icon
التغطية الحية

تنويعات في الفن المقاوم: النضالية والنسوية والجمالية

2024.03.22 | 10:07 دمشق

آخر تحديث: 22.03.2024 | 10:07 دمشق

hgtttyu
+A
حجم الخط
-A

تقدم مجموعة الأعمال الفنية المعروضة ضمن إطار فعاليات "تواشجات" (لقاء مارس/ آذار 2024) تنويعات فنية في موضوعات ومفاهيم الفنون والثقافات المهيمنة والمهمشة، وتنويعات في نماذج الفن والمقاومة. فتتميز تجربة الفنان الفلسطيني (تيسير البطنيجي) بعلاقة العمل الفني والذاكرة والمكان، وتتميز تجربة الفنان الأثيوبي (هينوك ملكامزر: رموز وصور الطلسم) باستلهامها رموز وصور فنون الطلسم لتقديم لوحة معاصرة مقاومة للجماليات والذائقة الفنية العالمية المهمينة. وتقدم الفنانة والناشطة الفنية (لالا روخ: إيقاع الاتجاهات) ذلك الترابط بين المقاومة النسوية والعمل الفني في باكستان، وأخيراً تقدم تجربة الفنان الجنوب أفريقي (غافن يانتس: أن تكون حراً) نموذجاً في الترابط بين البحث الجمالي والبحث السياسي في العمل الفني.

الفن المقاوم في أسئلة الذاكرة والمكان

درس تيسير البطنيجي (من مواليد غزة 1966) الفن في جامعة النجاح الوطنية في نابلس في فلسطين، وحصل عام 1994 على زمالة للدراسة في الكلية الوطنية للفنون في بورجيه الفرنسية. وتتعلق أعماله بموضوعة الأغراض والزمان والمكان، ما يفتح على تأويلات تتعلق بموضوعات الفرد والذاكرة.

في عمله الفوتوغرافي (فوق سماء غزة، 2011) يضع صورتين متقاطعتين من نافذة غرفة نومه في غزة لمحوّل هوائي، الأولى تم التقاطها في عام 2011، والثانية 2004. إن هذا التجاور للغرض ذاته من زاوية الرؤية ذاتها في غرفة نوم الفنان تفتح التأويلات على التبدلات التي يعيشها المكان، غزة، بالتوازي مع الحاضر. تظهر هذه الصور الفوتوغرافية، المعروضة على شكل لوحة مزدوجة، بعدًا زمنيًا جديدًا وتكرارًا مألوفًا. تأخذ الصورة، المقتطفة من عرضها الأولي، معنى جديدًا، وتصبح وثيقة معيارية.

6غعتلات

وينطلق عمله الفوتوغرافي (طربيزة غزة، 2005-2019) من عملية التجاور الزمني ذاته بين غرض وصورة ومكان. وهو عبارة عن صورتين فوتوغرافيتين يظهر فيهما أثر الزمن، الإنمحاء الأبيض على طاولة لعبة "الداما". يجسد الفنان عبر العمل الفني مفهوم الزمن، يلتقط آثار مرور الوقت على الغرض ليدخله في علاقة نواسية بين الخلود والزوال. لقد التقطت الفنان صورة للطاولة في العام 2005، وصورة أخرى في العام 2014، وتم إنقاذ الطاولة في العام 2019. تبين الصور الفوتوغرافية تقدم أثر الإنمحاء الأبيض على تضاريس الطاولة.

بدأ مع العام 2006، عام مغادرته مدينة غزة دون تمكنه من العودة إليها، بمشروع العمل الفني في علاقته مع المكان والذاكرة. التجهيز بعنوان (الزمن المعلق) وهي عبارة عن ساعة رملية مصممة بشكل شاقولي، تجعل من كتلة الرمل التي ترمز إلى عبور الزمن في حالة من الثبات والجمود، دون تدفق الرمل – الزمن من طرف إلى آخر. واستببعه بعمل يحمل عنوان (المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 2007) ينقش فيه الفنان كلمات المادة التي تعطي للإنسان الحق في المسكن وحرية التنقل على نوع من الصابون القابل للزوال.

