تركيا في اليوم التالي لقمة أنطاليا الثلاثية

2022.03.13 | 05:13 دمشق

6229eb504c59b7333a14ff87.jpg
+A
حجم الخط
-A

تدرك تركيا أنها في وضع لا تحسد عليه بسبب مسار الحرب الروسية على أوكرانيا لكنها لا تريد أن تصل إلى مأزق "طول ما قلبك مليان طيبة.. راح تطلع من أزمة وتفوت بمصيبة".

هي أعلنت "حياديتها الإيجابية" باكرا في التعامل مع الأزمة وقررت التحرك على هذا الأساس لحماية علاقاتها مع موسكو وكييف، لكنها تعرف أن التطورات المتلاحقة لن تخرجها من ورطة التزاماتها وتحالفاتها مع الغرب بشقيه الأميركي والأطلسي. وأن روسيا لن تقتنع بما تقوله أنقرة حول قدرتها على البقاء بعيدة عن التصعيد الأميركي على كل الجبهات.

رددت القيادات التركية مع بداية الأزمة أن الجميع يحتاج إلى التواصل والانفتاح التركي على طرفي الصراع وأن شبكة العلاقات التي نسجتها تركيا مع روسيا وأوكرانيا في الأعوام الأخيرة سيكون لها دورها خلال البحث عن طاولة حوار سياسي لتسوية الأزمة. لكن المشكلة هي أن أطراف النزاع لا يبحثون عن فرص حل دبلوماسي بقدر ما يعولون على التصعيد العسكري وتوتير الأجواء ورفع مستوى الاصطفاف والتكتل الإقليمي والدولي.

المواجهة الغربية الروسية تعني تركيا التي التحقت بحلف شمال الأطلسي قبل 7 عقود لحماية مصالحها الاستراتيجية، ولا يمكن لها التخلي عنه اليوم

الرئيس الأميركي جو بايدن يرسل ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية إلى أنقرة قبل أسبوع ثم يتصل بنظيره التركي ليبحث معه نتائج قمة أنطاليا الثلاثية ويتعهد بمراجعة السياسات والمواقف الأميركية معلنا استعداده لفتح صفحة جديدة من العلاقات طالما أرادها الجانب التركي. فهل ستقول أنقرة "يا نحلة لا تقرصيني ولا عايز منك عسل"، وهي تدرك صعوبة أن تغرد خارج السرب عندما يتكتل الغرب ضد روسيا ويقرر الانتقال بمسار الأزمة إلى مرحلة أكثر تصعيدا وتعقيدا؟

المواجهة الغربية الروسية تعني تركيا التي التحقت بحلف شمال الأطلسي قبل 7 عقود لحماية مصالحها الاستراتيجية، ولا يمكن لها التخلي عنه اليوم عندما تحل ساعة الجد ويكون بأمس الحاجة إليها.

تحتاج تركيا إلى حماية علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع أوكرانيا وروسيا، حيث تقول أرقام العام المنصرم وحدها إن حجم التبادل التجاري بين تركيا مع البلدين وصل إلى أكثر من 30 مليار دولار وإن تركيا تستورد نحو 45 في المئة من احتياجاتها للغاز الطبيعي من روسيا. وتعول على أوكرانيا في مصادرها السياحية ومبيعات الحبوب والسلاح وتبادل الخبرات. من يقدم لتركيا أكثر من الآخر أميركا أم روسيا ليكسبها إلى جانبه؟ معادلة ساقطة بالنسبة لأنقرة لأن التزاماتها واتفاقياتها مع الغرب لا تعطيها فرصة الاختيار أو البقاء على مسافة واحدة من الطرفين. تحرك الأمم المتحدة في المرحلة المقبلة لانتقاد مواقف روسيا وسياستها في أوكرانيا وإدانتها بسبب عملية الغزو التي قد تتحول إلى احتلال، سيضعف "حيادية" الموقف التركي وسيلزم أنقرة بالوقوف إلى جانب المجتمع الدولي أكثر فأكثر وهذا ما ثبت من خلال إدانتها للعملية الروسية ضد أوكرانيا التزاما بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كلما اتضحت مسألة أن بوتين سقط في الفخ الذي نصبه لأوكرانيا والغرب، واتسعت رقعة تضييق الخناق الاقتصادي والسياسي والحقوقي والإعلامي عليه، كما تقلصت فرص أنقرة في المناورة ومحاولة الالتفاف على المواقف الغربية أو لعب ورقة توجيه الانتقادات لواشنطن وتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه الأمور. الذي سيحاصر القرار التركي هو ليس الأوراق التي تملكها كييف لإلزام تركيا بالوقوف إلى جانبها، ولا فرص المناورة الروسية الكثيرة ضد أنقرة، بل قرار أميركا في مواصلة خطة إضعاف النفوذ الروسي وإحراق أوراق بوتين في الداخل وتحميله مسؤولية كل الأضرار السياسية والمادية التي لحقت بأوكرانيا. وفي هذا الإطار يمكن القول أيضا إن التقارب التركي الإسرائيلي والتركي اليوناني والتركي الخليجي يتم بدعم أميركي واضح استعدادا لمواجهة التصعيد الروسي المحتمل في الشرق الأوسط ومحاولة توسيع رقعة الأزمة ونقل المواجهات إلى ساحات إقليمية جديدة.

