icon
التغطية الحية

بين سوري وأوكراني.. موازين اللجوء العنصرية عند سياسيين وإعلاميين في الغرب

2022.02.28 | 17:12 دمشق

picture1.jpg
لاجئون أوكرانيون (نيويورك تايمز)
+A
حجم الخط
-A

منذ اللحظة الأولى لغزو الروس الأراضي الأوكرانية، والمهجّرون السوريون في مختلف دول العالم، يبدون تضامنهم المطلق مع الشعب الأوكراني وما يتعرض له من قتل ودمار وتهجير، في مشهد يحاكي تماماً ما حدث في مختلف المناطق السورية التي طالها قصف الروس وغزوهم لها، وما يحدث في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام التي ما تزال تتعرض لقصف لم يتوقف حتى الساعة.

ذلك التعاطف الذي يبديه السوريون إزاء ما يحدث للأوكرانيين من تهجير ونزوح، نابعٌ بالدرجة الأولى من تشاركهما المصدر ذاته للألم الذي يعانونه وللأسباب التي حوّلتهم إلى مجرد "لاجئين" تتقاذف محطات التلفزة والمواقع الإلكترونية أخبارهم وتغيّرات أرقامهم الإحصائية اليومية؛ والمتمثّل في بوتين.

وبالرغم من ذلك التطابق شبه الكامل بين الحالتين السورية والأوكرانية، إلا أن ذلك لم يغيّر في موقف بعض الأطراف السياسية والإعلامية تجاه قضية المهجّرين واللاجئين السوريين، بل وراحت بعض تلك الأطراف تستثمر قضية اللجوء الأوكرانية لتستهدف من خلالها اللاجئين السوريين، معتبرة أن الأخيرين يمثّلون حالة لجوء مختلفة.

وعلى مدى الأيام الخمسة التالية لإعلان الغزو الروسي، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وتدوينات، تناولت تصريحات وتعليقات وتسجيلات مصوّرة لسياسيين وإعلاميين غربيين حول اللاجئين الأوكرانيين، أثارت حفيظة طيف واسع من المتابعين لما تضمّنته من خطابات مسيئة وعنصرية بحق بقية اللاجئين، وخاصة السوريين منهم.

لاجئون بيض يشبهوننا ويقودون سيارات!

أحدث تلك الخطابات كان مساء أمس الأحد وجاء على لسان مراسلة (NBC) كيلي كوبيلا، وذلك حين ردّت على سؤال للمذيعة حول اللاجئين الأوكرانيين في البلدان المجاورة، فقالت: "بصراحة تامة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة. هؤلاء مسيحيون. إنهم بيض. إنهم مشابهون جداً للأشخاص الذين يعيشون في بولندا".

ومنذ الخميس الفائت، تستمر قناة BFM الفرنسية اليمينية في بث خطاب ضيفها عن اللاجئين الأوكرانيين الذين يراهم مختلفين كل الاختلاف عن السوريين، فيقول: "نحن لا نتحدث عن سوريين يهربون من قصف نظامهم المدعوم من بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين يقودون سيارات كسياراتنا".

خطابات العنصرية والتحريض ضد اللاجئين السوريين لم تقتصر فقط على إعلاميي وسياسيي الغرب الأوروبي؛ فها هي إحدى الصحف التركية التابعة لأحد أحزاب المعارضة والمناهِضة للاجئين السوريين في تركيا، تشارك صورة لسيدة بولندية تدعى إيرينا قُتلت وهي تتصدى للغزو الروسي، وتكتب تعليقاً تقول فيه: "بينما كان الرجال السوريون يدخنون الشيشة على شواطئنا، وهربوا من الحرب، ماتت المجندة الأوكرانية إيرينا تسفيلا وهي تقاتل من أجل وطنها".

