بيرقدار التركية في الحرب الأوكرانية

2022.03.08 | 06:43 دمشق

byrqdar.jpg
+A
حجم الخط
-A

مطلع الشهر الجاري، نشر الجيش الأوكراني مقطع فيديو لما قال إنها خسائر عسكرية روسية ناجمة عن استهدافها بطائرات بلا طيار تركية الصنع كانت تركيا قد زودت أوكرانيا بها سابقاً. تُشير الصور إلى استهداف طائرة مسيرة لمنظومة أرض جو روسية من طراز بوك وقطار إمداد عسكري في السادس والعشرين من الشهر الماضي. كانت وزارة الدفاع الروسية قد زعمت بالفعل تدمير ما لا يقل عن أربع طائرات من طراز بيرقدار في أول أيام الحرب بالإضافة إلى القاعدة التي تم إطلاقها منها. كما تحدّث السفير الأوكراني لدى أنقرة عن فعالية هذه الطائرات في المعارك ضد القوات الروسية. قد يكون من الصعب التحقق من دور طائرات بيرقدار في إحداث كل تلك الخسائر التي تتحدث عنها كييف، إلاّ أنها ليست المرة الأولى التي تلعب فيها الطائرات المسيرة التركية دوراً فعالاً في ساحات القتال التي تنخرط فيها روسيا. في ليبيا، استخدمت قوات حكومة الوفاق الوطني هذه الطائرات التي زودتها تركيا بها في استهداف معدات عسكرية لمرتزقة فاغنر الروسية في أثناء حرب طرابلس. وفي أذربيجان، لعبت هذه الطائرات دوراً حاسماً في انتصار أذربيجان في حرب قره باغ الثانية ضد أرمينيا. وفي سوريا كذلك، استخدمت تركيا طائرات بيرقدار في الانتقام من النظام السوري رداً على هجوم دموي استهدف الجيش التركي في إدلب قبل عامين.

في حين أن وسائل الإعلام التركية كانت تحتفي بفعالية الطائرات المسيرة التركية في كل من ليبيا وسوريا وأذربيجان، فإنها تجاهلت استعراض الدور المزعوم لها في الحرب الروسية الأوكرانية. ويرجع ذلك إلى محاولة أنقرة النأي بنفسها عن هذه الحرب لتجنب استفزاز روسيا. لكن موسكو سبق أن أعربت مراراً عن انزعاجها من بيع تركيا هذه الطائرات لأوكرانيا. كان أول استخدام مؤكد لطائرات بيرقدار من جانب أوكرانيا في أكتوبر تشرين الأول الماضي ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في إقليم دونباس. وقد دان الرئيس فلاديمير بوتين حينها في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان استخدام الطائرات المسيرة في الصراع. كما حذر وزير خارجيه سيرغي لافروف نظيره التركي مولود جاويش أوغلو من تداعيات تزويد تركيا لأوكرانيا بطائرات مسيرة على العلاقات التركية الروسية.

سعت تركيا مراراً إلى تجنب إظهار أي انخراط عسكري مباشر لها في الصراع من خلال التأكيد على أن الطائرات المسيرة أصبحت ملكاً لأوكرانيا بمجرد استلامها

يُظهر دور طائرات بيرقدار في الحرب الراهنة جانباً من جوانب التوتر الروسي التركي بشأن القضية الأوكرانية. يقف البلدان على النقيض تماما من هذه المسألة. مع ذلك، سعت تركيا مراراً إلى تجنب إظهار أي انخراط عسكري مباشر لها في الصراع من خلال التأكيد على أن الطائرات المسيرة أصبحت ملكاً لأوكرانيا بمجرد استلامها.

