ثالوث شرق المتوسط

2022.10.08 | 06:13 دمشق

ثالوث شرق المتوسط
+A
حجم الخط
-A

بعد الحرب الروسية الأوكرانية بدأت كثير من الدول رسم استراتيجيات سريعة ومتوسطة المدى لتفادي نتائج تلك الحرب وتفادي تحكم روسيا بموضوع الطاقة، وبعض من تلك الدول وجدت نفسها أنها قادرة على تغير واقع استراتيجي كان قائماً من قبل، ومنهم تركيا التي بدأت تتموقع استراتيجياً بشكل مهم، ونفوذها ومحيطها الحيوي أخذ يتسع بشكل كبير، ولعل أهم تلك البقاع شرق المتوسط.

بعد نجاح تركيا في الملف الليبي وتحديداً في رسم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا أرسلت قبل أيام وفداً رفيع المستوى لاستكمال ما بدأت به قبل عدة سنوات، وأثمر ذلك عن توقيع مذكرة تفاهم في مجال موارد الهيدروكربونية (النفط والغاز) بين الطرفين، وهذا يعني أن تركيا تدخل عالم استكشاف واستخراج النفط والغاز وتتوسع به إضافة لقطع الطريق على منافستها اللدودة اليونان ومَن خلفها، بل وتثبت أقدامها في شرق المتوسط وبشكل قوي (أحد أطراف الثالوث المتوسطي) وتفرض نفسها لاعباً أساسياً لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، وأيضاً تكسر طوق الحصار البحري الذي تحاول فرضه اليونان مع داعيمها على تركيا ابتداءً من بحر إيجة وحتى قبرص وجزيرة كريت، وذلك بفرض تركيا قوساً بحرياً يمنع اليونان من التمدد تماماً نحو شرق المتوسط الذي بات مطمع الدول لما يمتلكه من ثروات هائلة يحتاجها الغرب بشكل كبير، وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

المعادلة السياسية في الملف القبرصي سوف تتغير تماماً في حال قامت بعض الدول بالاعتراف بدولة قبرص الشمالية

الركن الثاني من هذا الثالوث هي قبرص وعليه لا بد من تقوية الموقف السياسي للقبارصة الأتراك حتى يكون لديهم سلطة سياسية تحمي حقوقهم ومصالحهم، وهذا يعني وبشكل طردي حماية المصالح والحقوق التركية، لذلك بدأت تركيا بإعلان حل الدولتين في الملف القبرصي قبرص الشمالية التركية وقبرص الجنوبية الرومية، وما شجع تركيا على هذا الطرح هو الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات تلك الحرب وما آلت إليه الدول من الركض خلف منابع الطاقة، طبعاً المعادلة السياسية في الملف القبرصي سوف تتغير تماماً في حال قامت بعض الدول بالاعتراف بدولة قبرص الشمالية، وهذا أمرُ وارد الاحتمال مستقبلاً بسبب زيادة حدة الصدام بين بعض الدول والغرب الأميركي أو الأوروبي وهذا لن يصب إلا في مصلحة تركيا، وما قرار الولايات المتحدة الأميركية في رفع حظر بيع السلاح لمدة عام إضافي عن قبرص (الرومية) هو بمنزلة رد من قبل الغرب ضد تركيا لمنعها من استكمال مخططها، وأيضاً محاولة لحفظ حقوقه والتوازنات التي كانت سائدة قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

نجحت تركيا في الملف الليبي وحماية صالحها المائية وهي موجودة وبقوة في الملف القبرصي وتفرض أمراً واقعاً هناك، و يبقى الملف السوري لتستكمل به تركيا نظرية الوطن الأزرق

الركن الثالث وهو سوريا التي تجاور تركيا بحرياً وبرياً وتشاطئ قبرص الركن الأهم في المعادلة التركية شرق المتوسط، ولسوريا دور مهم وفاعل في شرق المتوسط ولعل ما يريح تركيا هو عدم قدرة الغرب على استقطاب سوريا نحو مصالحه بسبب الوجود الروسي الفاعل في سوريا، وإلا لكانت المعادلة في شرق المتوسط أصعب على أنقرة، لكن الوضع السياسي بين هذه الأخيرة ودمشق معروف لما فيه من خلاف واحتدام بل شبه حرب في بعض الفترات، ولعل ما أعلنته الخارجية الروسية من أن هناك حراك مكوكي مكثف من أجل إيجاد لقاء سياسي بين النظام في سوريا ونظيره في تركيا يأتي في سياق وإطار خدمة المصالح الاستراتيجية في شرق التوسط سواء لروسيا أو تركيا لما لدى البلدين من مصالح مشتركة بينهما وخلاف مشترك مع الغرب، وفي الوقت نفسه لا يمكن استثمار الطاقة في شرق المتوسط في هذا الركن من الثالوث القريب من الجرف القاري التركي وحالة العداء قائمة بين دمشق وأنقرة فلا بد على الأقل إيجاد صيغة ما لحلحلة الأمر لتكون خطوة مهمة نحو الحل السياسي في سوريا، يشمل جميع الأطراف السياسية.

نجحت تركيا في الملف الليبي وحماية صالحها المائية وهي موجودة وبقوة في الملف القبرصي وتفرض أمراً واقعاً هناك، و يبقى الملف السوري لتستكمل به تركيا نظرية الوطن الأزرق ولكن السؤال هل سيسمح الغرب بذلك وهل يمكنه فرض معادلاته السياسية على حساب معادلات الآخرين.