icon
التغطية الحية

تعديل مواد وحذف أخرى.. قانون الإعلام الجديد يجدّد مخاوف إعلاميي النظام السوري

2024.03.10 | 17:03 دمشق

EUGL
"وزارة الإعلام" بدمشق
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

رفع قانون الإعلام الجديد الذي يُنتظر إقراره في أي لحظة، منسوب القلق والخوف داخل أوساط الإعلاميين والصحافيين العاملين في مناطق النظام السوري، وفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتكهنات حول مصيرهم، وخاصة بعد اتساع موجة تسريبات تفيد بتعديلات على مواد سبق وتم الاتفاق عليها وإلغاء مواد أخرى.  

 وعلى إثر التسريبات التي انتشرت في اليومين الأخيرين، وجه إعلاميون وصحافيون موالون للنظام انتقادات طالت مشروع القانون المثير للجدل، احتجاجاً على ما وصفوه بـ "التغييب المتعمّد" لرأيهم وقرارهم في مواد وفقرات يرفضون وجودها ضمن هذا القانون في حال تمت مشاركتهم في صياغتها.

تسريبات القانون الجديد للإعلام وتعديلاته

وكان رئيس "اتحاد الصحفيين" موسى عبد النور قد كشف عن تعديلات طالت بعض مواد مشروع القانون الجديد وإلغاء أخرى، مشيراً إلى عدم معرفته أسباب إجراء تلك التغييرات والجهة التي أقرّتها.

وأفاد عبد النور في تصريحات لموقع "أثر برس" المقرب من النظام بأن "المشروع لا يلبي الطموح على الإطلاق، وفيه تراجع كبير فيما يتعلق بالبيئة التشريعية لممارسة مهنة الإعلام في سوريا".

وعن أهم التغيّرات، قال عبد النور إن المشروع الذي تم الاتفاق عليه سابقاً كان يتضمّن عبارة "الإعلام بوسائله كافة مستقل يؤدي رسالته بحريّة. إلا أن المشروع الحالي حذف بالصياغة كلمة (مستقل)، لتصبح العبارة: يؤدي الإعلام بوسائله كافة رسالته بحرية"، مشيراً إلى أن كلمة (مستقل) المحذوفة "تعبر عن توافق القانون مع المعايير المتعارف عليها دولياً فيما يتعلق بممارسة العمل الإعلامي".

وأضاف عبد النور أنه تم حذف المادة التي تقول: "مع عدم الإخلال بالمسؤولية عما ينشر في الوسائل الإعلامية من محتوى، لا يخضع العمل الإعلامي للرقابة السابقة". وحذفت الفقرة (أ) من المادة السابعة، والتي تقول إن "حرية الإعلامي مصونة بالقانون ولا يجوز أن يكون الرأي الذي ينشره الإعلامي سبباً للمساس بهذه الحرية إلا في حدود القانون". واستبدلت بعبارة: "حرية الإعلامي مصونة في إطار المبادئ والقيم" فقط.

كما حذفت الفقرة (ب) من نفس المادة، والتي تقول: "لا يحق لأي كان مطالبة الإعلامي بإفشاء مصادر معلوماته إلا عن طريق القضاء وفي جلسة سرية".

وتابع: "تم حذف المادة 101 وهي أساسية بما يتعلق بالإجراءات التي تتخذ بحق الصحفي في حال مخالفة أحكام القانون وتقول: في جميع الأفعال التي تشكل جرائم ويقوم بها الإعلامي في معرض تأدية عمله باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يجوز تفتيشه أو تفتيش مكتبه أو توقيفه أو استجوابه إلا بعد إبلاغ الوزارة أو فرع اتحاد الصحفيين لتكليف من يراه مناسباً للحضور مع الإعلامي". بالإضافة إلى تغيرات طالت مواد أخرى لكنها تقلّ أهمية عن المواد السالفة.

ردود فعل الإعلاميين على التسريبات

وتفاوتت ردود الفعل المستنكرة والمستهجنة من قبل الصحافيين والإعلاميين الموالين للنظام على تلك التسريبات، معربين عن قلقهم ومخاوفهم إزاء تشديد القبضة الأمنية والقضائية على عملهم بدرجة لا تقل عن القوانين السابقة، بل وتزيد أيضاً.

