icon
التغطية الحية

تركزت عملياتها ضد "تحرير الشام".. من يقف وراء "سرايا درع الثورة"؟

2023.08.01 | 07:00 دمشق

فصائل عسكرية في إدلب - أ ف ب
فصائل عسكرية في إدلب - أ ف ب
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

في منتصف شهر حزيران الماضي، أعلن عدد من المسلحين، عن تشكيل "سرايا درع الثورة" بهدف ما سموه "الدفاع عن الأعراض وتأمين المظاهرات السلمية ضد هيئة تحرير الشام، وإعادة إدلب إلى حضن الثورة السورية".

وأمهلت السرايا عند تشكيلها، هيئة تحرير الشام ثلاثة أيام، لإطلاق سراح جميع المعتقلين، وعلى رأسهم وجهاء المناطق وأعيانها، وإلا فإن "جميع مصالح الهيئة ستكون هدفاً مشروعاً للسرايا، بما في ذلك جميع المنتسبين لها".

ونفّذت السرايا فيما بعد عدة عمليات في إدلب، أسفرت عن مقتل مسؤول أمني في هيئة تحرير الشام، كما نشرت تسجيلات مصورة تظهر جزءاً من نشاطاتها في نصب الحواجز وتفتيش المارّة في إدلب بحثاً عن منتسبي الهيئة.

وذاع صيت السرايا بشكل كبير خلال الأيام الماضية، وكانت محط نقاش المدنيين، بعدما اندلعت اشتباكات متبادلة بين عناصر ضمن هيئة تحرير الشام عن طريق الخطأ على حاجز يقع شمالي إدلب، بعد اشتباه كلا الطرفين بتبعية الآخر لـ "السرايا"، ما أدى إلى مقتل ابن القائد العام السابق للهيئة "هاشم الشيخ"، برصاص أفراد الحاجز.

ولم يصدر عن "تحرير الشام" أي موقف رسمي من "السرايا" أو التبعية المحتملة لها، ما فتح الباب أمام التحليلات التي أشار جزء منها إلى احتمالية أن تكون الهيئة نفسها وراء التشكيل للتخلص من خصومها بطريقة جديدة، بينما رأى آخرون أن "السرايا" تشكيل حقيقي أسسه شباب ناقمون من تصرفات "تحرير الشام"، في حين وجه الإعلام البديل في الهيئة اتهامات لعدة أطراف محلية بدعم "السرايا".

سلسلة عمليات ضد "تحرير الشام"

وأعلنت "سرايا درع الثورة" عن تنفيذ عدة عمليات أمنية ضد أفراد ومقار هيئة تحرير الشام في إدلب وريفها منذ تشكيلها، ومن العمليات التي كشفت عنها:

الهجوم على مقر أمني لهيئة تحرير الشام في بلدة حزرة قرب مدينة الدانا شمالي إدلب.

 اغتيال المسؤول الأمني في هيئة تحرير الشام "إبراهيم محمد العلي" المعروف بلقب "أبو صهيب سرمدا" في قرية "بير الطيب" بمنطقة سهل الروج بريف إدلب.

قطع طريق (حلب - اللاذقية) وإيقاف المارّة بحثاً عن عناصر للهيئة.

 اتهامات متعددة بشأن التبعية

في ذات اليوم الذي تم الإعلان فيه عن تشكيل "سرايا درع الثورة"، نشر الإعلام البديل للهيئة فيديو الإعلان تحت عنوان "عصابات حزب التحرير"، في إشارة إلى حزب التحرير الذي ينشط منذ نحو ثلاثة أشهر في التظاهر ضد الهيئة في إدلب وريفها.

واتهم الإعلام البديل أيضاً "جيش الإسلام" العامل في الجيش الوطني السوري بالوقوف وراء "السرايا"، مدعياً أن فيديو الإعلان عن المجموعة المسلحة صُوّر داخل أحد مقار الجيش في بلدة سوسيان قرب مدينة الباب شرقي حلب.

أما بعض المناهضين للهيئة، فقد اعتبروا أن "السرايا" مجرد ستار للهيئة لتصفية خصومها أو الأشخاص المنتهية صلاحيتهم بالنسبة لها، وذراعاً خفية لتنفيذ عمليات الاغتيال، كي تُبعد الهيئة نفسها عن دائرة الاتهامات.

