icon
التغطية الحية

تجربة "طالبان" تلهم هيئة تحرير الشام وجدل في الأوساط الجهادية السورية

2021.08.25 | 06:03 دمشق

thryr_alsham_-_twzy_alhlwyat_frhaan_btalban.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تعيش "هيئة تحرير الشام" حلم الوصول إلى العاصمة السورية دمشق على طريقة حركة طالبان أفغانستان، ويتحدث عدد من قادتها ومنظروها عن جوانب التشابه والاختلاف بين تحرير الشام والحركة، ودعوا إلى الاستفادة من تجربة الحركة الطويلة وحشد الطاقات من أجل الوصول إلى ما وصلت إليه من نجاح مفترض بتكلفة أقل من ناحيتي الجهد والوقت.

إسقاط الحالة الأفغانية على سوريا وتشبه تحرير الشام بحركة طالبان والذي ظهر جلياً في بيان التهنئة وفي تصريح مكتب العلاقات الإعلامية في الهيئة وتصريحات أخرى لقادتها، استفز كثيرا من المعارضين السوريين، وأثار سخرية في الأوساط الجهادية المناهضة لتحرير الشام، وفصل كثير من المنتقدين في نقاط الاختلاف بين الحالتين الأفغانية والسورية، وفي استحالة استنساخ نموذج طالبان في سوريا، وبالأخص على يد تحرير الشام.

الاحتفاء بطالبان

بالغت تحرير الشام في الاحتفاء بانتصارات طالبان المفترضة، ولم تكتف ببيانات التهنئة الرسمية والتبريكات المتتالية الظهور لقادة ومنظرين فيها، بل راح عناصرها يجوبون شوارع إدلب في أرتال احتفالية يهللون لطالبان رافعين راياتها ورايات تحرير الشام، وراح عناصر آخرون يوزعون الحلويات على المارة وسط المدينة وعلى الحواجز المنتشرة على الطرق في محيط المدينة وريفها.

تحرير الشام توزع الحلويات في ادلب.jpg

وعممت مديرية أوقاف إدلب على خطباء الجمعة أن يتحدثوا عن إنجازات طالبان في أفغانستان، وجاء في التعميم "يطلب من كل الخطباء تناول الحديث في خطبة الجمعة بشكل كامل عن انتصارات المجاهدين في أفغانستان، واستغلال هذا الحدث التاريخي العظيم في تقوية الإيمان بالله، ويطلب من كل مديرية رفع جدول بأسماء الخطباء الذين لم يتكلموا عن انتصار أفغانستان".

وبالفعل التزم العدد الأكبر من خطباء الجمعة بتعميم مديرية الأوقاف، وأسهب بعض الخطباء في الحديث عن ضرورة دعم مشروع تحرير الشام، واحترام أمرائها وقادتها، باعتبارها النموذج الطالباني لسوريا، وأكد بعضهم على ضرورة انضمام العلماء والشخصيات الفاعلية إلى المشروع المفترض ودعمه.

 

مسيرة لتحرير الشام في ادلب فرحاً بانجازات طالبان.jpg

 

وانتقدت تحرير الشام بشكل غير رسمي موقف الجهادي السعودي الشيخ عبد الله المحيسني وبقائه مستقلاً عنها، بعد أن امتدح طالبان في منشور طويل في تلغرام، وأخذوا عليه قوله "ألم يدعُ علماء الإسلام كالإمام أحمد للجهاد مع الخليفة المأمون المعتزلي لما وقعت فتنة المجرم بابك الخَرَّمي سنة 201 هجرية"، وأشار بعض قادة تحرير الشام إلى المحيسني بأنه "يتغنى بطالبان وهو لم ينتمِ في حياته إلى جماعة ولو كان في مناطق طالبان لربما كان مُشاغباً عليهم كحاله اليوم في إدلب، فالطبع لا يتغير في أي ساحة كان ومن طبعُه المزاودة وحب الظهور وسوف يزاود ولو حكمته الخلافة الراشدة، المستقل الحقيقي هو صاحب المبدأ والمستقل بإرادته ولو كان منتميا إلى جماعة ومحسوبا عليها وعاملا فيها".

وقال آخر " كبُرَ مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون دغدغة مشاعر لجماعة بعُدت عنا جبالاً وبحاراً، أما الجماعات التي تعيش في كنفها وتحت سلطانها لا تعجبكم ولا ترون وجوب العمل تحت رايتها وربما نصرتها".

