icon
التغطية الحية

جامع الذكريات.. مسعود الياسين أرشيف صورٍ حيّ منذ 40 عاماً

2024.01.20 | 07:13 دمشق

السيد مسعود الياسين في منزله بكفردريان
مسعود الياسين في منزله بكفردريان - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"طول عمري بحب اﻻبتسامة".. عبارةٌ ساقها المصوّر وجامع ذكريات الأجيال مسعود الياسين في حديثه مع تلفزيون سوريا لخّصت رؤيته لطبيعة فنه وهوايته التي تحوّلت مع مرور الزمن إلى حرفةٍ منحته شهرةً ومحبةً في قلوب من يعرفه ممن تعامل معه واحتفظ له ذات يومٍ بظل ذكرياته صغيراً كان أو كبيراً.

يُعد مسعود واحداً من أولئك الذين تعاملوا مع الكاميرا وتعلق بعالم التصوير الفوتوغرافي، مبكراً، وله مع هذه المهنة الفنية حكاية دفعته إلى عالم اﻹبداع، وﻻ يزال يزاول حرفته وفنه كما يقول حتى اليوم.

يقول الياسين لـ تلفزيون سوريا إنه يلتقط الصور منذ 40 عاماً ويملك أكثر من 30 كاميرا على اختلاف أنواعها ويسكن بلدة كفر دريان بريف إدلب الشمالي، لافتاً أنه إلى اليوم يواصل مسيرة تصويره وجمع الذكريات، في وقت لا يزال يحتفظ فيه بجميع الصور التي كان يلتقطها للأطفال وطلاب المدارس والمناظر العامة.

أسباب تعلّقه بـ الكاميرا

أرجع الياسين أسباب شغفه في هذه المهنة إلى موقف جرى معه منذ أن كان عمره 7 سنوات، حينما التقطت صورة سيئة له في أحد الاستديوهات في مدينة حلب، ورفض صاحب الاستديو وقتئذ إعادة تصويره لتبقى عالقة في ذهنه وتتحول إلى رغبة في تعلمه لهذه المهنة وإتقانها لإثبات نفسه.

بدأت القصة مع السيد مسعود منذ نعومة أظفاره، وكانت الصورة وفقاً لوصفه هي "الجسر" الذي عبر به إلى هذا العالم وفتحت له باب التصوير الفوتوغرافي.

١
صورة لشاب من أهالي كفر دريان يركب حماراً التقطت قبل أكثر من 25 عاماً

وفي حواره مع تلفزيون سوريا يقول الياسين: منذ 40 عاماً أخذني والدي إلى مدينة حلب بهدف تصويري من أجل الحصول على صورةٍ لإخراج البطاقة المدرسة، وعند مشاهدتي للصور عقب التقاطها، كانت سيئة للغاية وطلبت من المصوّر أن يُعيد التقاطها، ولكنه ردّ قائلاً: "هاد أنت وخود هدول وما عاد عدلك ياهون.. هاد شكلك أنت هيك".

ويُكمل مستطرداً: نظرت إلى الصور وبدأت أبكي، وقطعت له وعداً رغم صغر سني أنني سأتعلم التصوير وأكون مصوّراً محترفاً وأن أكون مميزاً في التقاطي للصور.

كاميرات يحتفظ بها مسعود الياسين منذ عشرات السنين
كاميرات يحتفظ بها مسعود الياسين منذ عشرات السنين

من الهواية إلى المهنة

إحساس الياسين بالظلم والقهر في طفولته، نمّى فيه هواية تحوّلت إلى مهنة عشقها حتى اشتهر في قريته ومحيطها وبين الناس، وفق قوله، إذ بدأت رحلته فيما بعد كردٍ دفعه للنجاح، وليكون أحد أقدم مصوري محافظة إدلب.

يقول الياسين: أصبح لدي فعلاً رغبة أن أصبح مصوّراً، ﻷخلص الناس من ظلم هؤلاء المصورين وطريقة ردّ المصور في حلب التي ما زلت عالقة في دماغي، وأضاف وبلهجته التي غلب عليها عباراتٍ بسيطة واعية: "لما كبرت بالصف السادس اشتريت كاميرا للهواة، وصرت صور حالي وأهلي، وأطلع لحلب حمض الصور، وكل ما صار عندي أخطاء بسأل المختبر، ليش هيك صار عندي هالخطأ؟ ليش الصور عم تطلع باهتة؟ طبعاً بقولوا الصورة فيها (فلو) إذا ما كانت ناجحة، وإذا ناجحة بقولوا (نت)".