لفي56ف

يقول الفنان: "مشاريعي، حتى الأكثر سريعة الزوال، تميل إلى أن يكون لها وجود مستدام عبر الزمن، لا يستهلكه الحدث الفعلي أو الموقف الذي تثيره. ما الذي يمكن أن نقوله والذي يحمل معنى يتجاوز الحدث نفسه دون الصمت عما يجري؟ أحاول في عملي التشكيك في السياق السياسي والاجتماعي والثقافي، وكذلك واقع بلدي، مع الحفاظ على المسافة اللازمة مع الأخبار اليومية. بالنسبة لي، يتعلق الأمر أكثر من أي شيء آخر بالمسعى الفني، وطريقة النظر الشخصية والذاتية والشاعرية".

يجسد أيضاً عمله (سلسلة المفاتيح، 1996-2024) الفكرة ذاتها عبر وسائط التجهيز، الصورة الفوتوغرافية، والعرض التفاعلي. يكتب الفنان: "في هذا العمل، أردت أن أستحضر مصير الفلسطينيين في عام 1948. فارين من المجازر أو مطرودين من منازلهم، احتفظ الجميع، حتى اليوم، بمفتاح منزله، معتقدًا أنه يمكن أن يعود بسرعة ... أمل ، وهي ذكرى لا تزال قائمة على الرغم من ستين عامًا من المنفى القسري، وتدمير أو احتلال الإسرائيليين لمنازلهم. في العرض التفاعلي أصنع نسخة مطابقة لأعمالي وهي حلقة مفاتيح مصنوعة من الزجاج. لأنني غادرت غزة عام 2006 وأصبح من المستحيل أن أعود منذ ذلك الحين. وهنا يتقاطع التاريخ الشخصي مع التاريخ الجماعي. يعكس عملي بطريقة ما هذا الوضع الذي أعيشه كفنان منذ سنوات بين أوروبا وفلسطين، إلى حد أنه أصبح مسألة تأمل وتعبير". تخلل سلسلة مفاتيح عمل تجهيز يقدم حمالة المفاتيح والمفاتيح مصنوعة من مادة الزجاج، بما يوحي بهشاشة الذاكرة وقابليتها للتهشم والزوال. وهي نسخة مطابقة لسلسلة مفاتيحه من غزة.

بؤف5غاب

في العام 2024، يعيد الفنان إحياء عمله التفاعلي (من باب الاحتياط، 2015) الذي أنتجه ضمن مشروع فني حمل عنوان " do it  بالعربي"، ويعرض الفنان ممارسته ويزود الجمهور بتعليمات حول تصنيع نسخة من حمالات مفاتيحهم، لضمان صورة ثنائية الأبعاد يمكن تعليقها على الجدار إلى حين تغطية المساحة بأكملها. يمكن النظر إلى هذه البادرة على أنها وسيلة لترك أثر معين لمسار الشخص في هذا المكان والزمان، ولمحة من موطن المرء أو نفسه أو مكانه الآخر. يتعاطى العمل مع اللحظة الراهنة التي تشهد ترحيل مليوني فلسطيني في غزة، في ظل تدمير البنية التحتية للمدينة وإزالتها من الوجود.

سل5غتا

الفن المقاوم في استلهام جماليات التراث

يأخذنا نموذج الفنان الجنوب افريقي (هينوك ملكامزر) إلى مفهوم مختلف في العلاقة بين الفن والمقاومة الثقافية. فالموضوعة الثقافية التي تثور عليها أعماله تتعدى القضية السياسية لتشمل الثقافة والذائقة الثقافية والجمالية المهميمنة. لذلك، تستلهم أعماله المعاصرة فنون الرموز والطلاسم الأثيوبية كبحث جمالي في اللوحة. يلقى الفن الطلسمي بتفرده وتقنياته وأساليبه المبتكرة، الثناء والإعجاب ليس فقط في أثيوبيا، بل على الصعيد الدولي أيضاً، فخطوطه الشائكة والمحكمة التي تتخذ من ورق الرق مجالها الحيوي، تضفي رموزاً تعبيرية مبهرة على هذا الشكل من الفن. ومع ذلك، تظل التصنيفات المركزية تقيد قيمته وإسهاماته، وتحصره ضمن نطاقات روحانية محدودة، وبالتالي، يواصل النقد الحديث في هذا السياق، تقديم تصنيف محدود لهذا الفن، معتبراً خطوطه وأشكاله الشائكة وألوانه الغنية وتكويناته المتداخلة مجرد تمظهرات لا تنتمي إلى الحداثة، ما يقلل من إيحائه الفلسفي والإيديولوجي، ويطرح نتحديات حول كيفية تقييم وفهم هذا الفن داخل الأطر النظرية الحديثة والمعاصرة.

