تركيا ومستقبل الدولة الفلسطينية..

2023.12.15 | 08:06 دمشق

تركيا ومستقبل الدولة الفلسطينية..
+A
حجم الخط
-A

في موقف متجدد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وردًا على سؤال حول موقفه من تصريح وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، براين نيلسون خلال زيارته لأنقرة الأسبوع الماضي، والذي أعرب فيه عن استيائه من موقف تركيا تجاه حماس. لقد رد الرئيس أردوغان بهجوم تصعيدي بأنه لا يقر بحركة حماس الفلسطينية كمنظمة إرهابية ولا ينوي إعادة النظر في موقفه في المستقبل. "حماس ليست منظمة إرهابية. هؤلاء هم الأشخاص الذين يواصلون القتال على مجموعة من الأراضي التي تمكنوا من السيطرة عليها منذ عام 1947 وحتى يومنا هذا. الآن لدي موقف مماثل. لن أتمكن أبدًا من الاعتراف بحماس كمنظمة إرهابية، بغض النظر عما يقوله أي شخص".

إن مفهوم تركيا لإدارة غزة يتحدى الولايات المتحدة وإسرائيل لأن الرئيس أردوغان لا يرى مستقبلا لغزة من دون حماس. حيث تعتزم تركيا مناقشة الموضوع مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديدا في الهيكلية لما بعد الصراع في قطاع غزة. وبحسب المنشورات الصادرة باللغة التركية، ينبغي أن يكون هذا أحد الموضوعات الذي قد طرحها الرئيس رجب طيب أردوغان على هامش المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28، التي بدأت في 30 من تشرين الثاني/نوفمبر في دبي. وتراهن أنقرة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وبرأيها لا يمكن حكم غزة دون مشاركة حركة حماس، وفقا لما تريد إسرائيل والولايات المتحدة تفكيك نظامها.

الموقف الرسمي التركي

ذكرت صحيفة حرييت التركية أن أردوغان توجه إلى الإمارات لحضور قمة الأمم المتحدة للمناخ بهدف المناقشة من بين أمور أخرى، وضع قطاع غزة بعد الصراع. وتروج أنقرة لمبادرتها الخاصة التي تتناقض مع خطط الولايات المتحدة وإسرائيل. وبحسب الصحيفة فإن الجانب التركي يؤيد الفصائل الفلسطينية التي تحكم القطاع الساحلي. وشددت على أنه في فهمها فإن صيغة النظام السياسي دون مشاركة حماس لن يكون لها أي فرصة للنجاح. وجاء في تقرير حرييت: "يجب الآن إعطاء الأولوية لإقامة دولة فلسطينية. ولا يمكن وقف إراقة الدماء دون حل الدولتين".

لقد كشفت أنقرة بالفعل عن جزء من رؤيتها. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: "نقترح أن تصبح بعض دول المنطقة ضامنة لفلسطين، بما في ذلك تركيا". الدول الأخرى ستصبح ضامنة لإسرائيل. ويتعين على هذه الدول أن تتحمل مسؤولية تنفيذ شروط التسوية". ووفقا له، فإن المبادرة ما تزال قيد الإعداد، ولكن سيتم طرح بنودها الرئيسية على "جمهور أوسع". وأشار فيدان: "نحن نقدم هذه الفكرة كخيار رئيسي". إذا كانت إسرائيل تريد الأمن لنفسها في المنطقة، فيجب أن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة. بهذه الطريقة فقط يمكن ضمان السلام الدائم".

لقد أكد أردوغان نفسه علناً على أن غزة يجب أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقلة التي يتم تأسيسها بعد انتهاء القتال. وقال الرئيس التركي في أحد خطاباته: "نريد أن نرى غزة منطقة مسالمة وجزءاً من دولة فلسطينية مستقلة، وفقا لحدود عام 1967، ووحدة أراضيها وعاصمتها القدس الشرقية. سندعم الصيغ التي من شأنها إحلال السلام والهدوء في المنطقة". وفي الوقت نفسه أشار أردوغان إلى أن أنقرة ترفض إفساح المجال لمثل هذه الخطط لمرحلة ما بعد الصراع التي "ستزيد من تعقيد حياة الفلسطينيين والتي تحاول محوها تدريجياً من المشهد التاريخي".

وهذا يشكل تحدياً مباشراً للمفهوم الأميركي، الذي يقضي بأن إدارة غزة بعد الحرب يمكن أن تتولى مؤقتاً دول العالم العربي، بما في ذلك أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وتحظى هذه الفكرة بدعم مراكز الأبحاث الكبرى في إسرائيل.

لقد أصبح الخطاب التركي أكثر قسوة بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. وفي اليوم السابق، وصف أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "جزار". "فمنذ 7 أكتوبر، يتعرض إخواننا وأخواتنا في غزة لأبشع الهجمات في تاريخ البشرية. وقصفت مساجدهم وتحولت مدارسهم إلى أنقاض. وأصبحت مخيمات اللاجئين التي لجؤوا إليها هدفاً لهجمات متعمدة. نتنياهو كتب اسمه بالفعل في التاريخ باعتباره جزار غزة".

الجانب التركي لم يقرر بعد فرض حصار اقتصادي على إسرائيل. وقال مصدر من صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله، وبالتالي من القيادة الإيرانية. إنه خلال المفاوضات المباشرة، طالب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بشكل مباشر أردوغان بفرض عقوبات اقتصادية على الدولة اليهودية. وإن الرئيس التركي رد بالرفض القاطع. ويسجل المنشور وجود تناقضات خطيرة بين الدول فيما يتعلق بغزة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل زيارة رئيسي المرتقبة إلى تركيا.

الموقف الشعبي التركي من حركة حماس

ووفقا لدراسة حديثة أجرتها شركة ميتروبول، وهي واحدة من أكثر الوكالات الاجتماعية موثوقية في تركيا، فإن 30% فقط من مواطني الجمهورية يعتبرون حماس منظمة إرهابية، في حين يتفق 55% مع تقييمات أردوغان. يتأرجح تأييد موقف الرئيس التركي بشأن فلسطين في حدود 54%. 36% فقط من الأتراك لا يوافقون على توجه البلاد. ويظهر الشعب التركي أيضاً درجة من البراغماتية عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ميتروبول أن نحو 35% يقولون إن على تركيا وقف التجارة مع إسرائيل، بينما يعارض 38% القطع الكامل للعلاقات.

وفي تحليله، يربط معهد بروكينغز موقف أنقرة المتشدد بالانتخابات البلدية المقبلة في آذار /مارس 2024. ووفقاً لهذه التقديرات، من المرجح أن يكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في قلب أجندة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان. وفي الوقت الذي تعاني فيه تركيا من صعوبات اقتصادية وتواجه انتخابات محلية مهمة، بما في ذلك المعركة التي تلوح في الأفق من أجل مدينة إسطنبول. فإن التركيز المستمر على محنة الفلسطينيين يساعد في توحيد الناخبين المحافظين حول الرئيس التركي.

من هنا لابد من القول إن الدول الإقليمية تحاول حجز مكان لها في عملية التسوية القادمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى. وبالرغم من الجميع يتوافق مع الطروحات العربية بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقبلية لكن كل طرف يريد أن يحجز مكاناً في هذه التسوية القادمة. وتركيا تريد أن يكون موقفها الشعبي لا يختلف عن موقفها الرسمي من حركة حماس التي تعتبرها حركة مقاومة فلسطينية.