تحالف "البرلمان المعزز" للمعارضة التركية.. فرص الفوز واحتمالات الخسارة

2022.03.11 | 05:04 دمشق

2202214132944624.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد عدة أشهر من التحضيرات واللقاءات فيما بينها، اجتمعت ستة أحزاب "فاعلة" من المعارضة التركية في 28 من شباط الماضي، وأعلنت عمّا سمته "النظام البرلماني المعزز"، بينما وقع زعماء هذه الأحزاب الستة على مسودة اتفاق هذا النظام وضمت 42 صفحة شرحت الأسس والمبادئ التي يعتمد عليها برنامجهم.

من المعلوم أن هذه الأحزاب الستة هي؛ حزب الشعب الجمهوري، حزب الجيد، الحزب الديمقراطي، حزب السعادة، حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم. وبالطبع هي أحزاب متفاوتة فيما بينها من حيث نسبة الأصوات والتأثير والقاعدة الناخبة، ولذا فإن القاسم المشترك الأهم فيما بينها يتمحور في جزئين؛ الأول: الإطاحة بأردوغان. الثاني: إنهاء النظام الرئاسي على حساب العودة إلى النظام البرلماني "المعزز".

قبل الدخول في تفاصيل مهمة سنتعرض لها خلال المقال ونقرأ فرص فوز أو خسارة وحتى تحديات هذا التحالف، علينا الوقوف قليلًا عند كلمة "معزّز"، فما سر إضافة هذه الكلمة/المصطلح؟

التاريخ السياسي التركي القريب يحمل في الحقيقة إجابة مقعنة لهذا السؤال، فالنظام البرلماني في ظل أحزاب ضعيفة متصارعة فيما بينها ساهم في تأخير تركيا سنوات عديدة عن التقدم في شتى المجالات التي يراها كثيرون رائدة فيها اليوم، كما أضعف عمل الحكومة وبالتالي تفاقم الأزمات وتراكمها وانشغال البلاد بمسائل إيديولوجية بحتة بعيدة عن توريد مشاريع يمكن أن تحقق للبلاد نهضة أو قفزة للأمام.

فكرة النظام البرلماني يمثل ذكرى قاتمة في الوعي الجمعي لدى الجيل القديم أو جيل الكبار من الأتراك، وهذا ما يجعل كثيرا منهم حانقًا اليوم على جيل الشباب " Z" كما نرى في فيديوهات عديدة عبر مواقع التواصل تعرض حوارات تجري في الشارع بين الجيلين.

من هنا في الحقيقة جاءت كلمة "معزّز" على الأرجح، فالمعارضة تسعى لإيصال رسالة بأن هذا النظام مختلف عن سابقه، بل هو نسخة مطوّرة ومعزّزة ومدعّمة. لكن هل يعتبر هذا الجواب مقنعًا؟

نظرًا لمعظم المواد التي تضمنتها اتفاقية النظام البرلماني المعزز، لا يوجد توضيح مباشر حول طبيعة أدوار هذه الأحزاب وزعمائها عقب الفوز بالسلطة، من الجيد الاتفاق على نظام يضمن تحسين أوضاع البلاد وإخراجها من أزماتها التي للحكومة الحالية دور فيها بلا شك، لكن الأهم من ذلك هو أن يكون هذا النظام واضحًا بعيدًا عن غرار ما طرحته الحكومات الائتلافية السابقة قبل مجيء العدالة والتنمية "الحاكم" للسلطة.

نقطة أخرى مهمة أيضًا، هي توقيت هذا الاجتماع والتوقيع على الاتفاقية بين هذه الأحزاب الستة. توقيت لم يحالفه الحظ في الواقع. لسببين؛ إحداهما هو أن الإعلان تزامن مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا وانشغال الداخل والخارج بالتطورات الحاصلة، مما أفقد الحدث أهميته إلى حد كبير.

السبب الثاني هو يوم "28 شباط" بحد ذاته، فهذا اليوم يحمل تاريخًا مظلمًا في السياسة التركية، ويصادف ذكرى انقلاب 28 شباط عام 1997 ما يعرف بانقلاب ما بعد الحداثة، ففيه أسقطت حكومة أربكان وأغلق حزب الرفاه ولوحقت المحجبات وأغلقت المدارس الدينية "إمام-خطيب" والعديد من الممارسات التي آلمت شرائح واسعة من الشعب التركي، فلذا يعتبر اختيار هذا اليوم للتوقيع على فكرة نظام جديد أمر غير صائب وبعيد عن التفكير الاستراتيجي.

