفرنبودة" و "المضيق"، خاصة في ظل "السذاجة العسكرية" التي لمسوها في "الفيلق الخامس" و "قوات النمر" في أول اختبار حقيقي وجدي لهم في الميدان، لم يسبقه تمهيد سياسي من خلال توافقات دولية مهدت للسيطرة على درعا وريف حمص، أي أن الصورة التي تم رسمها عن عدم إمكانية قهر روسيا والقوات المدعومة منها وخاصة "قوات النمر" انهارت تماماً، في ظل عودة واضحة للثقة بالنسبة للفصائل العسكرية والحاضنة الشعبية المؤيدة لها.
ومما سيزيد تعقيد المشكلة أن خيار استخدام الميليشيات الإيرانية في معارك حماة بشكل واسع وعلني أمر غير متاح، على اعتبار أنه لم يمضي الكثير على اجتماع القدس الأمني الذي جمع روسيا و إسرائيل والولايات المتحدة، وكان أبرز مخرجاته التوافق على تحجيم دور إيران بسوريا، كما أن الروس التزموا سابقاً مع بعض الدول الخليجية ومنها السعودية بذات الأمر، ولهذا السبب جرى تأسيس الفيلق الخامس كحل بديل، وتم تلميع "سهيل الحسن" الملقب بـ "النمر" وقواته، ومن غير الوارد أن تقوم موسكو بالإضرار بتلك التفاهمات خاصة مع "تل أبيب" المهمة جداً بالنسبة للبقاء الطويل الأمد لروسيا في سوريا والتعاون حول ثروات "حوض شرق المتوسط".