منذ عام 2019، اشترت أوكرانيا العشرات من طائرات بيرقدار من تركيا إلى جانب محطات التحكم والصواريخ. كما اتفقت أنقرة وكييف على تزويد أوكرانيا بالمزيد من هذه الطائرات خلال زيارة أردوغان لكييف. علاوة على ذلك، خصصت الحكومة الأوكرانية أرضاً لمنشآت تصنيع الطائرات بلا طيار التركية محليًا حيث خطط البلدان لتوسيع التعاون في مجال الصناعة الدفاعية، بما في ذلك توفير تكنولوجيا المحركات الأوكرانية للطائرات الحربية التركية. قبيل الغزو الروسي، أثيرت الكثير من الشكوك حول قدرة الطائرات المسيرة التركية من طراز بيرقدار توبي 2 في مواجهة الأسلحة الروسية المتقدمة في أوكرانيا. مع ذلك، يرجع الدور الفعال لهذه الطائرات إلى إخفاق موسكو في إحكام سيطرتها على الأجواء الأوكرانية حتى الآن. في ظل الهوة الكبيرة بين القدرات العسكرية الأوكرانية والروسية، فإن طائرات بيرقدار قد تُساعد كييف في استنزاف الجيش الروسي في حرب طويلة الأمد بالنّظر إلى الميزات العالية التي تتمتع بها. يُمكن لطائرات بيرقدار توبي 2 التحليق بسرعة تصل إلى 138 ميلًا في الساعة ويمكن أن تحمل أربع ذخائر ذكية، أو ما يصل إلى 330 رطلاً من المتفجرات.

بينما أثبتت طائرات بيرقدار فعاليتها في حرب قره باغ الثانية وسوريا وليبيا، فإنها تواجه في الحرب الروسية الأوكرانية خصماً أكثر قدرة بالنظر إلى امتلاك روسيا رادارات الإنذار المبكرة المتقدمة وقدرات الحرب الإلكترونية ودفاع جوي متعدد الطبقات. على مدى السنوات الماضية، استفادت موسكو من النزاعات في سوريا وقره باغ وليبيا في التعامل مع طائرات بيرقدار. ومنذ ذلك الحين، أصبح التدريب الروسي على الحرب الإلكترونية ومكافحة الطائرات بلا طيار مرادفين تقريباً وفقًا لتقرير عام 2021 عن الجيش الروسي. على عكس فعالية طائرات بيرقدار في استهداف أنظمة الدفاع الجوي والدبابات الأرمينية في حرب قره باغ، وهي معدات قديمة روسية الصنع، فإنها قد لا تُعطي نفس النتيجة مع جيش أكثر حداثة. بالنظر إلى أن طائرات بيرقدار قادرة على التأثير بشكل أكبر ضد المدرعات كلما وجدت روسيا صعوبة في السيطرة على الأجواء الأوكرانية، فإن الحرب الراهنة ستوفر نظرة ثاقبة على فائدة الدبابات الحديثة في ساحة المعركة، حيث تمتلك روسيا نحو ثلاثة آلاف دبابة قتال رئيسية.

الدور الذي تلعبه هذه الطائرات في الحرب الروسية الأوكرانية ينطوي على مخاطر تضر بعلاقاتها مع روسيا بشدة

لطالما نظرت أنقرة إلى التعاون العسكري الوثيق مع كييف كوسيلة ردع لمنع روسيا من مهاجمة أوكرانيا، فضلا عن أنه يمنحها نفوذاً في تعاملها مع موسكو في صراعات ينخرط فيها البلدان جنباً إلى جنب من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، لكنّها لا تزال حذرة من التداعيات المحتملة لدور طائراتها المسيرة على العلاقة مع روسيا. في الشهر الماضي، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين الأميركيين يُعولون على أن تواصل تركيا تزويد أوكرانيا بطائرات مسيرة.

استطاعت تركيا بفضل طائرات بيرقدار تحقيق الكثير من المكاسب العسكرية والسياسية في مناطق عديدة. مع ذلك، فإن الدور الذي تلعبه هذه الطائرات في الحرب الروسية الأوكرانية ينطوي على مخاطر تضر بعلاقاتها مع روسيا بشدة. وسيكون من المناسب لأنقرة، التي تُبدي حرصاً على لعب دور الحياد في الصراع الراهن، أن تُعيد تقييم المكاسب والمخاطر الناجمة عن علاقاتها العسكرية مع أوكرانيا إذا ما تحوّلت الحرب الراهنة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد لروسيا في أوكرانيا.