icon
التغطية الحية

تربية الحمام في ريف حلب مهنة أوجدتها الظروف.. هل تلقى قبولاً؟

2021.12.16 | 08:42 دمشق

img_9587.jpg
+A
حجم الخط
-A

شكلت تربية الحمام في مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، محط اهتمام كثيرين خلال السنوات القليلة الماضية، إذ عمل فيها مئات الرجال بعد أن تحولت من هواية إلى مصدر رزق، لأسباب متعددة، أبرزها قلة فرص العمل وانتشار البطالة والفقر على حد سواء.

وفي تحدٍ جديد من نوعهِ، أطلقَ مربو الحمام من مدينة مارع شمالي حلب، مطلع شهر كانون الثاني، سراح المئات من أزواج الحمام في وسط مدينة اعزاز، ليرد مربو الحمام من أبناء المدينة على أقرانهم من أبناء مدينة مارع عبر إطلاق سراح مئات الطيور في السماء وسط مدينة مارع، في مهرجان حضره المئات وتضمن إطلاق ألعاب نارية، في سابقة هي الأولى من نوعها في المنطقة.

وعن الهدف من المهرجان، قال أحد مربي الحمام من مدينة اعزاز، يدعى محمد الصابر، خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "المهرجان أقيم كتحدٍ بين أبناء المنطقتين، مارع واعزاز، وأطلق مربو الحمام من مارع الطيور بأعداد متفاوتة في سماء اعزاز"، مشيراً إلى أنها محاولة لمعرفة قدرة الطيور على العودة إلى منازلها.

وقرر الصابر مع أصدقائه الذين يعملون في تربية الحمام بالرد على مربي الحمام من أبناء مدينة مارع، عبر إطلاق أكثر من ألف طائر في سماء مدينة مارع، الأمر الذي لاقى حضوراً لافتاً من الأهالي، وكل طائر حمام وضع ختم عليه لمعرفة الطيور العائدة إلى منزلها وفقاً لمدةٍ محددة تم الاتفاق عليها فيما بينهم.

photo_2021-12-15_23-44-46.jpg

من هواية إلى مصدر لكسب الرزق

تحولت تربية الحمام من هواية لدى الرجال الذين تعلّقوا بها، إلى مهنة يقصدونها طلباً لكسب الرزق، وتحسين الأحوال المعيشية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي خلال العقد الماضي، وما رافقه من تحديات صعبة.

أحمد أبو عزو، هو أحد مربي الحمام في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، يعمل الرجلُ، ولا يزال، في تربية الحمام منذ سنوات، إذ أصبحت الجلسات أمام "حبيسة" (أقفاص) الحمام على سطح منزله بشكل يومي مهمة للغاية، عدا أنها أصبحت مصدر رزق أساسي يؤمن من خلاله قوت عائلته.

وأضاف أن اعتماده على تربية الحمام يعود عليه بدخل رديف لعمله في متجر لبيع المواد الغذائية في الحي الذي يقطنه داخل المدينة، مشيراً إلى أن اهتمامه بالحمام بدأ بسن السادسة عشر، وانتقل بعدها إلى التجارة بها.

يقول "أبو عزو" لموقع "تلفزيون سوريا": "الأوضاع المعيشية سيئة، مع غياب مصادر الدخل، وفي حال توافرها لم تعد تعطي أرباحاً جيدة تعين على تدبر شؤون الحياة اليومية واحتياجاتها، لذلك بدأت أعتمد على تربية الحمام لتشكل مصدر دخل رديف لعملي الأول".

يضاف إلى ذلك ندرة فرص العمل وانخفاض الأجور سواء الشهرية أو اليومية، ما دفع العديد من الرجال للجوء إلى طرق أبواب الرزق من مهن مختلفة تماماً عن المهن الرائجة في ريف حلب الشمالي والشرقي.

تجارة وأصناف متنوعة

نشطت تجارة الحمام في ريفي حلب الشمالي والشرقي، تزامناً مع ازدياد أعداد المربين، حيث يتم نقل الحمام عبر الخطوط الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة النظام، وأيضاً بين مناطق سيطرة المعارضة و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بالإضافة إلى التجارة المتنقلة بين إدلب وريف حلب، وتركيا، إلى جانب الأسواق المحلية، بحسب ما أكد مصطفى عبد الحي خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا".