الفن الطلسمي ومعناه في اللغة العربية، فن التشافي أو فن اللفافة السحرية أو فن التمائم. يقول الفنان: "كان الهدف هو حث الجمهور على التفكير النقدي بشأن الأرشيفات والمصادر غير الغربية، لفهم إرث ثقافي وإبداعات فنية مؤثرة ومحددة". ولا يتأسس فن هينوك على مجرد مقاربة هذا الفن بالفن الأوروبي الحديث، بل يقدم تحدياً لتصوراتنا القائمة حول ما يعتبر حديثاً، يظهر هينوك كيف يمكن للفن الطلسمي أن يكون معاصراً ويحمل في طياته ثراء ثقافياً وتطوراً بصرياً متجدداً.

يتجاوز كل عنصر في لوحات هينوك ملكامزر، وظيفته البصرية ليحمل معان متعددة، مدعمة بتكوينات من العرائش المترامية، والكلمات والأرقام، كما أن ما يضفي على الأعمال طابعاً خاصاً هو استخدام سبعة ألوان أساسية، يمثل كل منها يوماً من أيام الأسبوع السبعة، وحرفاً من الحروف الصوتية السبعة في الكتابة الجعزية. جاء في البيان التعريفي بالمعرض: "أن التوجه الأصولي الصاعد في الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية، يعارض بحزم أي تفسير للإيمان المسيحي خارج نطاق العقيدة الأرثوذكسية، قد قوض استكشاف وتطوير الفن الطلسمي، على الرغم من أن الفنانين الطلسميين يدعون أن جذور الفن الطلسمي الأثيوبي تعود في البدايات إلى خلق الكون، وأن معظم الرموز في هذه السنوات استولت عليها الكنبيسو الأرثوذكسية، في بعض الأحيان كانوا في صراع مع الكنسية التي اعتبرت العناصر الطبيعية والأرواح غير المسيحية وقواها غير المرئية في الفن الطسمي بمثابة شكل من أشكال التحريف الديني. وفي فترات أخرى، سعت الكنيسة للاستعانة في خبراتهم على نطاق واسع، خصوصاً في فك شيفرات النصوص المعقدة الموجودة في المخطوطات الأرثوذكسية، إذ يتمتع الفنانون الطلسميون بمعرفة غنية، وهو ما لا يمكن للكنسية الأرثوذكسية إنكاره".

تتشكل عناصر الفن الطلسمي في أعمال الفنان (ملكامزر) في تصنيفات: 1.الرموز 2. الألوان. 3. الأرقام. الرموز مثل الوجوه والحيوانات والنباتات المدمجة في زخارف الفن الطلسمي، والتي تشير إلى الطبيعة والأرواح والعليا، وتمثل الوجوه الخير والجمال والقوة والصدق لدى البشر، وتشير الحيوانات والنباتات، إلى الفصول الزمنية المحددة والفترات المرتبطة بها، ما يجعلها رمزاً يعكس العلاقة بين ججميع أشكال الحياة عبر الكون. ويمثل كل لون من الألوان السبعة الرئيسية المستخدمة في الطلسم الأثيوبي الأحرف السبعة للأبجدية وأيام الأسبوع السبعة. يرتبط كل لون بشكل من أشكال الحياة الروحية والجسدية. الألوان السوداء والحمراء هي الإشارات الوحيدة إلى الطبيعة البشيرة في الطلسم، يشير الأسود إلى الجوهر الحقيقي للإنسان، ويرتبط اللون الأحمر بالأوعية الدموية، ويرمز إلى الحياة والروحانية. بينما يشير الأسود إلى تجارب متأسسة في هذا العالم، يحظى الأحمر بارتباطات سماوية. أما الأرقام فيدمج معالجو الطلسم القيم العددية في جميع تكويناتهم المعقدة لمعالجة الأمراض والصعوبات والمخاوف البيئية، كما يضمنون حسابات سرية مميزة ضمن التكوين الفني من أجل حل المشكلات التي يحاول الطلسم فهمها ومعالجتها.