لا يمكن الخلط بين حيادية تركيا في ملف الأزمة الأوكرانية لحماية مصالحها مع روسيا وأوكرانيا وبين المواقف التركية المعلنة الرافضة للاعتداء الروسي على دولة جارة ودعوتها لسحب قواتها فورا من هناك. بوتين يضع شروطه ويحاول أن يفرض مطالبه على كييف والمجتمع الدولي ويبرر الغزو ويلوح بالسلاح النووي ضد من يعترض أو يتدخل ويريد من أنقرة أن تتجاهل كل ذلك وتقف على الحياد وهي مسألة صعبة بالنسبة لتركيا.

تركيا سترمي الكرة في ملعب الغرب أولا إذا ما كان جادا في مواجهة موسكو وبعدها تقرر ما الذي ستفعله. ما زالت أنقرة وراء هدف ترتيب قمة ثلاثية تركية روسية أوكرانية تكرس الدور والموقع التركي الأساسي في الملف بدعم إقليمي ودولي. توقيت مناقشة أنقرة مع موسكو مسألة التبادل التجاري الثلاثي بينها وبين روسيا والصين بالعملات الوطنية بدلا من الدولار مسألة لافتة حقا في هذه الظروف. حيث تعرف أنقرة أن مشروع الأورو آسيوية سيتراجع أمام محاولات بوتين فرض عودة السوفياتية الروسية مجددا إلى الإقليم، وأن خطط إعادة توحيد العالم التركي باتت مهددة نتيجة التصعيد الروسي الأخير. هل هدف تركيا هنا هو تمرير بعض الرسائل السياسية والاقتصادية إلى الغرب أم محاولة إغراء موسكو بالإصغاء إلى ما تقوله في موضوع وساطتها وفتح الطريق أمام خطتها بتشكيل مجموعة الدول الضامنة التي قد تجمعها مع إسرائيل كدولة تتبنى مواقف مشابهة للمواقف التركية والإمارات باعتبارها رئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة؟

أخذت أنقرة ما كانت تريده منذ بداية الأزمة في أوكرانيا: تذكير الجميع بأهمية دورها والحاجة إليه في هذه المرحلة الصعبة. هناك أيضا انفتاح أميركي جديد على تركيا بعد إرسال بايدن نائبة ليندي شيرمان إلى العاصمة التركية قبل أسبوع ثم اتصال بايدن المطول مع نظيره التركي عشية قمة أنطاليا الثلاثية، إلى جانب استعداد أطلسي وبريطاني وألماني للتحرك العاجل نحو تركيا للاستماع إلى ما تقول وتريد.

ما أقلق العديد من الدول الغربية قبل أسبوعين كان تلويح بوتين بتحريك السلاح النووي ضدهم إذا ما حاولوا عرقلة الخطط الروسية في أوكرانيا

تدرك أنقرة أن مفتاح الحل الوحيد لإنهاء الأزمة هو الحوار الأميركي الروسي. واشنطن أشعلت الضوء الأخضر قبل أيام على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان "مستعدّون لمناقشة صفقة محتملة مع الكرملين بشأن أوكرانيا كما كنّا على مدار العقود الماضية في الحرب الباردة وما بعدها". لكنها تقول في الوقت نفسه إنها "مستعدة للخيارات الأخرى أيضا إذا ما اختارت موسكو السير في طريق مختلف". ما هو هذا الطريق؟ ما أقلق العديد من الدول الغربية قبل أسبوعين كان تلويح بوتين بتحريك السلاح النووي ضدهم إذا ما حاولوا عرقلة الخطط الروسية في أوكرانيا.

يبدو أن إدارة بايدن تريد تجاوز هذه العقبة ليس عبر تهديد موسكو بأن الرد سيكون مضاعفا فقط، بل هي تحاول طمأنة الحلفاء والشركاء بأن لا يتوقفوا طويلا عند تهديدات بوتين "النووية" وأنها جاهزة عند الضرورة لإرسال هذا النوع من الأسلحة إلى بلدانهم لحمايتها؟ فهل اقترحت الإدارة الأميركية على تركيا أن تستفيد من هذا العرض وتتم إعادة الصواريخ الاستراتيجية إلى قاعدة "إنجرليك" التركية بعد سحبها بسبب التوتر الأخير في العلاقات؟