icon
التغطية الحية

تقييد تنقل السوريين في تركيا.. عائق في وجه الاستقرار الاقتصادي لمتضرري الزلزال

2023.07.25 | 20:53 دمشق

آخر تحديث: 26.07.2023 | 12:45 دمشق

تقييد تنقل السوريين في تركيا.. عائق في وجه الاستقرار الاقتصادي لمتضرري الزلزال
عائلة هند قيدوحة في أنطاكيا حيث تقطن في مغسلة سيارات غير مكتملة البناء - نيويورك تايمز
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من أن الإنسان قد يحيا ويموت ولا يعاصر أي كارثة طبيعية أو بشرية، كان لبعض السوريين نصيب بأن شهدوا اثنتين من أعتى المآسي عالمياً في عصرنا الحالي، فبعد نجاتهم من الحرب في بلدهم ولجوئهم إلى تركيا شهد بعض السوريين الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

حصد الزلزال أكثر من 10 آلاف روحٍ سوري وسورية ثلثهم من النساء والأطفال بحسب التحديث الثالث الذي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان في نهاية آذار من العام الحالي، وبقي الناجون منهم في تركيا يتخبطون بعد أن دفنت أحلامهم في الاستقرار تحت ركام منازلهم المهدمة وبين جدرانها المتصدعة وأطبقت عليهم الخناق قوانين اللجوء التي تحد خياراتهم وتتحكم باختياراتهم.

فعلى الرغم من أن الكارثة لم تميز بين مواطن ولاجئ، تُرك السوريون يصارعون حالة الطوارئ ويبحثون عن المأوى بعد أن كانت الأولوية في استجابة الحكومة للمواطنين الأتراك فيما يخص السكن والإيواء، بينما اقتصر سد حاجة السوريين للسكن على مبادرات فردية أو اجتهادات شخصية.

وفوق ذلك تصدى قانون تقييد التنقل -الذي لم يسلم السوريون منه ومن تبعاته حتى في ذروة الكارثة- لمحاولات نهوضهم بعد الأزمة وصعَّب عليهم مهمة الاكتفاء الاقتصادي، وهدد استقرارهم في المدن البديلة.

ناج من الزلزال ومحتجز في إسطنبول

أحمد (اسم مستعار لدواعي أمنية) شاب سوري كان يحضّر لزفافه حين ضرب الزلزال مدينة أنطاكيا فسلب منه عمله ومنزله وتطلعاته لتحقيق الاستقرار مع عروسه. يقول أحمد لموقع تلفزيون سوريا: "على الرغم من حجم المأساة رأيت في نجاتي مع والدي المسنين من بين أنقاض منزلنا المنهار منحة لم يحظَ بها الجميع ... رحبت بالبدايات الجديدة واخترت إسطنبول لأعيد فيها بناء ما تهدم في أنطاكيا.  

في طريقه إلى عمله الجديد في مدينة إسطنبول تفاجأ أحمد بدورية شرطة اعتقلته بسبب بطاقة حمايته المؤقتة المسجلة في أنطاكيا وذلك لانتهاء مدة إذن السفر، وفشل أحمد بإقناع الشرطة أنه من متضرري الزلزال وبأنه مجبر على الإقامة في إسطنبول بعد أن تهدم منزله لينتهي به المطاف متنقلاً بين مراكز الترحيل والاحتجاز لمدة أسبوع قبل أن يفرج عنه بعد تعهده بالعودة لولايته وتحمله لغرامة قدرها 4500 ليرة على حد قوله.

شهدت مدينة إسطنبول مؤخراً حملة ترحيل للسوريين المخالفين في مكان الإقامة بما فيهم الخارجون من مناطق الزلزال، بعد أن ألغت رئاسة الهجرة إمكانية تجديد إذن السفر لتلك الفئة، وتزامنت الحملة مع تصريحات وزير الداخلية التركي عن مكافحة الهجرة غير النظامية، ووعود بتخفيض عددهم بشكل ملحوظ خلال مدة لا تتجاوز الأربعة أشهر، وعادت رئاسة الهجرة التركية عن قرارها بتاريخ 12 تموز بعد أن أعلنت إعادة تفعيل تجديد إذن السفر للسوريين القادمين من مناطق الزلزال شرط أن تكون منازلهم "متضرر بشدة" ومن المدن الأربعة الأكثر تضرراً.

ضغط لإعادة النظر في القرارات

بعد أن عدلت رئاسة الهجرة التركية عن قراراها، أعلن منبر منظمات المجتمع المدني عن إرسال خطاب رسمي لوالي إسطنبول ولمدير دائرة الهجرة في نفس المدينة بتاريخ 10 تموز يطالب فيه بتمديد أذون السفر للناجين من الزلزال ووقع على البيان 43 جمعية ومنظمة سورية وتبع إرسال الخطاب عمليات تواصل مع صناع القرار على مختلف المستويات في إسطنبول والعاصمة أنقرة كما أعلن المنبر.