طالبان تلهم تحرير الشام

لا يخفي قادة تحرير الشام إعجابهم بالأداء السياسي والإداري المختلف لحركة طالبان بعد وصولها إلى العاصمة كابل وهيمنتها في أفغانستان، ويرون بأن الأداء المستجد للحركة يتطابق إلى حد كبير مع توجهات تحرير الشام وخطابها المتطور ونهجها البراغماتي الذي اتبعته خلال الأعوام القليلة الماضية في إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، والذي أسهم كما يروجون في خروجها من دائرة التنظيمات الجهادية التي وصفها منظرو تحرير الشام بالغبية.

الجهادي التونسي في تحرير الشام والمعروف بلقب "الإدريسي"، قال في تلغرام "يريدوننا أن نبقى في الجبال وبين الوديان نختبئ من الطائرات من دون طيار ونتحاشى مخالطة الناس، فإذا خرجنا من ذلك الحال بعزَّة جهادنا وقوة سلاحنا إلى المكاتب وأروقة الحكم قالوا أنتم عملاء، بل أنتم الأذلة الأغبياء".

يضيف: "الحالة التي وصلت لها طالبان يجب أن تكون طموح كل حركة إسلامية، فطالبان مدرسة جمعت بين صناعة القادة وتربية الأجيال والارتباط الوثيق بالإيمان وذات مبادئ راسخة وهي مع هذا استطاعت أن ترتقي من فصيل بدأ ببضعة أفراد لأن تكون تيارا شعبيا يمثل إرادة وطنية وممثلا لقضية تبنتها الأمة بأسرها".

تابع "الجميع يسعى إلى أن يكون له تموضع في خريطة العالم الجديدة، نرى أن التنظيمات الجهادية تقبعُ في الهامش وليس لها دور حقيقي يُذكر أو استفادة من هذه المعطيات التي نادراً ما يمر بها العالم، في حين استطاعت طالبان في أفغانستان وهيئة تحرير الشام في سوريا أن يفرضوا أنفسهم ككيانات واقعية موجودة استفادت من التدافع والانشطارات الأممية ليمثلوا أهل السنة في كل من رقعتيها حق التمثيل، بالحكم العادل ووسطية الشريعة وإحياء فريضة الجهاد".

السلفي المناهض لتحرير الشام ماجد الراشد سخر من أحلام منظريها وقادتها، وشبهها بالجماعات الأفغانية التي عملت مع الولايات المتحدة الأميركية، وقال في تلغرام: "أبو محمد الجولاني وعصابته يشبهون أنفسهم بطالبان، هناك فرق بين من يقدم قرابين الطاعة والخضوع والذل والتبعية لأميركا وبين من يقاتلها 20 عاماً، وهناك فرق بين من رفضوا تسليم مجاهد واحد وبين من فرط بهم لأجل رفع التصنيف ويسعى ليلاً ونهاراً في اعتقال المطلوبين وليس ببعيد تسليمهم لاحقاً، وهناك فرق بين من له حاضنة شعبية بقيادة العلماء وبين من هو عدو للحاضنة وتخلى عنه الجميع إلا المرتزقة والمرقعة".

وأضاف: "الحالة المعيشة لطالبان والناس سواء، بينما يتمتع جنود الجولاني ومرتزقته بالمال والقصور والتجارات بقدر خستهم ونذالتهم وولائهم له، ولم تصل طالبان إلى عشر ما تمارسه عصابة الجولاني من ملاحقة الناس وكثرة المعتقلين وتعذيبهم حتى الموت، ومكوس واحتكار لحاجيات الناس ورفع أسعارها، وانتصرت طالبان على العدو منفردة، بينما ما حدث من انتصارات في سوريا فهي مشتركة كجيش الفتح وغيره، ولا توجد منطقة واحدة تفردوا بتحريرها، وطالبان يقودها عالم بل ومحدث، والهيئة يقودها مجرم يعبد هواه، ويتنقل بين داعش والقاعدة والثورة بحسب ما يحقق السيطرة له، وبرقبته مئات من الدماء وفي معتقلاته آلاف من الثوار، قارنوا أنفسكم بمن هو مثلكم في الإجرام كالدواعش وبشار الأسد".

استنساخ النموذج الطالباني

الاستنساخ المفترض لنموذج طالبان من جانب تحرير الشام يعزز لديها طموح الهيمنة، ويدعم نظريتها في إخضاع عموم مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا لنفوذها، فسياسة التغلب المفترضة، والتفرد في القرار العسكري والسياسي وفق الأدبيات المستجدة لمنظريها هي من أهم مزايا نموذج طالبان، ولا بد من تطبيقها في حال أريد استنساخ التجربة في الساحة السورية، والوصول إلى ما وصلت إليه طالبان من أهداف.