١
صورة يزيد عمرها على 30 عاماً لآثار _تل ماعز_ شمالي إدلب - والتي تحوّلت اليوم إلى مخيم للنازحين والمهجرين

بدأ الياسين كما يقول برغبةٍ في تصوير رفاقه وزملائه وأهله، حتى بات لديه ذكريات وصور لا يعلم عددها، وعن تحوله إلى ممارسة مهنة التصوير بشكل فعلي، بقي على تلك الحال وعلى فكرته حتى قرر ﻻحقاً أن يتخذها مهنة ويعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي.

ويتابع الياسين حديثه الذي يرفقه دائماً بعباراتٍ فيها من الشكر لله الكثير: جمعت صوراً لآلاف الطلاب والأشخاص في جميع المحافظات السورية، وأملك اليوم أرشيفاً ضخماً من الصور، وما زلت أحتفظ بمئات أشرطة الفيديو.

مصاعب تُعيق مهنة التصوير

ولكل مهنةٍ ما يجعل طريقها فيه مصاعب وعقبات، إﻻ أن الياسين يؤكد لـ تلفزيون سوريا أن أزمةً واحدة فقط تواجهه اليوم أثناء مسيرة عمله، وهي كلفة تنقله لتصوير زبائنه بسبب ارتفاع سعر مادة المازوت، لكنه يؤكد أنه ما زال قائماً على رأس مهنته فهو يملك "استوديو" في بلدته كفر دريان.

ويردف معقباً حديثه: أشعر بفرحةٍ كبيرة أثناء تصوير أهلي وناسي وأفتخر بجميع طلاب العلم، كما أنني أشعر بسعادة يومياً عند مشاهدتي وجوهاً جديدة ألتقط بها الصور وهي مبتسمة.

وتطرق الياسين إلى الأمانة المهنية في مجال الصور الفوتوغرافية وخاصّة في مدارس الإناث بقوله: إن صور طالبات الصف الثالث الإعدادي والثالث الثانوي أحرص على عدم عرضها لأي جهة باعتبارهن بناتنا وحفاظاً على أمانة مهنتي، لافتاً إلى أن ثقة الناس في أمانتي هي من دفعتني إلى جمع الصور لتبقى محفوظة ضمن أرشيف الذكريات.

جامع الذكريات

يعتبر المسعود اليوم بأنه جامع ذكريات أهالي بلدة كفر دريان والبلدات المجاورة أجمع، إذ يملك آلاف الصور القديمة ويحتفظ بكاميراته القديمة إلى اليوم، كما أنه يحتفظ بكاميراته من نوع "زينيت" منذ أكثر من 35 عاماً.

صورة لأحد اهالي بلدة كفردريان تُجسد واقع الحياة في الريف
صورة لأحد أهالي بلدة كفردريان تُجسد واقع الحياة في الريف

ويؤكد في حديثه المطوّل مع تلفزيون سوريا أنه لم يترك منطقة إﻻ التقط بداخلها العديد من الصور في محافظتي حلب وإدلب تحديداً وأخذ لطلابها صوراً أيضاً، إمّا للذكريات أو البطاقة اﻻمتحانية، ويذكر أنه صوّر في مناطق "حارم وقراها، سلقين وقراها، كفرتخاريم وقراها، دركوش وقراها، معرة مصرين وقراها، الدانا وقراها، اﻷتارب وقراها، بنش وقراها"، ويقول: لم أترك طالباً إلّا واحتفظت له صورة للذكرى والبطاقات اﻻمتحانية.

1
سلسلة صور التقطها مسعود من أكثر من 25 عاماً لشباب من البلدة_
صور لأطفال قديمة من أرياف إدلب يزيد عمرها عن 30 عاماً_
صور لأطفال قديمة من أرياف إدلب يزيد عمرها على 30 عاماً_

أمانة ومهنية

يجمع من تحدثنا معهم من جيران الياسين على مسألتين يتسم بهما "مسعود" وهما المهنية والأمانة، وتقول السيدة هالة (45 عاماً): ابنتي في الصف التاسع وﻷمانة السيد مسعود، رافقتها لأخذ صورة من أجل البطاقة اﻻمتحانية، ومعظم السيدات يثقن به فتاريخه وأمانته معروفة.

أمّا حسام العبود (30 عاماً) من جيران الياسين، فيتحدث عن مهنية وحرفية السيد مسعود وزوايا أخذه للصور، ومهارته في اختيار اﻹضاءة ويؤكد بعبارة "فنان يحمل البساطة والحرفية في يده".

وفي ختام اللقاء، أبدى الياسين لـ تلفزيون سوريا رغبته في أن تنتشر أعماله وإبداعاته الفنية في كل أرجاء سوريا.