وفي لقائه مع موقع تلفزيون سوريا أكد محمد أكتع رئيس منبر منظمات المجتمع المدني أن توجيه الخطاب جاء بعد تلقي شكاوى لحالات رفض تمديد إذن السفر.

ويوضح رئيس المنبر أن استخراج أذون السفر من المدن التي لجأ إليها السوريون الخارجون من مناطق الزلزال كان استثناء من البداية لمدة ثلاثة أشهر تم تمديدها مرة واحدة وتوقف تمديدها مؤخراً، وبأن مدينة إسطنبول كانت خارج دائرة الاستثناء إلى حين ضغط المنبر على صناع القرار لإدخالها ضمن المدن المسموح باللجوء إليها مؤقتاً من قبل السوريين القادمين من مناطق الزلزال.

ويقول اللاجئ السوري أحمد. م الذي شمله قرار التمديد إن السماح له مجدداً بالبقاء في إسطنبول لفترة مؤقتة لا يعني الاستقرار، فالقرار جاء "بتمديد" إذن السفر لمتضرري الزلزال وليس "الإعفاء منه" ما يعني أن كل محاولات الاستقرار الحالية كفيلة بالانهيار لحظة إيقاف تمديد إذن السفر والإلزام بالعودة إلى مدينة أنطاكيا. ويتساءل أحمد ماذا سيفعل في مدينة تهدم فيها منزله وخسر فيها عمله.

 تمديد إذن السفر قرار انتقائي يخيب آمال السوريين

نجت أمل ورزان من الزلزال وقيمت السلطات منزلهما بـ "الضرر البسيط"، وهذا التقييم يجعلهما غير مشمولتين بقرار رئاسة الهجرة التركية بتمديد أذون السفر للخارجين من مناطق الزلزال.

فقد فحصت وزارة البيئة والعمران المباني في مناطق الزلزال لتثبيت مستوى الضرر، وصُنفت المنازل بالتصنيفات "غير متضرر - متضرر قليلاً - متوسط الضرر - ومتضرر بشدة"، ووفق التحديثات الأخيرة من رئاسة الهجرة التركية يحق فقط لأصحاب المنازل "المتضررة بشدة" تمديد إذن السفر، كما لم يشمل القرار المتضررين الخارجين من مدينة غازي عنتاب.

لذلك لم تستفد أمل الخارجة من مدينة غازي عنتاب ورزان التي غادرت مدينة أنطاكيا والمقيمتين حالياً في إسطنبول مع أسرتيهما، من القرارات الجديدة، وفقدوا حق البقاء في مدينة إسطنبول بعد الآن، كما وضحتا في حديثهما إلى موقع تلفزيون سوريا.

الزلزال يسلب العمل

تجمع كل من أمل ورزان على أن قرار إلغاء تصريح إذن السفر للسوريين من مناطق الزلزال لم يراع تدهور الحالة الاقتصادية للخارجين من المدن المتضررة، وتتفقان مع أحمد بتساؤلهما عن إمكانية العودة لمدن التسجيل بعد خسارة أرباب الأسرة لأعمالهم وصعوبة الحصول على أعمال جديد في مناطق الزلزال.

فالنسبة لأمل جاء هذا القرار بعد أن قضت مع أسرتها خمسة أشهر في إسطنبول في محاولات التأسيس من جديد والتأقلم مع المدينة الجديدة وتحمل نفقات نقل قسم كبير من أثاث منزلها، وبعد أن خسر زوجها عمله في مدينة غازي عنتاب، كما أنه لن يستطيع إيجاد عمل بديل نظراً لقلة فرص العمل في المدينة وصعوبة توظيفه بسبب تجاوزه الخمسين من عمره.

أما رزان التي يواجه زوجها المشكلة ذاتها بعد أن خسر عمله هو الآخر في مدينة أنطاكيا، تزيد عليها صعوبة العودة نهب منزلها في أنطاكيا بشكل كامل بعد انعدام الأمان والرقابة في الفترة السابقة في المدينة.

وعند سؤال رئيس منبر منظمات المجتمع المدني فيما إذا كان هنالك مساعٍ باتجاه الضغط على الحكومة التركية بخصوص تمديد أذون السفر في إسطنبول لأصحاب المنازل المتضررة قليلاً أو بشكل متوسط؛ يقول محمد أكتع إنه في المناصرة الفعالة يجب الضغط باتجاه الدائرة التي تخدم جميع الأطراف فليس من مصلحة تركيا والسوريين العمل على تمديد إذن السفر في إسطنبول التي تعاني أزمة كثافة سكانية تدفع الحكومة لتشجيع المواطنين الأتراك على مغادرتها خاصة أن إسطنبول هي الأخرى مدينة مهددة بالزلزال.

