البث المباشر
حرم التغير المناخي عدداً من الولايات الأميركية من الماء، كما عصفت أزمة جفاف شديدة بدول أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي يخلف فيها الماء أثراً سلبياً على المجتمع، إذ عبر التاريخ، قامت حضارات وانهارت بسبب الماء، وقد أتى سقوط تلك المجتمعات بعد جفاف المياه من حولها، ومنها نذكر:
-
ميسا فيردي
كانت تجمعاً بشرياً يضج بالحياة بلغ تعداد سكانه ستة آلاف نسمة، وقد اشتهر هؤلاء السكان بتشييد أبنية في الصخر من الحجر الرملي والملاط مؤلفة من عدة طوابق. أما أجدادهم، وهم شعب البيوبلو، فقد عاشوا هناك على صيد الطرائد الضخمة، إلى جانب تغذيهم على البقول والذرة. ولكن في عام 1277 للميلاد، بدأت موجة جفاف امتدت 23 عاماً بتدمير ذلك التجمع البشري، وبحلول عام 1300 ميلادية، هجر شعب بيوبلو ميسا فيردي.
وبحسب ما ذكره سكوت أورتمان وهو أستاذ زميل في الأنثربولوجيا بجامعة كولورادو، فإن نحو 30% من سكان تلك المدينة عاشوا في مناطق غير قابلة لزراعة المحاصيل الغذائية بسبب الجفاف، وأدى ذلك لظهور بوادر لنزاع عنيف تتجلى آثاره في العديد من المواقع الأثرية، إذ ثمة أجساد بلا رؤوس وهياكل عظمية شوهتها الحرب، وعن ذلك يقول الباحث أورتمان: "تسبب الجفاف بصراع اجتماعي خطير، أدى إلى تدمير المجتمع بصورة أساسية".
-
الإمبراطورية الأكادية
تعتبر هذه الإمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات، إذ قامت في مدينة أكاد، وامتدت إمبراطوريتها على اتساع الشرق الأوسط خلال الفترة الواقعة بين عامي 2350-2150 قبل الميلاد. ولكن بحسب دراسة نشرت في موقع Geology، تسبب الجفاف بزوال تلك الإمبراطورية، إذ كتب مؤلفو تلك الدراسة عن ذلك، فقالوا: "أظهرت الأدلة الأثرية بأن تلك الحضارة المتطورة اندثرت فجأة، ولعل السبب في ذلك يعود للمناخ الجاف الذي طرأ على المنطقة".
-
إمبراطورية المايا
نشأت إمبراطورية المايا في الأراضي المنخفضة الاستوائية بالمكسيك وأميركا الوسطى، حيث شيد أهلها أبنية حجرية رائعة وأبدعوا في الفنون والزراعة واللغة. ولكن في عام 900 للميلاد تقريباً، أصبحت معظم مدنهم الحجرية البديعة خاوية على عروشها، ولم يحدد الباحثون السبب الذي جعلها كذلك على وجه الدقة، لكنهم يرجحون بأن الجفاف لعب دوراً في ذلك.
إذ بحسب ما يراه الباحث تاكيشي إنوماتا وهو أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة أريزونا، فإن هذا المجتمع عانى كثيراً بسبب مشكلات اجتماعية طرأت عليه، وكذلك بسبب الحروب ومشكلات إدارية أخرى، إلا أن نقص المياه كان أسوأها على الأرجح، حيث يقول: "لعل الجفاف قد أتى في أحلك الظروف عندما كان المجتمع في أضعف حالاته".
-
نهايات العصر البرونزي
قبل اندثار حضارة شرق المتوسط في عام 1200 قبل الميلاد، كانت تلك المنطقة موطناً لمجتمع يضج بالحياة قام على البرونز الذي كان أقوى من أي معدن آخر في ذلك الحين، ولكن بحسب الدارسة التي نشرت في موقع PLOS One، اكتشف الباحثون الذين درسوا الكربون المشع الذي ظهر في سوريا وقبرص حينها بأن اندثار تلك الحضارات المتطورة في كل من أوروبا والشرق الأوسط يعود أحد أسبابه على الأرجح لتبدلات مناخية تسببت بنقص المياه، إذ ورد في تلك الدراسة ما يلي: "تبين هذه الدراسة بأن الأزمة التي ظهرت أواخر العصر البرونزي تصادفت مع بداية حالة الجفاف التي امتدت لثلاثمئة عام وذلك قبل 3200 سنة، فقد أدى ذلك التبدل المناخي إلى تلف المحاصيل، وموت البشر ونفوق الحيوانات، كما تسبب بظهور مجاعة".
-
سلالة تانغ
تمثل سلالة تانغ التي حكمت بين 618-906 ميلادية العصر الذهبي للفنون والثقافة في الصين القديمة، كما تمثل مرحلة التوسع في المنطقة. فهذه السلالة التي اشتهرت بحفاظها على السلم والازدهار، عملت على توسيع التجارة الخارجية مع سوريا وروما عبر طريق الحرير. ولكن بحسب ما ورد في بحث علمي نشرته National Science Foundation، قد يكون القحط أحد الأسباب التي أدت لاندثار تلك السلالة وذلك بسبب تراجع محاصيل الحبوب من جراء نقص الماء، إذ ورد في ذلك البحث ما يلي: "اكتشف الباحثون بأن فترات تراجع الرياح الموسمية الصيفية ظهرت خلال السنوات الأخيرة من حكم سلالات تانع ويوان ومينغ، كما يعرف عن تلك الفترات بأنها شهدت اضطرابات شعبية".
لا تنهار المجتمعات إلا بعد تضافر عدد من العوامل التي تتزامن مع توقيت مناسب يختاره سوء الطالع، وهذه المجتمعات التي كانت تعج بالناس ومفعمة بالحيوية خير شاهد على أن الحضارة تبقى ضعيفة أمام تأثير التغير المناخي الذي يكفي للإطاحة بأي حضارة خالت نفسها في زمن من الأزمان بأنها حضارة لا يمكن أن تقهر.
المصدر: ديسكفر