الإعلامية هناء الصالح، مديرة البرامج السياسية في قناة "سما"، قالت: "تفاجأنا نحن الصحفيين مثل أي مواطن سوري بتسريب عدد من بنود مسودة قانون الإعلام وكأنه سر خطير لا يجب الاطلاع عليه في الوقت الذي يجب أن يكون للصحفي كلمته في قانونه، لأنه يعلم سلبيات العمل وإيجابياته... طبيعة عمل الصحفي مختلفة وتعتمد على الإبداع والهوامش ولا يجوز تقييد إبداعه، فتكفيه الظروف اللوجستية الصعبة التي يعيشها (لا نريد زيادة الطين بلة)"، بحسب تعبيرها.

وتساءلت الصالح: "إذا كان اتحاد الصحفيين والوزارة وأعضاء اللجنة سابقاً ليس لهم علم بحذف بعض المواد، من الذي حذف إذاً ومن يحق له ذلك؟".

وأضافت: "لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يفشي الصحفي بمصدره، وكان الموضوع مؤطراً بالقضاء، وعدم تفتيشه أو تفتيش مكتبه إلا بظروف معروفة سابقاً، كل ذلك لم يعد موجوداً، وهذا تحول خطير يحد من المبادرة ويترك المجال للمتنفذين وبعض الفاسدين بتهديد الصحفي الذي يبحث عن الحقيقة".

"تكبيل العمل الصحفي في سوريا"

من جانبه، قال مراسل قناة "الميادين" المقربة من إيران، رضا الباشا: "نحن أمام قانون يبحث أكثر عن تكبيل عمل الصحفيين ولسنا أمام قانون عصري يخشى القائمون على سن بنوده من الكشف عن أي نقطة فيه ويخشون من مناقشته مع أصحاب الشأن الذين سيطبق عليهم هذا القانون".

وأضاف الباشا: "إلى الآن نحن نسمع بعض التسريبات وهي نقاط كارثية وتعتبر تقييداً أو تكبيلاً للعمل الصحفي في سوريا... في الواقع العمل الصحفي اليوم ما يزال يواجه تحديات وصعوبات كثيرة على الرغم من أن قانون الإعلام الحالي يعطي للصحفي بعض المناورة والقدرة للتحرك، ولكن للأسف بعد صدور قانون جرائم المعلوماتية والإلكترونية واستخدامه كسلاح لتكبيل الصحفيين، كنا نتوقع أن يكون قانون الإعلام الجديد فيه هوامش حرية وفقرات تضمن الحرية للصحافة".

وأردف: "أعتقد أن ما كشفه رئيس اتحاد الصحفيين من حذف لفقرات في مشروع القانون تؤكد المخاوف التي نعيشها كصحفيين، شخصياً لفتني حذف كلمة (مستقل) من الفقرة التي أشار إليها رئيس الاتحاد، فهل يعني أن القانون سيسلب الصحافة استقلالها ويجعلها تباع وتشترى أو يبرر تبعيتها لمسؤول فاسد؟ هذا يعني أننا نقونن فساد الصحافة"، وفق وصفه.

أما حازم شحادة، رئيس تحرير إذاعة "نينار"، فيشير إلى إنه تلقى "طاقة سلبية" كبيرة ومستفزة إلى حد كبير، من شكل وطريقة طرح ووصول هذا المشروع الجديد عبر التسريبات. وقال: "أجزم أن جزءاً كبيراً من زملائنا يشاركوني هذا الشعور، وهذا الإجماع شبه التام هو ما عبر عنه اتحاد الصحفيين والذي صرح بأنه حتى هو لا يعلم من هي الجهة المسؤولة عن حذف بعض المواد في المشروع الجديد، وهو الذي يعمل حالياً رأس حربة لتحقيق مشروع يلبي الطموح ويحقق نقلة نوعية في الإعلام السوري"، على حد زعمه.

ويرى شحادة أن ما يهم الصحفي حالياً هو "بيئة عمل قانونية مناسبة تضمن حماية حقوقه وحماية عمله وتيسيره بدءاً من تسهيل المهمات الميدانية من قبل الجهات المعنية وصولاً لحرية النشر والرأي مروراً بحماية الصحفي ومصادره، وهو ما لم نجده في بعض البنود للقانون الجديد".