هذا ويرى العديد من مربي الحمام أن المصائب طالت ثروة الطيور بسبب الحرب، وما رافقها من تهجير وتهريب أشهر الأصناف إلى دول الجوار، إذ كانت قبلها سوريا تضم كماً وفيراً ونوعيَّة ممتازة، منها الحمام "الزاجل" و"المشمشي" و"الأبرش" وغيرها.

وعن الأصناف المتوافرة من الحمام، قال عبد الحي: "من أبرزهم البلق، والمفتلات، والمشامشة، والبواهمليات، والماورديات، والمسودات، والزواجل، تتراوح أسعارهم بين الـ 100 و1200 دولار أميركي، في حين توجد أصناف أخرى تباع بالليرة التركية، كالبواظ، والكراكطة، والأرافلة، والكشامرة، تتراوح أسعارهم بين الـ 100 و1000 ليرة تركية".

قوانين وأحكام متعارف عليها

يقضي معظم مربو الحمام وقتهم على سطح المنزل، أمام الـ "حبيس"، وهو القفص المكون من الشباك الناعمة التي يحبس فيها الحمام، ويتميز مربو الحمام في التزامهم بقوانين وضوابط معينة، وفق أحكام توضع من قبلهم ومتعارف عليها لدى الجميع.

تنظم تلك الأحكام القواعد والأعراف ولا يسمح بخرقها أو التعدي عليها، وإلا سيكون مصير الطير مهدداً بالموت في حال توصل الطرفان إلى طريق مسدودة، بحسب ما أوضح عبد الحي.

ويُعرف عن تربية الحمام أنها مهنة لا يمكن لأي كان أن يزاولها، إذ إنها تنمو مع الشخص الذي تعلق بها كهواية في البداية ولاحقاً بدأ يعمل فيها، فكثيراً ما تجد بين مربي الحمام أشخاص أخذوها وراثةً من أبائهم أو أجدادهم.

وذكر عبد الحي أحد القوانين التي يلتزم الجميع فيها قائلاً: "إذا دخل طير حمام إلى سرب أحد الأشخاص وأمسك به من قبله وعرف صاحب الطير أنه سقط عند صديقه، وفشل في التفاوض في إرجاعه، يمكن أن يدفع الفكاك، وهو تحرير طير الحمام مقابل مبلغ من المال يتفق عليه".

لكن في بعض الأحيان يصل الطرفان إلى طريق مسدودة يشرع بذبح الطير بحسب الأحكام المتعارف عليها أمام صاحبه الأساسي ليشعره بالحسرة على الطير، وغالباً ما تعقب هذا الأسلوب كثير من المشكلات، قد تصل في بعض الأحيان إلى إطلاق النار على طيور الشخص الذي قام بذبح الطير كرد اعتبار، بحسب ما شرح عبد الحي.

وصمة "الحميماتي"

تطلق صفة "الحميماتي" على الشخص الذي يعشق الحمام، ولا يمكنه فراقه على الإطلاق، وهذا ما أظهره ترحال السوريين، حيث قام العديد منهم بنقل الطيور الخاصة به من المناطق التي سيطرت عليها قوات نظام الأسد، إذ لا يمكنهم العيش من دونهم، بينما يرى آخرون أن الحمام هو مصدر رزقهم ولا يمكن أن يعملوا في أي مهنة أخرى دونها.

شكل مصطلح "حميماتي"، وصمة على مختلف العاملين في هذه المهنة، حتى إن بعض الأسر ترفض تزويج بناتهم لأشخاص يعملون في تربية الحمام، على الرغم من أن بعضهم لا يتصفون بالصفات التي طبعت بأذهان الناس وأصبحت صورة اجتماعية سلبية عنهم من بينها: "الصفير، الحلفان بالطلاق، والحلف الكاذب، وإزعاج الجوار، والتعدي على أملاك أقرانهم".

وحول تلك الاعتبارات، يقول أحمد أبو عزو لموقع تلفزيون سوريا: "معظم هذه الصفات باتت غائبة في المرحلة الحالية لأن الناس منشغلة في أمور بيتها المعيشية، وطالما كانت الظروف الخاصة بتربية الحمام منضبطة دون وجود تصرفات سلبية فإنها ستبقى ضمن قوانين مجتمعية لا يمكن أن تسبب الازعاج للآخرين".

ويعتبر كثير من الأهالي في ريف حلب الشمالي أن مهنة تربية الحمام مثلها مثل تربية العصافير والأغنام وغيرها من الحيوانات التي تربى من أجل التجارة، بهدف كسب الزرق.