icon
التغطية الحية

جدل بشأن الوجود الأميركي في سوريا.. هل مازال "داعش" يشكل خطراً؟

2024.02.12 | 15:36 دمشق

جنود أميركيون معهم دبابة في الأراضي السورية - المصدر: الإنترنت
قوات أميركية شمال شرقي سوريا - إنترنت
Responsible Statecraft - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل عشر سنوات من الآن، اجتاح "تنظيم الدولة" في العراق وسوريا مساحات شاسعة في البلدين، فسيطر عندما بلغ ذروته على مساحة تعادل مساحة بريطانيا العظمى، وخضع لحكمه الوحشي أكثر من عشرة ملايين نسمة، وعلى الرغم من أن "دولة الخلافة" خسرت جهاز الدولة قبل سنين، ما يزال التنظيم يمثل قوة مدمرة تعمل من خلال خلاياه النائمة على نصب كمائن في العراق وسوريا.

هل مازال "داعش" يمثل تهديدا في سوريا؟

منذ فترة قريبة، أصبحت فلول "تنظيم الدولة" تشن عمليات كر وفر في محافظات سورية وعلى رأسها دير الزور وحمص والرقة، وتستهدف من خلالها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وجيش النظام السوري والميليشيات المدعومة إيرانياً والمتحالفة مع بشار الأسد والتي تشمل لواء فاطميون الأفغاني.

يرى المحلل المختص بالشأن السوري، داني مكي، بأن تنظيم الدولة مايزال يمثل تهديداً كبيراً لسوريا، ويضيف: "مايزال التنظيم قادراً على شن هجمات فتاكة على طريقة حرب الشوارع إلى جانب عملياته التخريبية التي تتسبب بخسائر كبيرة في الأرواح ضمن المناطق الكردية ومناطق سيطرة النظام، وذلك على الرغم من تراجع وجود تنظيم الدولة في المنطقة"، ويشرح مكي بأن التنظيم لا ينفذ عملياته انطلاقاً من منطقة معينة، لكونه لا يسيطر على مدينة كبيرة أو أقام لنفسه قاعدة عسكرية في مكان محدد، ما يعني بأنه من الصعب محاربة تلك العناصر في حرب قد تشن ضدهم.

تعتبر مدينة السخنة الواقعة في محافظة حمص شرقي سوريا مدينة استراتيجية ولذلك تعرضت عدة مرات لهجمات "تنظيم الدولة"، وبحسب ما يراه مكي فإن التنظيم قد شارف على الاستيلاء على تلك المدينة خلال الفترة الماضية، إذ قبل عام، شن  أعنف هجمة "إرهابية" له منذ كانون الثاني 2022، فقتل 53 سورياً كانوا يجمعون الكمأة في منطقة البادية بالقرب من مدينة السخنة. وفي محافظة حمص، قتلت قوات تنظيم الدولة ما لا يقل عن 14 جندياً من الجيش السوري بالقرب من مدينة تدمر وذلك فقط خلال الشهر الماضي.

جدل بشأن الوجود العسكري الأميركي في سوريا

لا يجوز التشكيك باحتمال عودة "تنظيم الدولة" للسيطرة نظراً لزيادة حالة انعدام الاستقرار التي تسبب بها توسع الحرب الإسرائيلية على غزة وامتدادها في بلاد الشام الأمر الذي صعد الهجمات المتبادلة بين الجيش الأميركي والميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق. ووسط الجدل الذي احتدم في واشنطن حول مستقبل الوجود العسكري الأميركي في سوريا، جرت دراسة عوامل تتصل بوجود "داعش"، إلى جانب المصالح الأميركية التي تتمثل بالتصدي للنفوذ الإيراني والروسي في الشرق الأوسط مع مواصلة العمل على إضعاف النظام السوري.

وقد أعرب عدد من المسؤولين في واشنطن عن تلك المخاوف والتي تتمثل باحتمال أن ينجم عن انسحاب 900 جندي أميركي موجودين في سوريا عودة مدوية لتنظيم الدولة، ويحتدم الجدل اليوم حول صحة تلك المخاوف من عدمها، ولكن ونظراً للانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان في آب 2021، لم تعد إدارة بايدن ترغب بإجلاء قواتها العسكرية من أي دولة أخرى إن كان ذلك سيتسبب بتولي متطرفين عنيفين لزمام الأمور.

 

وعن ذلك تحدثنا منى يعقوبيان وهي مستشارة رفيعة لدى معهد السلام الأميركي، فتقول: "تمثل مراكز التوقيف والنزوح المرتبطة بتنظيم الدولة والتي تخضع للسيطرة الكردية خطراً موقوتاً كبيراً، إذ في حال تعرض الكرد لهجوم تركي كبير مثلاً، أو في حال الانسحاب الأميركي من سوريا، وبالتالي لم يعد الكرد قادرين لسبب من الأسباب على السيطرة على تلك المواقع، فلابد من أن يعود تنظيم الدولة في غمضة عين ليتسيد المشهد ويصبح القوة المسيطرة هناك، كما أن مراكز الاحتجاز المخصصة لعناصر تنظيم الدولة فيها نحو عشرة آلاف مقاتل من هذا التنظيم، ما يعني بأن هنالك جيشاً حقيقياً تابعاً لتنظيم الدولة في السجن، وهذا لابد أن يشكل خطراً كبيراً وبشكل سريع على مصالح العالم بأسره في حال خروجهم من ذلك السجن".