"شرعنة إيقاف الصحفي عن العمل"

من جهته، يرى الصحفي الاقتصادي زياد غصن أن مشروع القانون الجديد يشكل تراجعاً كبيراً عما نص إليه القانون المتبع حالياً، وقال إن هناك ملاحظات عدة يمكن تسجيلها، "من أبرزها ما نصت عليه المادة 15 في الفقرة (ج) لجهة شرعنة الإجراءات التي كانت تلجأ إليها بعض إدارات المؤسسات الإعلامية الرسمية من إيقاف صحفيين لديها عن العمل لأسباب يقال عادة إنها مهنية فيما هي عملياً رضوخ لضغوط كانت تأتي من هنا وهناك".

وأوضح غصن أن تلك الفقرة نصت على "جواز إيقاف الصحفي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بحجة تداول أو نشر أي معلومات أو أخبار كاذبة أو ملفقة لم يقم الإعلامي بتوثيق مصدرها الأساسي، وكذلك بحجة نشره كل ما يحظر نشره وفقاً للقوانين والأنظمة".

ويتجاهل مشروع القانون الجديد، بحسب غصن، حقوق شريحة الصحفيين المستقلين بالعمل، وذلك بحصره تأدية الإعلامي الذي هو خارج الجهات العامة لعمله إما "بواسطة بطاقته الصحفية الصادرة عن الاتحاد بصفة عامل أو متمرن، أو البطاقة الصادرة عن الوزارة".

وتطرّق الصحفي الاقتصادي إلى التعديل المتعلق بـ "منح وزير الإعلام صلاحية تشكيل لجنة برئاسة قاض يسميه وزير العدل مهمتها النظر بالمخالفات واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين وفقاً لأحكام هذا القانون، وتكون قراراتها نهائية ومعجلة النفاذ وقابلة للطعن أمام محكمة القضاء الإداري خلال مهلة 10 أيام من تاريخ تبليغها".

وقال إنه "في ضوء حذف مشروع القانون الجديد للمواد المنصوص عليها في القانون النافذ حالياً، والمتعلقة مثلاً باختصاص محكمة بداية الجزاء ومحكمة الاستئناف بالنظر في القضايا المعروضة أمام القضاء والمتعلقة بمخالفة أحكام القانون، فهذا يعني نقل اختصاص القضاء إلى لجنة مشكلة في وزارة الإعلام، ولا نعرف مدى دستورية مثل هذا الإجراء".

وختم بالقول: "باختصار، مشروع القانون بحاجة إلى إعادة صياغة كاملة من جديد، وذلك في ضوء التكرار وإيراد كثير من المصطلحات والعبارات الفضفاضة التي لا يوجد لها تعريف أو تحديد واضح قابل للقياس عند الرغبة بتقييم أي عمل إعلامي. فمثلاً ما هي القيم الوطنية للمجتمع السوري؟ وما تعريف الهوية الوطنية؟ وما المقصود بحرمة النظام العام؟ وأين ميثاق الشرف الإعلامي الذي نص عليه القانون الحالي الصادر منذ 12 عاماً ولم ير النور؟".

إيقاف منح البطاقات الصحفية!

وتزامنت التسريبات مع تضييق آخر على الصحفيين والإعلاميين، تمثّل في إصدار "وزارة الإعلام" في حكومة النظام السوري تعميماً منعت بموجبه وسائل الإعلام من منح البطاقات الصحفية التعريفية للعاملين فيها، ومن أي نوع كانت، وفقاً لما أورده موقع "سناك سوري" المحلي.

وحصر التعميم إمكانية الحصول على هذه البطاقات للصحفيين والموظفين الإداريين بـ "وزارة الإعلام"، تحت طائلة المسؤولية، وذلك بناء على قانون الإعلام الجديد وتعديلاته المذكورة.

وبذلك تكون وسائل ومنصات الإعلام قد حُرمت، وفقاً للتعميم، من حق إصدار البطاقات التعريفية بموظفيها، والتي كان يحتاج إصدارها في السابق إلى علم "اتحاد الصحفيين" وليس لوزارة الإعلام.

ويشكّل غياب البطاقة الصحفية تقييداً واضحاً لحرية عمل الصحفي ويحدّ من مقدرته على الحركة ومتابعة نشاطه، وخاصة في المسائل المتعلقة برصد فساد وتجاوزات مختلف المؤسسات التابعة للنظام وحكومته، ويضعه أمام المساءلة الأمنية والقضائية عند أصغر خبر لا يناسب مزاج القائمين على تلك المؤسسات.