icon
التغطية الحية

تطبيق "واتساب" وجهنا الحقيقي وكهف عللنا النفسية

2023.02.02 | 16:06 دمشق

فيلم
فيلم "أصحاب ولا أعز" (يوتيوب/ نتفلكس)
+A
حجم الخط
-A

أثار فيلم "أصحاب ولا أعز" جدلاً واسعاً عندما طرحته منصة نتفلكس منذ عام تقريباً، اتهمه البعض بتشويه صورة المجتمع العربي، ووصمه بالخيانة والشذوذ على حد تعبيرهم، الفيلم الذي يحكي قصة أصدقاء يضعون هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، لتكون جميع المكالمات والمحادثات مكشوفة للجميع خلال السهرة، لتبدأ الحيوات السرية لشخوص الفيلم بالظهور واحدة تلو الأخرى، متضمنة خيانات زوجية، وحالة مثلية جنسية غير معلن عنها!

ليس موضوعي اليوم رأياً في الفيلم أو قصته أو طريقة عرضه، بل يدور سؤال واحد في ذهني منذ عام، أي منذ عرض الفيلم، ماذا لو عُرض ما بداخل هواتفنا من محادثات على شاشة عرض كبيرة أمامنا، الفكرة الدينية ذاتها التي شكلت رادعاً لمعظم جيلنا حيث إن أعمالنا ستعرض على الملأ يوماً ما، وإن الله قادر على أن يعرف حتى ما في أدمغتنا، وأفكارنا وتخيلاتنا جميعها التي كنّا نهذبها خوفاً منه، اليوم من هو الرقيب على محادثاتنا خاصة ضمن تطبيق "واتساب"؟

لا أتحدث فقط عن النميمة "والشلي" بمفهومنا اليوم، بل إلى أمور تتعدى كونك من يتم اغتيابه في حضوره من خلال غرف مخصصة عبر التطبيق، يمكن ببساطة أن تكون الخيانة على شكل حروف يمكن أن تُمحى بضغطة واحدة، أي إن المدة الزمنية للحساب أو محاكمة الضمير محدودة جداً، فعند غياب الدليل، لا يمكن أن تكون متهماً، أو أن تحاكم على الأقل، يمكن من خلال التطبيق ممارسة التنمر والفضيحة، أو تلفيق روايات من خلال خاصية الحذف وتصوير المحادثات بعدها، يمكن أن تحتفظ بمحادثات لاستخدامها مستقبلاً، خرجت كرد فعل آني من شخص لم يصرخ علانية بل شارك آخر بصرخة مكتوبة، لكنه لا يعلم أنه لا يمكنه التراجع، كم منّا إذا تجرد خارج حسابه ونظر من بعيد سيرى مجاملات هنا وزيفاً هناك؟ وهل فعلاً نحن مستعدون لنضع هواتفنا المحمولة على الطاولة؟ بالطبع لا.

علينا الآن الإجابة عن فرضية (لا)، لأننا وإن عدنا إلى جذر المشكلة، سنرى أننا تربينا جميعاً ضمن مجتمع لا يعرف كلمة (لا) والتي بغيابها نتحول أوتوماتيكياً إلى منافقين صغار، حين لا نقول لجارتنا إننا لا نريد مساعدة ابنها في حل فروضه المدرسية، أو (لا) أريد التعامل مع شخص ما ضمن العائلة، أو (لا) لفرع الجامعة الذي سيفخر به الأهل وحدهم في كثير من الأحيان أي دون المعني بالأمر، إلى (لا) للتحرش والمضايقة مهما كان نوعها، و(لا) لتقديم أي تنازلات أو مقابل تجاه منحنا الحب من عائلتنا إلى أصدقائنا إلى الشريك، تربينا في مجتمع تقديس اللطافة والنَعم، مجتمع التوقعات والمثالية التي وضعت معظم جيلنا ضمن إطار واحد، في المهنة، والطموح، والأحلام، وأي شيء خارج هذا الإطار هو فشل، ولا بدّ لنا من تذكّر أنه لا مجال للفشل ضمن مجتمعات التوقعات، كذلك الأمر بالنسبة لفكرة الخصوصية، التي ارتبطت ضمن وعينا الجمعي بالخطأ، إذا ما جلسنا مع أنفسنا حكماً سنرتكب إثماً ما، كل شي لا نريد الإفصاح عنه فهو خطأ بالضرورة، لذا عندما تصر هذه التطبيقات على تذكيرنا بالخصوصية في كل مرة نحمّلها أو نستخدمها، فهي بالضرورة تدعونا لأن نكون خارج دوائر الرقابة،  بالطبع ليس هذا مبرر لما ذُكر أعلاه، إنما إذا أردنا أن نعرف ما يحصل في البرازيل علينا أن نعرف ماذا حدث في إيطاليا.

نحو نصف مستخدمي الإنترنت في العالم يعتمدون على تطبيق واتساب للتراسل الفوري مع الأهل أو الأصدقاء أو لأغراض العمل، فيمتلك واتساب 2 مليار مستخدم نشط شهرياً، ويعد أكثر تطبيق مراسلة فورية استخداماً في العالم، كما أنه أكثر تطبيق اجتماعي تفضيلاً من المستخدمين الذي يرسلون قرابة 100 مليار رسالة يومياً عبره، وليكون هذا العالم أفضل ربما علينا أن نفكر في ماهيّة هذه الرسائل، وكيف يمكن تسخيرها لتكون العلاقات أكثر وداً ربما، خاصة لما تمثله العلاقات الإنسانية من أهمية في التوازن والسلام النفسي، ضمن ظروف عصيبة تمرّ علينا كسوريين نساءً ورجالا، تطحن الغربة – داخل البلاد وخارجها- يومياً أرواحنا لذرّات، نواجه وحيدين في معظم الأحيان تقلّبات العالم وانهياراته السياسية والاقتصادية والأخلاقية معاً، وقليلون منّا من يطلبون المساعدة، ونادرون من يجدونها بدافع الحب أو الصداقة أو الزمالة ودون شروط.