بين "التناقض الرئيسي" و"العودة الطوعية للاجئين"

2023.05.10 | 06:59 دمشق

بين "التناقض الرئيسي" و"العودة الطوعية للاجئين"
+A
حجم الخط
-A

عقد حسن حمدان –مهدي عامل- في كتاب "مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني" الصادر عن دار الفارابي-بيروت عام 1972، فصلاً كتبه في مجلة الطريق، تعليقاً على كتاب "تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر 1900-1925" لمؤلفه رفعت سعيد، عرض فيه مهدي مسألة التماثل الحاصل بين الطبقتين العاملة والبرجوازية الصغرى في المسألة الاشتراكية في مصر، ويتجلى هذا التماثل في "الناصرية" حيث حملت راية الاشتراكية وتبنت مطالبها، يأتي اعتراض مهدي عامل هنا ليصب في مسألة مهمة، وهي أن الفارق الجوهري والفاصل بين الطبقة العاملة والبرجوازية الصغرى في مسألة "الاشتراكية" هي أن الأولى تؤمن بحركة الصراع الطبقي، حيث يتم به تغيير علاقات الإنتاج القائمة وانتقال البنية الاجتماعية إلى نظام إنتاج آخر، أما البرجوازية الصغرى، فهي ترفض فكرة الصراع الطبقي ولا ترى أن في الثورة حلاً لإصلاح هذا التفاوت المجتمعي، ولا تريد تغيير نظام الإنتاج القائم إلى نظام آخر، وإنما تريد إصلاح عيب ما فيه.

وعلى غرار الرأي اليساري آنذاك، فإن مهدي عامل كان مع وجود نوع من التحالف مع هذه الأنظمة، لمواجهة تناقض رئيسي مشترك بين الطبقتين وهو التناقض مع البرجوازية الكولونيالية والإمبريالية، ومع هذا، يجب إقامة حد فاصل بين فكر هاتين الطبقتين، بحيث لا تذوب الطبقة العاملة في فكر البرجوازية الصغرى، إذ ثمة تماثل ظاهري "بين بدايات فكر اشتراكي هو في وجه رئيسي، منه تعبير عن صراع طبقي عند عناصر من البورجوازية الصغيرة أو «الطبقة المتوسطة» ضد السيطرة الطبقية للبورجوازية الكولونيالية المسيطرة، وبين ما يظهر في إيديولوجية الطبقة المسيطرة باسم البورجوازية الصغيرة بمظهر الفكر الاشتراكي" (ص ٥١١).

فكرة التحالف مع الأنظمة الرجعية مثل نظام الأسد والناصرية، ظلت حاضرة ضمن اليسار العربي، لحجة "مواجهة الإمبريالية"

ولا بد هنا من ذكر ما كتبه الدكتور أحمد برقاوي، في مقال له بعنوان "عماؤنا اليساري: صفقنا للخميني وعادينا الديمقراطية"، إذ ذكر جواب مهدي عامل لسائل يسأله عن مستقبل التحالف مع حزب الله وأمل بعد اغتيال حسين مروة، قائلاً: "لا بد من التحالف معهم، نحن في معركة صعبة مع إسرائيل"..

فكرة التحالف مع الأنظمة القمعية مثل نظام الأسد والناصرية، ظلت حاضرة ضمن اليسار العربي، لحجة "مواجهة الإمبريالية"، وإذا ما رجعنا القهقرى نحو هزيمة الـ67، نرى الشعار السائد آنذاك الذي يوضح لنا المسار الذي تنتهجه هذه الأنظمة وهو: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، فالمعركة مع الإمبريالية والتدخلات الخارجية تغطي، بشكل أو بآخر، مبرراتها في القمع وإخفات الصوت المعارض، وإذا ما تقدمنا قليلا في مسألة النظام السوري إلى الثورة السورية المباركة، لا نرى إلا الحجج المؤامراتية الدفاعية من قبل النظام في مواجهة الثورة. وقد أرجع صادق جلال العظم، بشكل غير مسبوق ضمن الإطار اليساري، هزيمة الـ67، إلى الأزمات الداخلية للأنظمة العربية بينما كانت هذه الأنظمة تبرر الهزيمة بحجة الدعم الغربي الفائق لإسرائيل، وذلك في كتابه "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، وموقفه من الثورة السوريّة معروف...

قام بعض الشباب برفع لافتة تتضمن كلاما فيما معناه أنه لا عودة آمنة مع وجود نظام الأسد فقام بعض المتظاهرين من الحزب بضرب رافعي اللافتة

وكما سائر الأحزاب اليسارية التي اصطفت مع الممانعة في مواجهة "الخطر الإمبريالي"، خصوصاً في موقفها من الثورة السورية، فالحزب الشيوعي اللبناني، دأب في "التمنيع"، وصار "فئة ثانية" تحت عباءة حزب الله، فها هو يوقع بعد كارثة الزلزال بيانا مع بعض الأحزاب اليسارية حول "رفع العقوبات عن النظام السوري"، وغيرها من الأمور التي تجعل الحزب في كنف الممانعة، إلى ما حصل آنفا بعد بيان الإدانة لمسألة ترحيل السوريين الذي أصدره، إذ يدين الحزب فيه "التحريض العنصري ضد  اللاجئين" في لبنان، ومع هذا فهو يطالب الحكومة اللبنانية بالإسراع في التواصل والتنسيق مع الجهات الدولية والحكومة السورية لتنسيق "العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين"، وقد أقام الحزب، فلكلورياً وبشكل أدنى ما يقال عنه "نوستالجياً nostalgia "، مظاهرة في عيد العمال، فقام بعض الشباب برفع لافتة تتضمن كلاما فيما معناه أنه لا عودة آمنة مع وجود نظام الأسد فقام بعض المتظاهرين من الحزب بضرب رافعي اللافتة، ولم يصدر الحزب، إلى الآن، أي بيان أو موقف يدين هذا الأمر.

هذا ليس نقداً، ولا تعليقاً، وإنما هو تذكر لوفاة حزب الطبقة العاملة، وعلى غرار نيتشه: الحزب الشيوعي اللبناني مات، الممانعة من قتلته. لروح هذا الحزب السلام، رحمات الله عليه.