الفن النسوي المقاوم في توظيف الوسائط المتعددة

ويضيء معرض (إيقاع الجهات) على ممارسة الفنانة والنسوية الباكستانية (لالا روخ 1948-2017) على امتداد ثلاثة عقود، ويتضمن أعمالاً أنتجتها على خلفية الاضطرابات السياسية والحركات النسوية في باكستان، سواء الرسومات والمواد المطبوعة والفوتوغراف والفيديو، بما يضعنا حيال أول معرض استقصائي عالمي لأعمالها حتى تاريخه. تصوّر تكويناتها الشعرية الآفاق وحركة القمر والمسطحات المائية والسواحل والمواقع الأثرية، ملتقطة تدرجاً من الإيقاعات عبر مفرداتٍ مكثفة من الخطوط والشيفرات والسواد. يتضمن المعرض أعمالاً قلّ عرضها من بداياتها الفنية، إلى جانب ملصقات ومنشورات ومقابلات أصلية مع أشخاص تعاونت معهم أثناء عملها على الدفاع عن الحقوق المدنية والعدالة بين الجنسين. يمثّل نتاجها الفني بمجمله طرقاً جريئة لحفظ الوقت، حيث يستعرض "إيقاع الجهات" الأشكال المتنوعة التي اتخذتها الفضاءات الزمنية الزائلة خلال حياتها، والتي تتجلّى من خلال تدرّج ضوء القمر، أو موجة صاعدة، أو مسار رمال ساحلية، أو جلجلة جماعية في مظاهرات التضامن، أو خطوط واضحة لجسد حي.

أما العمل الوحيد الذي أنتجته الفنانة في فن الصوت، مجسدة الروح الروح التواقة للنشاط السياسي في باكستان، وفي ظل الخلفية المضطربة للمقاومة المدن، يجسد العمل فترة محورية 2007-2009 تميزت بتحدي المحامين لسلطة الرئيس مشرف، وما أفضى إلى انطلاق حركة جاءت كصدى لنضالات البلاد من أجل الديمقراطية وسيادة القانون. يمزج العمل بين الأصوات الطبيعية والبشرية بسلاسة، بدءاً من الهمهمات الخافتة التي تشير إلى التغير الوشيك، والمتداخلة مع زقزقة العصافير، تتقارب العتافات البعيدية تدريجياً لتشكل جوقة من المشاركة المجتمعية، ترمز إلى ميلاد فجر سياسي وفكري. تؤدي الأصوات الصادرة من تجمع المحامين إلى أداء صوتي لأغنية نسوية يصل بالمقطوعة في ذروتها لتثير لحظة مؤثرة من الأمل والتحدي.

الفن المقاوم بحثاً عن الجماليات الفنية والمقولة السياسية

ولد الفنان (غافن يانتس) وترعرع في مدينة كاب تاوب في جنوب افريقيا، ومن ثم تنقل بين العديد  من المدن في أوروبا، وسعى آنذاك، بشكل متواصل ودون توقف، إلى إعادة ابتكار أساليبه في التعبير الفني، متحدياً بإستمرار التوقعات التقليدية المألوفة، تتجسد مسيرة يانتس الفنية، والتي تمتد على مدار أكثر من خمسة عقود، ولوحاته الرمزية المستوحاة من التقاليد الشفاهية الإفريقية، ومؤخراً لوحاته غير التشخيصية. يكتب الناقد (صلاح محمد حسن) تحت عنوان (بين الحرية وعبء التمثيل): "يوضح المسار الفني والفكري ليانتس السعي الدؤوب نحو الحرية، والذي كان في قلب النضال لتحرير السود على مستوى العالم بأكمله. تشكلت كل جوانب مسيرة يانتس المهنية كفنان تشكيلي وناشط خلال سنواته الأولى في مدينة كيب تاون من خلال التعاطي مع سياق نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. لقد برز النضال من أجل الحرية في البلاد إلى الواجهة من خلال المعركة الطويلة ضد قوانين نظام الفصل العنصري المروع، والذي استمر قائماً حتى بداية التسعينيات. ويكتب الفنان في (بيان مانفيستو مستقبل الحرية الفنية السوداء): "نحن الفنانون الزنوج الأمريكيون من أصل افريقي الأكثر شباباً، والمنخرطون الآن في عمليات الإبداع، نرغب في أن نعبر عن ذواتنا الفردية ذات البشرة السوداء بدون خوف أو خجل. فإذا كان ذلك بفرح الناس البيض سنكون نحن سعداء بالطبع. نعرف أننا جميلون وقبيحون أيضاً، إيقاع التم ثم يبكي، ويضحك أيضاً، إذا كان الملونون سعداء سنكون نحن سعداء أيضاً".