سخر المنشق السابق عن تحرير الشام علي العرجاني من حلم تحرير الشام في استنساخ تجربة طالبان في سوريا، بقوله "بما أن الجولاني قائد تاريخي وتهمه الثورة ومصالح الناس ووحدتهم وقد تأثر بما حصل في أفغانستان، فهو سيعلن عن مصالحة وطنية مع الجيش الوطني ويتفقوا على تسليم قرار المناطق المحررة إلى مجلس علماء سوريا وثم من خلالهم يتم جمع المنطقة المحررة على قيادة واحدة وحكومة واحدة وتنتهي حالة الضياع والفساد والضعف والسرقات وفقدان الأمن".

ويرى الباحث في الجماعات الإسلامية جمعة محمد لهيب أن الفوارق بين طالبان وتحرير الشام كبيرة جداً:

  • أولاً: طالبان كانت وحيدة في الصراع مع الولايات المتحدة وكانت هي قبل عشرين سنة من تحكم البلد، أما تحرير الشام فهي عبارة عن تطور للحالة القاعدية بالعالم كله وليس في سوريا وحدها مما يجعلها حالة فريدة
  • ثانياً: الحامل العقدي للطرفين متناقض، فطالبان صوفية ماتريدية وتحرير الشام سلفية حنبلية، ومن يعرف تأثير الحامل العقدي يعرف أهميته بالتواصل بين الجماعات.
  • ثالثاً: الحامل الحركي عند طالبان وطني بامتياز فهي حتى في زمن حكم الملا عمر رفضت تصرفات القاعدة الخارجية وبعد أحداث أيلول طلب من بن لادن شرط حمايته ألا يتم تهديد أي دولة خارج أفغانستان بل عندما طلبت الولايات المتحدة بن لادن وافق الملا عمر بشرط تسليمه إلى محكمة إسلامية أو لدولة مسلمة لأن تسلميه لأميركا يتعارض مع أدبيات طالبان، أما لدى تحرير الشام فما يزال فك الاشتباك المعرفي غامضاً بين فكرة الجهاد العالمي وفكرة الجهاد الوطني، ربما ذلك بسبب فقدانها لمنظرين بعد تخلي العريدي الأردني وبعد تجاوزهم لمرجعية السلفية الجهادية من خلال الظواهري وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني.

وأوضح لهيب أنه "يمكن القول بأن هذه الفوارق تجعل من إسقاط الحالة الأفغانية على سوريا غير ممكن بل مستحيلا، وبرغم ذلك قد نشهد سعي زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني إلى التغلب على بقية الفصائل وفرض جماعته على مناطق المعارضة، لأنه بوجود الفصائل والجيش الوطني والائتلاف والحكومة المؤقتة تصبح فرضية استنساخ تجربة طالبان صعبة للغاية، هذا ما تظنه تحرير الشام على الأقل".

وقال المحاضر في جامعة الزهراء الدكتور إبراهيم سلقيني أن "لكل حالة خصوصيتها، وفي زماننا يختلط الدين بالسياسة بالعمل الاستخباري، ولهذا لا يمكن إسقاط حالة على حالة أخرى، أضف إلى ذلك أن كوادر طالبان كلهم من طلبة العلم المتماسكين، بينما بعض التنظيمات السورية تحوي بعض طلبة العلم فقط، وطلبة العلم في التنظيمات السورية تحت سلطة الأمير، أي تحت السلطة السياسية وليست فوقها كما هو الحال في طالبان".

وأضاف سلقيني خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن "طالبان كيان مستقل له تمثيل دبلوماسي في قطر منذ سنوات، بخلاف التنظيمات السورية التي لا ترقى إلى مستوى الفصائل في أحسن أحوالها حتى الآن، لذلك فالمقاربة بين الحالتين أو المشروعين تبدو بعيدة جداً عن الواقع".

وراح طيف من المعارضة السورية إلى أبعد من المقارنة بين نموذجي طالبان وتحرير الشام، ومدى إمكانية إسقاط الحالة الأفغانية على سوريا، ويرى هؤلاء أن التنظيمات الجهادية في عمومها، التقليدية والمتحولة كتحرير الشام وطالبان، جميعها تشترك في رؤية دينية مغلقة قاصرة ومتحجرة ولا يمكن أن تنتج إلا الشدة والجهل والتخلف، وبالتالي لن يكون لها مستقبل مع الشعوب التي تعيس بينها، ولن تحظى بأي تأييد شعبي، ويرى هؤلاء في مزاعم تحرير الشام بأن لها شعبية في مناطق سيطرتها هي مزاعم مخادعة وادعاءات كاذبة، فالسوريون في إدلب ضاقوا ذرعاً من سطوتها وتحكمها في مفاصل حياتهم اليومية.