هناك طرف آخر وجِهت له التهم، حيث إنه وبعد اختطاف القياديين السابقين في الهيئة "عصام الخطيب" و"أبو شعيب المصري" من مدينة اعزاز قبل أيام عبر مجموعات موالية للهيئة، نقلت شبكة "شام" عن شخصية في "هيئة تحرير الشام"، أن "الخطيب" و"المصري" باتا في عهدة "الهيئة"، وأن مباحثات تجري ضمن أروقة الهيئة لتنفيذ حكم الإعدام بحقهما في أسرع وقت ممكن، بعد اتهامهما مع شخصيات أخرى بالمسؤولية عن "سرايا درع الثورة".

بينما تعتقد بعض الأطراف، أن "سرايا درع الثورة" تشكّلت بسبب السخط الشعبي من "تحرير الشام" وتضم عدداً من المقاتلين السابقين في الجيش الحر، والشباب الناقمين من تصرفات الهيئة.

أطراف تنفي

في معرض رده على اتهامات الإعلام البديل في الهيئة لجيش الإسلام، بالوقوف وراء "السرايا"، قال مدير المكتب الإعلامي في الجيش، حمزة بيرقدار، إن "جبهة النصرة تدعي في كل إخفاق تمرُّ به أو مشكلة تحصل في مناطقها، أن جيش الإسلام يقف خلفها وأنه يُجنَّد أذرعاً له للقيام بها لتجعلها مبرراً في تنفيذ مخطط خبيث هنا وهناك".

ونفى "بيرقدار" في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن يكون لجيش الإسلام أي علاقة له بمجموعات "درع الثورة"، مضيفاً: "لو أن للجيش علاقة بها لما أخفى ذلك عن أحد، فقد كنا وما زلنا نعمل بكل شفافية وصراحة وليس بطريقة الغدر أو أسلوب الخفاء كما هي سياسة جبهة النصرة في الخطف والاغتيالات والقتل لأبناء الثورة"، بحسب وصفه.

ويستدل بعض المراقبين بتبعية "السرايا" لجيش الإسلام، بنشر كل ما يصدر عن المجموعة المسلحة، بشكل حصري على قناة في تطبيق تلغرام، تسمى "مزمجر الثورة السورية"، والتي تتهمها الهيئة بالعمل لصالح الجيش، ورداً على ذلك قال بيرقدار: "ما يدَّعونه من تبعية منصة إعلامية تنشر ما تقوم به مجموعات "درع الثورة" لا يمُت لجيش الإسلام بصلة ولو كانت له لما أخفاها".

ووفق وصف بيرقدار، فإن "جبهة النصرة لا تزال تبث الذرائع والحُجج للتغطية على التجاوزات في مناطقها، لتلفت نظر المتابع إلى قضايا تشتت من خلالها انتباهه وتضعه في دوامة أحداث وأخبار لا أصل لها".

من جهته، قال السلفي "أبو يحيى الشامي"، المقرب من "عصام الخطيب" و"أبو شعيب المصري"، إن ما تروجه قيادة الهيئة وتدعيه عن علاقة "الخطيب" و"المصري" وغيرهما من خصوم الهيئة المقيمين شمالي حلب بـ"سرايا درع الثورة" كذب مفضوح، واختلاق عار عن الصحة".

فيما ذكرت علا الشريف، زوجة عصام الخطيب، أن الأخير ليس له صلة بـ "سرايا درع الثورة"، بل هو "يعتقد أنها من صناعة الجولاني وعصابته"، وفق وصفها.

غموض يكتنف "سرايا درع الثورة"

لم يصدر تعليق رسمي من "تحرير الشام" حول الهجمات التي تعرضت لها من قبل "السرايا"، كما أنها لم تضفِ الطابع الرسمي على التهم التي يوجهها الإعلام البديل لبقية الأطراف بهذا الخصوص، ذلك في حين لم تجب الهيئة أو جهاز الأمن التابع لها على تساؤلات طرحها موقع "تلفزيون سوريا"، حول ما إذا كانوا قد توصلوا إلى دلائل تشير إلى هوية "السرايا" أو تبعيتها.

ولا يمكن الجزم بتبعية "السرايا" من دون أدلة ملموسة، خاصة أن الهيئة لم تتمكن حتى الآن من اعتقال عناصر يعملون في المجموعة المسلحة.