يركز المعرض الاستعادي على مساهمة (يانتس) الكبيرة في الفن المعاصر، والتي تغطي أربعة فصول متميزة من مسيرته الفنية، من عام 1970 إلى عام 2019. يركز الفصل الأول على نجاح يانتس كصانع لوحات وكملون بارع، مع التركيز الخاص على دوره في النضال ضد نظام الفصل العنصري في السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات. ويركز الفصل الثاني على دوره في تغيير وجهة مدارس الفنون والمتاحف والمعارض وهيئات التمويل الوطنية في المملكة المتحدة، يضاف إلى ذلك، إنجازاته كقيم معارض فنية وقائد لمؤسسات مختلفة في أوروبا. ويسلط الفصل الثالث الضوء على ممارساته كرسام منذ منتصف الثمانينيات وحتى أواخر التسعينيات، حيث تناول تاريخ الإنسان الأسود ومسهماته الثقافية وإرثه المعقد في الساحة العالمية، وأخيراً يعرض الفصل الرابع انتقاله الأخيرى إلى الرسم غير التشخيصي.

كانت معظم لوحات يانتس المبكرة تشخيصية الطابع، ولكنه سرعان ما أبدل الخطابية المباشرة بالرمزية، وفي نهاية الثمانينيات بدأت رسوماته تفصح عن نقلة جديدة مبتعدة عن السردية لتقترب من الاستعارة والشاعرية. وفيما بعد بدأ يانتس ينصرف كلياً عن إطلاق العناوين على اعماله، معللاً ذلك بأنها تصرف المشاهد عن النظر إلى الأعمال بعقل متفتح. كما تغير قياس اللوحات لضرورته في إيضاح الفكرة الجمالية، معتقداً أن القياس الكبير للعمل يجعل المشاهدين يستغرقون في فعل النظر إلى العمل الفني.

(كتاب تلوين جنوب أفريقي، 1974) من أقدم وأشهر أعماله، وهو عبارة عن 12 لوحة تعرض ملاحظات بصيرة ونافذة حول التاريخ المعقد والوحشي لنظام الفصل العنصري. يحيل الاستخدام الساخر لكلمة "التلوين" إلى الوسيلة الخبيئة التي من خلالها يصنف نظام الفصل العنصري الأفراد في قانون تسجيل السكان. في أبريل 1978، عمدت السلطات في جنوب افريقيا العنصرية إلى حظر هذا العمل بموجب قانون النشر في جنوب افريقيا. ثم يحضر عمله (إنه شعبنا، 1974)، النقطة المحورية في العمل تتمثل في صورة المثقف أميلكار كابرال، زعيم حركة الكفاح المسلح من أجل استقلال غينيا بيساو عن الحكم الاستعماري البرتغالي، تحيط صور كابرال المضمنة في اللوحة صور عديدة للحياة اليومية للمقاتلين في حركة التحرير. استخدم الفنان في تنفيذه المواد التي أخدها من المجلات والكتب والتلفزيون، ونسج من خلال الصور والنصوص سردية بصرية حول المعارك السياسية والعسكرية التي شنت ضد البرتغاليين.

وأخيراً، نتوقف عند عمله بعنوان (الحلم والإشاعة وأغنية الشاعر، 1985) هي لوحة جدارية تمثل الأشكال المضمنة فيها مفهوم الهجرة، ثم تتحول بشكل مقنع ومتسق، لتصوير حريق مدمر، مما يستدعى ذكرى مذبحة (نيوكروس المأساوية عام 1981)، والتي أودت بحياة 13 شابً بريطانياً من أصل افريقي. هناك بقعة من الضوء لإبراز الشاعر (لينتون كويسي جونسون) وهو يقرأ أشعاره، مما يرمز إلى قوة وتأثير التعبير الفني في حالات الشدائد.