تغيير سلوك النظام السوري من وجهة نظر تركية

2022.09.12 | 06:03 دمشق

 تغيير سلوك النظام السوري من وجهة نظر تركية
+A
حجم الخط
-A

تعود المواقف التركية لخلط الأوراق من جديد، على الساحة الإقليمية تجاه النظام السوري، بعد تصريحات ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 9 أيلول/ سبتمبر، 2022 بأنّ النظام لم ولن يغير موقفه من التنظيمات الإرهابية أي حزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب.

يلحظ في هذه التصريحات الجديدة على مستوى الرئاسة، ربط مسار بدء إعادة علاقات جديدة بين تركيا والنظام، بقدرة الأخير على توضيح مواقفه حول حزب العمال، وتطويره من مواقف سياسية إلى مقاربات جديدة بالتنسيق مع روسيا وتركيا ضد الإدارة الذاتية، رغم علم أنقرة بالدعم الذي يقوم به النظام من خلال روسيا وإيران أو بتوجيه منهما لحزب العمال وبعض التنظيمات المرتبطة به بشكل مباشر، لكنها ما زالت تبحث عن مبررات يمكن أن يقدمها لها، عبر الإيحاء بأنه سيقوم بمحاربة تلك التنظيمات لأجل إيجاد مصوغٍ للتقارب تندرج في إطار أدوات بناء الثقة.

المقاربة التركية الجديدة، هي ذاتها مقاربة "تغيير سلوك النظام" التي طرحتها واشنطن منذ العام (2018) وأكّدت عليها المملكة الأردنية الهاشمية

وهذا يعني، حتّى أدوات بناء الثقة تبدّلت لدى الجانب التركي، من تلك المتعلقة بالقرارات الدولية الخاصة بوقف إطلاق النار، وإخراج المعتقلين، وتحقيق تقدم في العملية السياسية، إلى ارتباطات أمنية متعلقة بالأمن القومي التركي.

الحقيقة، أن المقاربة التركية الجديدة، هي ذاتها مقاربة "تغيير سلوك النظام" التي طرحتها واشنطن منذ العام (2018) وأكّدت عليها المملكة الأردنية الهاشمية ضمن مسار خطوة بخطوة (2021) من حيث العنوان العريض لها والمخرجات التي قد تؤدي للتراجع عن تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات كما نصّ بيان جنيف 1 (2012)، لكن الاختلاف الجوهري بأن واشنطن، ربطتها بقدرة النظام على إنهاء العنف ضد شعبه، والتراجع عن دعم القوات غير الحكومية الإيرانية أي الميليشيات.

بينما يمكن القول إنّ التصور والتفسير التركي، يركّز أكثر على ضرورة إنهاء مشروع الإدارة الذاتية بما في ذلك تنظيمات حزب العمال ومن ثم البدء بعملية إصلاحات من خلال مسار المصالحة الذي سبق وأن قامت بطرحه، باعتباره من الأصل مساراً روسياً-إيرانياً.

ويُرى في هذه النقطة، مدى الاستعداد التركي في التخلي عن مواقفها "الحادّة" تجاه الثورة السورية، لتصبح أكثر مرونة، فقط في حال استجابت موسكو وطهران لمطالبها كذلك بالطبع النظام، الأمر الذي يبدو صعب التحقيق ضمن المعطيات الراهنة، لعدة أسباب ربما على رأسها التخوف الروسي-الإيراني من مناورة أنقرة في الملف بغرض إنهاء التنظيمات الإرهابية وعودة التركيز على دعم المعارضة السورية "عسكرياً".

في حين، تلعب واشنطن دوراً محورياً في التخوفات التركية، لأنّها تعتبر من القوى الأساسية التي تدعم الإدارة الذاتية ولا سيما "قوات سوريا الديمقراطية" التي بدورها أكثر تماهياً مع الموقف الأميركي منه الروسي والإيراني، مما يعني صعوبة أن تكون تلك القوى ضمن الطرح الروسي-الإيراني-التركي، في حال عدم القدرة على إقناع واشنطن، التي على ما يبدو ما زالت مصرة على مواقفها حول العملية العسكرية التركية.

في الواقع، إن الانعطاف التركي، نحو مقاربة التقارب مع النظام أتى بضغطٍ روسي إيراني خلال قمّة طهران الأخيرة (2022)، وتم ربطه بوعودٍ متعلقة في العملية العسكرية، أكثر مما تكون ضغطاً داخلياً ضمن الحياة السياسية التركية، بالرغم من أهمية عامل ضغط أحزاب المعارضة في تركيا على التحالف الحكومي إلّا أنّ ذلك لا يمكن أن يسهم في تغيير مواقف استراتيجية كاملة، بل قد يكون عاملاً إضافياً، وهذا يدفع للقول إنّ عدم قدرة موسكو على الإيفاء بالتزاماتها حول العملية العسكرية التركية قد يسهم في العودة إلى نقطة الصفر وهذا على ما يبدو يمكن تتبعه من خلال التصريحات الأخيرة التي أتى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

عودة العلاقات مع النظام لا تعني التنازل عن دعم المعارضة ولا يمكن إغفال عنصر الوقت عن المرحلة ما قد يعني أن النوايا التركية قد تكون تشكلت بما يفرضه ضرورة إدارة المرحلة وفق معطياتها الراهنة

تعلم أنقرة، بأنّ النظام، غير قادر على الكف عن دعمه لحزب العمال، لكون الأخير يعتبر ذراعاً مهماً له، ولا يمكن التخلي عنه، لأنّ ذلك قد يعني تعرّض المنطقة التي يفرض السيطرة عليها للفراغ الكبير ولا سيما في الوقت الذي يُعاني به النظام من ضعفٍ من حيث عدد القوات وصعوبة تغطية الفراغ الذي قد يخلفه هذا القرار.

ما عدا عدم ثقته بمواقف أنقرة، التي على ما يبدو لن تتوقف عن دعم المعارضة السورية في هذه المرحلة، وهي من الأساس تعمل جاهدة على فصل تلك المتناقضات عن بعضها البعض، فعودة العلاقات مع النظام لا تعني التنازل عن دعم المعارضة ولا يمكن إغفال عنصر الوقت عن المرحلة ما قد يعني أن النوايا التركية قد تكون تشكلت بما يفرضه ضرورة إدارة المرحلة وفق معطياتها الراهنة.

وقبل كلّ شيء، من المهم تتبع السياسات التركية الجديدة، في المنطقة تجاه الانفتاح على الدول الإقليمية، من ضمنها الملف السوري، والتي يشوبها عراقيل كثيرة، على رأسها التخوفات من حيث فوارق القوة في العلاقات الدولية، التي من الصعب تجاوزها، أي تلك المرتبطة بتوسع أنقرة من الناحية الجيوسياسية خلال العقد الأول من ثورات الربيع العربي.

على هذا الأساس يمكن طرح سؤالين في الإطار ذاته، الأول: هل يمكن أن تتقبل الدول الإقليمية تركيا في حلتها الجديدة كدولة إقليمية تنافس على المركز؟ والثاني: هل لدى أنقرة الاستعداد للتنازل عن مكاسبها الماضية؟ ولعلّ في الإجابة عن تلك الأسئلة يسهل في بلورة تصور أولي عمّا ستؤول إليه سياسات التقارب مع النظام السوري بشكل خاص.