تداعيات الانتخابات المحلية على السوريين والداخل التركي

2024.04.03 | 05:00 دمشق

6511111111111111
+A
حجم الخط
-A

لا شك في أن نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في تركيا كانت صادمة للجميع سواء للذين فازوا أو الذين خسروا، فأكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن يغزو اللون الأحمر ولاياتٍ في الوسط والشمال التركي وأن يتراجع اللون البرتقالي ويخسر أكثر من نصف الولايات التي كانت تحت سيطرته، خاصة أن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة أعطت انطباعاً أن حزب العدالة والتنمية عادت له النتائج السابقة من الاستحقاقات الانتخابية التي تحمل طابع الأغلبية.

مفاجأة مدوية

حزب الشعب الجمهوري المتفاجئ بتلك النتائج سيعتبر أن نصره جاء من الحملات التي أطلقها مسبقاً (عند الانتخابات الرئاسية) والتي أكملها في الانتخابات المحلية والتي ترتكز على عدة أمور أهمها ترحيل اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين خارج البلاد لأنهم السبب الرئيسي الثاني بعد حكومة العدالة والتنمية في التراجع الاقتصادي، وهذا سيجعله يعتمد هذين البندين في قادم الأيام في تصريحاته السياسية بعد أن خفتت كثيراً بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي هزم فيها. 

ولعله سيطبق ذلك في البلديات التي فاز بها والتي سيتولى إداراتها لأنه سيعتبرها بمنزلة مفتاح نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة وهذا سيجعل رؤساء البلديات التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري تمشي على خطى تانجو أوزجان (رئيس بلدية ولاية بولو) المتفاخر بتقليص وطرد عائلات سورية من المدينة ويمكن لهذا الأمر أن يسري على عدة مدن وبلديات تضيق على السوريين المقيمين فيها وبذلك يكون حزب الشعب الجمهوري ضرب عصفورين بحجر واحد أولهما زيادة شعبيته وذلك عبر طرد أو إنقاص عدد السوريين وبهذا يكسب صوت القوميين والمترددين وغيرهم وثانيهما خلق بلبلة في الداخل التركي تنقلب نتائجها السلبية على حزب العدالة والتنمية الذي سمح للسوريين والعرب بالوجود داخل الأراضي التركية.

طبعاً هنا لا يمكن اعتبار أن التضييق على السوريين هو وليد هذه اللحظة ولا يمكن أيضاً اعتباره أمراً داخلياً فقط بل هناك عوامل خارجية تؤثر في هذا الأمر. فمنذ تحالف الحركة القومية مع الحزب الحاكم بدأت إرهاصات التضييق والتشديد على السوريين. أضف إلى ذلك العامل الاقتصادي المتراجع، هذه الأمور مجتمعة جعلت الكثير من السوريين يتجهون خارج تركيا نحو أوروبا التي بدأت تستشعر عودة خطر الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها. وشكلت الحملات الأمنية حالة من هروب بعض رؤوس الأموال السوريين الذين نقلوا أعمالهم وأموالهم إلى خارج تركيا الأمر الذي انعكس سلباً على اليد العاملة السورية المقيمة في تركيا. 

المشكلة الأخطر هو أن يؤمن التحالف الحاكم بقيادة العدالة والتنمية بأن أحد أسباب الهزيمة القاسية التي مني بها في الانتخابات المحلية هو الوجود السوري في تركيا، فيصبح السوريون بين المطرقة والسندان وخاصة أن أوضاع المنطقة لا تُبشر بالاستقرار السياسي ولا الاقتصادي (وقس على ذلك الوضع في الداخل السوري المتردي) الأمر الذي سيجعل السوريين كبش فداء في كل تصريح سياسي لأي مشكلة قد تتعرض لها تركيا بل إن المعارضة ستعيد إحياء الملف السوري في قادم محافلها السياسية.

شكلت الحملات الأمنية حالة من هروب بعض رؤوس الأموال السوريين الذين نقلوا أعمالهم وأموالهم إلى خارج تركيا الأمر الذي انعكس سلباً على اليد العاملة السورية المقيمة في تركيا. 

المحاسبة الداخلية

أما على الصعيد الداخلي التركي فإن كل حزب سوف يعيد حساباته السياسية بعد هذه النتائج استعداداً للانتخابات الرئاسية القادمة فحزب الشعب الجمهوري سوف يرى بأنه قادر على الفوز بها إن أحسن في إنشاء تحالف قوي من أحزاب معارضة وأحسن في اختيار المرشح المناسب ولا أظن أن هناك مرشحاً أنسب من أكرم إمام أغلو الذي فاز بولاية إسطنبول مرة ثانية وهذا مؤشر مهم للغاية سيحسب له التحالف الحاكم حساباته المهمة. 

أما الأحزاب الصغيرة التي أثبتت نفسها في هذه الأنتخابات فإن صوتها سوف يكون مسموعاً وبقوة في الانتخابات القادمة بل إنها ستكون قادرة على فرض شروطها على الأحزاب الكبيرة التي سوف تتحالف معها وهذا الأمر سينطبق على حزبي الرفاه الإسلامي والذي فاز بولايتين وحزب الوحدة الكبرى ذي التوجه القومي والذي فاز بولاية واحدة إضافة لأنصارهم في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.

حزب العدالة والتنمية الذي تلقى رسالة قاسية في هذه الانتخابات فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة عليه.

أما حزب العدالة والتنمية الذي تلقى رسالة قاسية في هذه الانتخابات فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة عليه لأنه سيكون بين أمرين أحلاهما مر، فإما أن يغير من سياسته وينحو نحو سياسة المعارضة والأخذ بجزء منها، وهذا يعني خسارة لبعض أصوات المحافظين الداعمة له علاوة على الأصوات التي خسرها أو أن يضيف أحزاباً أخرى للتحالف الذي أنشأه، وهذا يعني تنازلاً سياسياً لتلك الأحزاب، كل هذه الأمور مرهونة لما هو قادم من ظروف سياسية واقتصادية قد تزيد الوضع سوءاً أو تجعله يسير نحو الأفضل.