 

ييني جلاغ.jpg

 

الصحيفة التركية نفسها، شاركت التسجيل المصور العائد لمراسلة تلفزيون  NBC التي ميّزت اللاجئين الأوكرانيين عن السوريين بالقول إنهم "مسيحيون وبيض ويشبهوننا..." إلا أن الصحيفة توجّه انتقاداتها هنا إلى دول الغرب التي وصفتها بـ "العنصرية" وبأن لها "وجهين" في التعامل مع قضية اللاجئين!

أما رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف، فقد أعرب عن ترحيب بلاده باللاجئين الأوكرانيين، لأنهم بحسب وصفه "ليسوا مثل اللاجئين الذين اعتادت أوروبا عليهم". ليس ذلك فحسب، بل مضى ليقول إن "الأوكرانيين أذكياء ومتعلمون ولا يملكون ماضياً غامضاَ كأن يكونوا إرهابيين".

اعتذارٌ بعد إساءة

لم يقدم أيّ من المسيئين السابقين -أو مؤسساتهم- على تبرير خطابهم المفعم بالكراهية والعنصرية. فقط مراسل شبكة "CBS" التلفزيونية الأميركية تشارلي داغاتا، اعتذر بعد أن قال خلال تغطيته المباشرة لتطورات الغزو الروسي من كييف إن الهجوم على أوكرانيا لا يمكن مقارنته بالحرب في العراق وأفغانستان لأن الأولى أكثر "تحضرًا".

وقال: "إن أوكرانيا ليست مكانًا، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان، الذي شهد صراعًا مستعرًا لعقود". وأضاف: "أوكرانيا متحضرة نسبيًا، وأوروبية نسبيًا، ولا بد لي من اختيار هذه الكلمات بعناية أيضًا. هي مدينة متحضّرة، لا تتوقع فيها حدوث (حرب)".

 وبعد توجيه انتقادات لاذعة، عبّر المراسل عن أسفه على الهواء من كييف، وقال: "لقد تحدثت بطريقة آسف لها، وأنا أسف"، موضحًا أنه كان يحاول إيصال فكرة بأن أوكرانيا لم تشهد "هذا الحجم من الصراع" خلال السنوات الأخيرة، على عكس صراعات المناطق الأخرى.

نيويورك تايمز: لاجئون بالهراوات وآخرون بابتسامة!

صحيفة الـ "نيويورك تايمز" نقلت في تقرير لها عن الباحثة السورية- الأميركية في شؤون الحرب والنزوح من جامعة برينستون، رنا خوري، قولها: "ما يحدث في أوكرانيا مأساوي جداً ويؤسف القلب مشاهدته. ولكن مثل كثيرين آخرين، رأيت أيضًا كيف أن هذه البلدان نفسها التي وضعت الكثير من العقبات أمام اللاجئين الفارين من الصراعات في الشرق الأوسط تفتح حدودها أمام الأوكرانيين".

وتتابع الصحيفة: في تشرين الثاني الماضي، أقدمت قوات الأمن البولندية على ضرب المهاجرين من الشرق الأوسط وأفغانستان بالهراوات أثناء محاولتهم عبور الحدود. في المقابل، تم الترحيب باللاجئين الذين وصلوا من أوكرانيا على الحدود البولندية خلال الأيام القليلة الماضية بالابتسامات والمشروبات الساخنة وتم نقلهم إلى محطات السكك الحديدية.

وفي تغريدة للمذيع التلفزيوني المصري- الأميركي على محطة MSNBC، أيمن محي الدين، أمام مئات آلاف المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، علّق محي الدين: "إذن، أوروبا تعرف كيف ترحب بإنسانية ورحمة بتدفق كبير ومفاجئ من المهاجرين. اللاجئون الهاربون من الحرب!".

وبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين، فإن نحو 100 ألف أوكراني فروا من منازلهم نحو البلدان المجاورة، وخصوصًا بولندا والمجر ورومانيا. وأوضحت المفوضية أن أكثر من 50 ألف أوكراني فروا في أقل من 48 ساعة منذ بدء الغزو الروسي.