ويشير المحلل الرئيسي في مركز البحوث والدراسات العملياتية (COAR)، عروة عجوب، إلى شح المعلومات فيما يتعلق بهوية السرايا، ويستدرك: "لكن بالنظر إلى طبيعة الوضع الأمني المضطرب في إدلب وسلطوية الهيئة التي خلقت لها الكثير من الأعداء، من الممكن أن تكون السرايا عبارة عن بعض الأشخاص الساخطين من سياستها".

واستبعد "عجوب" في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، مشاركة حزب التحرير في السرايا، لكونه لم يحارب النظام، إلا في معارك محدودة، كما أن مفهوم القتال غائب عن أدبياته.

من وجهة نظر "عجوب"، ستستفيد الهيئة من هذه العمليات لأنها "تعطي جهازها الأمني الذريعة للقضاء على بعض الخصوم الأقل مجاهرة بعدائها، وهذا لا يعني بالضرورة أن الهيئة هي وراء السرايا، ولكن كما يقولون في عالم السياسة: إياك أن تضيع أزمة جيدة".

وفي ظل وجود جهاز أمني قوي في إدلب وغياب الإرادة الدولية لتغيير الوضع الراهن في المنطقة، يعتقد المحلل، أن "مصير السرايا هو الاندثار".

قد تتمكن هذه المجموعات من خلق فوضى أمنية لبعض الوقت، وقد تتمكن من اغتيال قادة آخرين في الهيئة، لكن من الصعب لها الاستمرار في الوقت الحالي، خاصة أن للهيئة "خبرة أمنية وعسكرية عالية في تفكيك الجماعات الخارجة عن سيطرتها، كما فعلت مع جنود الله وجند الشام سابقاً"، وفق "عجوب".

ذراع لـ "تحرير الشام"

ويرى الباحث والكاتب السياسي باسل معراوي، أن للهيئة باعا طويلا بالعمل الأمني، ولذلك لا يتوقع أن يتمكن أحد من تشكيل مجموعة أمنية عسكرية سرية تعمل خلف خطوطها، وتستهدف مقارها وتغتال أمنييها.

ويقول "معراوي": "كما تحتاج الدول لشركات أمن خاصة أو ميليشيا لتنفيذ أعمال قذرة لا تقدر أجهزتها الرسمية على تنفيذها، فإن التنظيمات كهيئة تحرير الشام تحتاج إلى تلك الأذرع بأسماء أخرى لتصفية من انتهت صلاحيتهم بالعمل لديها أو الشك بولائهم لقيادتها أو للاستفادة من ذلك للتغطية على اختراقات أو إخفاقات تتعرض لها بحرف الأنظار عن ذلك".

وأضاف الكاتب "معراوي" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "وجود هكذا تنظيمات معادية (وهمية) يبيح للهيئة  تشديد القبضة الأمنية على السكان الذين ارتفعت وتيرة احتجاجاتهم مؤخراً".

واختيار اسم يرمز إلى الثورة والجيش الحر (سرايا درع الثورة) يكشف أهداف الهيئة الحقيقية وعدوها الذي تتربص به، لتثبيت قناعة عند عناصرها وحاضنتها أن الجيش الحر هو عدوهم الأول، حسب رأي الكاتب.

واستبعد "معراوي" أن يقف "حزب التحرير" خلف تشكيل تلك السرايا، كما أن الجيش الوطني بعيد عن تلك الاتهامات لأنه ليس بنية واحدة متماسكة، ولا يملك قيادة أمنية موحدة.

أما عضو فريق وحدة المعلومات في "مركز جسور للدراسات"، مجد كيلاني، فيقول إنه "نتيجة المقاربة الأمنية لهيئة تحرير الشام مع جميع المخالفين لها سواء الفصائل أو حتى مكونات المجتمع المدني التي لا تعمل تحت ظلها، نشأ وستنشأ بعض التيارات الفكرية المعادية للهيئة، التي تعيش غالباً تحت ضغط كبير نتيجة اكتشاف شبكة من العملاء داخل صفوفها".

ويضيف "كيلاني" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أنه "من الوارد جداً أن تنشأ سرايا درع الثورة وغيرها في ظل ظروف صعبة من الناحية الاقتصادية يعيشها المجتمع، ومن الطبيعي جداً أن تنشأ مثل هذه الحركات ضمن أي واقع استبدادي تعيشه أي منطقة ليس فيها أي هامش للحريات".