فرص الفوز

الحديث عن إمكانية فوز هذا التحالف لا يرتبط في الحقيقة بهذه الأحزاب ذاتها أو بقوتها أكثر ما يرتبط بالظروف الحالية التي تمر بها البلاد والأزمات الاقتصادية المتفاقمة خاصة التضخم

الحديث عن إمكانية فوز هذا التحالف لا يرتبط في الحقيقة بهذه الأحزاب ذاتها أو بقوتها أكثر ما يرتبط بالظروف الحالية التي تمر بها البلاد والأزمات الاقتصادية المتفاقمة خاصة التضخم، إلى جانب تراجع أداء الحزب الحاكم منذ انتخابات البلديات في آذار/مارس 2019.

بعبارة أخرى، لا تمتلك المعارضة التركية قوة ذاتية أو جسمًا موحدًا يمكن الاعتماد عليه بشكل مباشر لتحقيق تقدم على الحكومة الحالية، بل إن تذمّر كثير من الشرائح الناخبة من الوضع المعيشي وما شابه هو الذي أكسب المعارضة بعض النقاط.

فالحكومة المتمثلة بالعدالة والتنمية فقدت العديد من نقاطها وداعميها سواء بسبب سياسات خاطئة قامت بها أو الأزمات التي تفوق قدرتها مثل جائحة كورونا والإغلاق والركود الاقتصادي العالمي والآن الحرب في أوكرانيا.

لكن على صعيد آخر، هناك عوامل أخرى أيضًا تعتبر فرصًا إيجابية بالنسبة للمعارضة، مثل وجود شريحة واسعة من المترددين وتقدرها بعض استطلاعات الرأي الحديثة بـ8% من مجمل الأصوات، حسب استطلاع لشركة "Metropoll” التركية للأبحاث.

أيضًا لا ننسى وجود كتلة مهمة من "الناخبين الجدد" أو ما يعرف بجيل Z وهم الذين سيصوّتون في صناديق الاقتراع للمرة الأولى، وتقدر أعدادهم بين 7.5 و8 مليون، ما يعني نحو 14% من مجمل الأصوات، وهو رقم مهم للغاية ومن الممكن أن يؤثر بشدة على نتائج الانتخابات، لا سيما وأن العديد من المحلليين والمراقبين الأتراك يقدّرون أن هذه الشريحة الشبابية الجديدة تدعم المعارضة في الغالب، أو تميل لها أكثر من الحزب الحاكم.

احتمالات الخسارة

على الرغم مما ذكرناه من "فرص"، فإن الصورة في الظاهر قد تضلل البعض لا سيما مع وجود 6 أحزاب معارضة تصطف في خندق واحد، لكن يغيب مع هذا المشهد أنها أحزاب مختلفة فيما بينها بشكل كبير في الأصل.

هذا الاختلاف يتمحور في العديد من النقاط سواء المصالح أو الإيديولوجيات أو نسب الناخبين ومستوى التأثير والقوة، ولا شك أن ذلك لا بد أن يكون له تأثير وهو ما نراه الآن بالفعل من عدم الاتفاق على مرشح واحد وتأجيل الإعلان عن ذلك كل مرة، وحالة المناوئات والأخذ والرد بين أكبر حزبين في هذا التحالف هما الشعب الجمهوري والجيد.

إذن نتحدث عن تحالف غير منسجم بما يكفي لتشكيل حكومة أو تمثيلها، وبالتالي هذا الأمر يولد هواجس لدى شرائح متعددة من الناخبين كبارًا أو صغارًا، لا سيما وأننا نتحدث عن بيئة ناضجة ديمقراطيًا إلى حد جيد وبالتالي فإن قرارها في الانتخابات طالما كان ذا مغزى، وهو ما رأيناه في انتخابات 2015 البرلمانية، و2019 المحلية.

إلى جانب ذلك، فإن العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان لم يخرج كل ما في جعبته بعد، نعم على الرغم من وجود العديد من الأزمات لكن لا تزال قاعدة الرئيس التركي قوية وصلبة، وإن أي منافس ضده يجب أن يحسب لذلك ألف حساب، فأردوغان ليس شخصًا عاديًا أو سهلًا في ضوء المعارك الانتخابية المتعددة التي فازها بقوة منذ 2002 حتى الآن، ولذلك فعلى المعارضة أن تنتظر ما يمكن تسميته "مفاجآت" من أردوغان يمكن أن تغير الحسابات وتقلب الموازين.

وهنا يجب التفريق بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بمعنى آخر، ربما تتمكن المعارضة من التغلب على العدالة والتنمية "الحاكم" وحليفه "الحركة القومية" مجتمعَين، لكن مرشحها الرئاسي أمام أردوغان ليس من المؤكد أن يحقق ذلك بسهولة، حتى ولو لم يتمكن أردوغان من الفوز من الجولة الأولى.

أخيرًا، نحن أمام وضع لم يتضح أو ينضج حتى الآن، علينا الانتظار حتى يعلن تحالف البرلمان المعزّز "المعارض" عن مرشحه الرئاسي وخطته التي توضح دور كل حزب بعد الفوز، فهذان الأمران سيحسمان الجدل حول هذا التحالف الوليد إلى حد كبير.