ويوافقها الرأي آرون لوند وهو عضو في مركز القرن الدولي ومهتم بالشأن السوري، إذ يقول: "إن رأيتم الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة المتشددين وهم يتحررون على حين غرة من تلك السجون، عندئذ ستتعرضون لمشكلة في تلك المناطق خلال فترة قريبة جداً".

ترى يعقوبيان بأن الوجود العسكري الأميركي في سوريا تحول إلى ضحية لنجاحه وانتصاره، إذ لم يكلف الاحتفاظ بوجود عسكري هناك سوى قلة قليلة من النفس والنفيس، فقد عملت واشنطن على تمكين قوة شريكة كردية أضحت قوية قادرة على الإسهام في نشر الاستقرار في المنطقة، وحراسة سجون "داعش" والسيطرة عليها وكذلك الأمر بالنسبة للمخيمات التي تؤوي أهالي مقاتلي التنظيم، وتضيف يعقوبيان: "لقد خضع هذا النجاح الذي لم يصفق له أحد إلى تدقيق كبير"، لكونه يرقى إلى الحالة التي يكون فيها عدم حدوث الشيء ويقصد بذلك هنا عدم عودة تنظيم الدولة، هو النجاح، وكما يعرف الجميع من الصعب الترويج لعدم قيام حدث على أنه نجاح.

بيد أن خبراء آخرين يرفضون هذه الفكرة المتمثلة "باحتلال" الولايات المتحدة لثلث الأراضي السورية من أجل نشر مزيد من الأمان في البلد أو في المنطقة بأسرها بعيداً عن حكم تنظيم الدولة، ويرى هؤلاء بأن الفكرة التي ترى بأن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا سيقوي تنظيم الدولة فكرة مثيرة للسخرية إلى أبعد الحدود، ويأتي على رأس هؤلاء الخبراء الذين يناصرون هذا الرأي كريم إيميل بيطار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القديس يوسف ببيروت، إذ يقول: "إن من يروجون لهذه الأفكار كانوا يعيشون في كوكب آخر طوال السنوات الثلاثين الماضية، فقد أصبحت بين أيدينا اليوم أدلة كثيرة تثبت بأن الوجود العسكري الأميركي في العراق أو في سوريا يقوي ويمكن تلك الجماعات ويغذي دعايتها على الأرض".

وهنا يتحدث الباحث اللبناني عن مقابلة أجريت مع الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015 والتي أكد فيها بأن تنظيم الدولة هو التنظيم الذي خلف تنظيم القاعدة في العراق مباشرة، وقد ازدهر تنظيم القاعدة من جراء الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، ووصف أوباما ما حدث بأنه مثال واضح للعواقب غير المقصودة وحث صناع القرار الأجانب على تحديد هدفهم قبل التصويب مستقبلاً.

ولدينا الكثير لنقوله عن المسؤولية التي تتحملها إدارة جورج دبليو بوش بالنسبة لغزو العراق وتشكل تنظيم الدولة وصعوده، إلا أنه ينبغي على المرء أن يعترف أيضاً بأن طريقة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا مهمة أيضاً، في حال قررت الولايات المتحدة أن تنسحب. ومن الأسئلة التي لابد من طرحها هنا: مع أي عناصر فاعلة محلية ستنسق واشنطن أمر انسحابها؟ وكيف سيكون شكل هذا التنسيق؟

 

وعن ذلك يعلق لوند بالقول: "هنالك خطر كبير يتمثل بظهور حالة تشوش ونزاع على المدى القصير في حال انسحاب الولايات المتحدة من دون ترتيب الأمور بشكل كاف مع عناصر فاعلة أخرى في المنطقة، كما أن تغيير الوضع القائم منذ فترة طويلة أيضاً محفوف بالمخاطر على الدوام، حتى لو كان الوضع الراهن لا يرضي أحداً، أو حتى لو كان الوضع سيئاً جداً".

ويضيف لوند: "في حال انهيار الهندسة الأمنية الحالية للمنطقة، عقب انسحاب أميركي مثلاً، من المرجح لتنظيم الدولة أن يستغل الوضع ليكسب قوة ونفوذاً، على الرغم من أن الصعود الصاروخي الذي شهدناه لهذا التنظيم بين عامي 2013 و2014 أمر مستبعد تماماً، نظراً لتغير الكثير من الأمور، كما أن الناس أضحوا على اطلاع على المشكلة اليوم".

لا شك أن هنالك حججاً كثيرة مقنعة بالنسبة لضرورة انسحاب أميركا عسكرياً من سوريا، بيد أن تنسيق هذا الانسحاب مع قوات فاعلة محلية يعتبر نقطة أساسية لحرمان تنظيم الدولة من فرصة استغلال حالة الفوضى بما أن هذا التنظيم استغل مرات عديدة خلال تاريخه حالة الفوضى ونجح في ذلك.

المصدر: Responsible Statecraft