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، وأكدت الإدارة لموقع تلفزيون سوريا بأن عمليات إعادة المتضررين الخارجين من مناطق الزلزال إلى مدنهم لا تقتصر على السوريين فقط وإنما تشمل المواطنين الأتراك الذين بدأت بتشجيعهم على العودة تباعاً وفقاً لخطة زمنية.

تأمين المأوى.. مبادرات فردية واجتهادات شخصية

رغم عدم استفادتها من أي دعم متعلق باحتياجات المأوى، حالف الحظ أمل بأن منحها أحد معارفها منزلاً تقيم فيه بشكل مجاني إلى أن تتعافى أسرتها مادياً ويصبح زوجها قادراً على الإنتاج.

أما بالنسبة لرزان، فقد اضطرت مع أسرتها لاستئجار منزل متواضع يتمتع "بالشروط الدنيا" كسكن - كما وصفته - مقابل إيجار قدره 5000 ليرة تركية شهرياَ بعد أن دفعت بالمقابل 5000 آلاف أخرى كعمولة للمكتب العقاري بالإضافة إلى 10 آلاف ليرة كتأمين للمنزل بمجموع 20000 ليرة تركية لاستئجار المنزل في الشهر الأول فقط في أشد الظروف المادية سوءاً.

المبلغ المدفوع مقابل السكن فقط أدخل أسرة رزان في حالة عجز مادي وتراكم ديون حتى الآن، وتقول إن إلزامها بالعودة إلى أنطاكيا واستئجارها منزلا جديدا سيترتب عليه إعادة دفع تلك المصاريف مجدداً.

قدمت الحكومة التركية مساعدات إيواء للمواطنين الأتراك واللاجئين للسوريين من أصحاب المنازل المتضررة "ضرراً بالغا" و"ضرراً متوسطاً" بمقدار ثلاثة آلاف ليرة شهرية لمدة عام كبدل إيجار، لذلك لم تشمل هذه المساعدات عائلة رزان الذين قيّم منزلهم على أنه متضرر "بشكل قليل"، وإضافة للمساعدات في بدل الإيجار افتتحت الحكومة التركية مراكز إيواء للمواطنين الأتراك فقط في حين أستثني اللاجئون من هذه المساعدة.

مراكز الإيواء للأتراك فقط

وهذا ما حدث مع ياسمين التي لجأت من مدينة غازي عنتاب إلى مدينة بورصة مع أسرة زوجها الذين يحملون الجنسية التركية واستطاعت أسرة زوجها الحصول على شقة فندقية كاملة التجهيزات هناك، وتفاجأت ياسمين عند طلب القائمين منها مغادرة الشقة مع أطفالها بسبب جنسيتهم السورية التي لا تسمح لهم بالاستفادة من خدمة الإيواء، كما روت ما حصل معها لموقع تلفزيون سوريا.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بعيد الزلزال، مقاطع فيديو تظهر عائلات سورية من متضرري الزلزال تم إخلاؤهم من مراكز إيواء مؤقت مع إبقاء العائلات التركية في تلك المراكز في مدينة مرسين بعد عدة أيام من وقوع الزلزال.

فيديو المقطع

وأكدت إدارة الطوارئ التركية أفاد لموقع تلفزيون سوريا أن مراكز الإيواء افتتحت لاستقبال المواطنين الأتراك فقط من متضرري الزلزال.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون التركي

لا تتوقف تبعات تقييد تنقل السوريين في تركيا على كونه إخلالا بحق أساسي من حقوق الإنسان مشار إليه في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيؤثر هذا التقييد سلباً على حرية اختيار السوريين للعمل وتعريضهم للبطالة على الرغم من الإشارة إلى حق كل شخص في العمل وفي حرية اختياره عمله وفي شروط عمل عادلة ومرضية وفي الحماية من البطالة في المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أيضاً.

ويبرر القانون التركي هذا التقييد على أنه إجراء لتنظيم تنقل السكان وحماية الأمن العام، ففي حديث سابق له مع موقع تلفزيون سوريا وضح سليمان كورت نائب رئيس الجمعية الدولية لحقوق اللاجئين بأنه على الرغم من أن القانون العالمي لحقوق الإنسان يشير في مادته الـ 25 إلى حرية التنقل واختيار مكان الإقامة إلا أن هذا القانون غير ملزم،  بالإضافة إلى أن القانون الدولي يوافق على تقييد حرية الاستقرار والسفر لأغراض تنظيم تنقل السكان وحماية النظام العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأفراد الذين يدخلون في نطاق الهجرة القسرية وطلب اللجوء.

وبذلك يبقى السوريون تحت المؤقتة محكومين بقوانين مبررة دولياً لا تراعي ظروفهم الاستثنائية وتتحكم باستقرارهم.

تم إنتاج هذا التقرير بدعم من "JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان"