بيتٌ في أمستردام

2022.07.23 | 06:08 دمشق

هولندا
+A
حجم الخط
-A

محمد، شاب سوري عشريني، تمّ تخصيصه بمنزل اجتماعي في بلدية أمستردام، وإيجاره أقل من خمسمئة يورو، ستقدمها الدولة له في سنواته الخمس الأولى من إقامته في هولندا، ريثما ينتهي من دراسة اللغة ومتابعة دورات الاندماج ومحاولة الحصول على فرصة عمل، من ضمن (مساعدة اجتماعية شهرية) تكفي حاجاته الأساسية والرئيسية.

وفقاً لإحصائيات مكتب الإحصاء المركزي ينتظر المواطن الهولندي في أمستردام نحو ثلاثة عشر عاماً كي يحصل على بيت، لذلك يلجأ الشباب الأمسترداميون للتسجيل في بلديات أخرى، قد تبعد أكثر من مئتي كيلومتراً كي يحصلوا على بيت في حدود ثلاث سنوات.

 يتم تخصيص اللاجئ ببيت اجتماعي خلال ستة أشهر من حصوله على الإقامة، وهذا يعني، قبل أزمة اللجوء الحالية،  أنه خلال سنة من وصول اللاجئ إلى هولندا يجب أن يكون قد حصل على بيت وانتقل إليه.

تبعاً للبلدية ووضعها فإن هناك من حصل على بيت في حدود شهرين، أو أكثر من سنة في حالات نادرة،  وتحرص الدولة عبر بلدياتها على إدارة ملف الإسكان الاجتماعي لذوي الدخل المحدود عبر منظماتها الخاصة، وألا تتركه لسوق العقارات والعرض والطلب.

 أجرى الشاب السوري محمد مكالمة عبر الواتس أب مع أهله في دمشق، بعد أن انتهى من تأثيث البيت، نتيجة حصوله على مساعدة من البلدية (أربعة آلاف يورو).

أهل محمد يسكنون في غرفة، في أحد أحياء المخالفات، لذلك سأله أبوه: ما حاجتك إلى بيت بثلاث غرف، وأنت عازب؟ غرفة واحدة تكفيك يا ابني، لمِ التبذير؟

لم يكن لدى محمد إجابة مقنعة، ردَّ على أبيه بالقول: هذا قرار البلدية وليس قراري.

ارتبطت بذهن والد محمد صورة البلدية، كما بالنسبة لكثير من السوريين، بالمسؤولية عن "الزبالة" وعمال التنظيف والخدمات وحفر الشوارع ومد الأرصفة،  ومخالفات البناء.  لا يوجد أي مفهوم في ذهن محمد عن أي مؤسسة رسمية سورية سوى سلطة الحدود أو الرشاوى أو الخدمة العسكرية التي هرب منها.

محمد، الشاب السوري، خرج من بيت أهله في الثالثة عشرة من عمره نحو لبنان ليساعد والده في المصروف بعد أن أنجب سبعة هو أكبرهم، وبعد سنوات ثلاث ذهب إلى تركيا، ثم قادته الأقدار إلى هولندا.

بعد فترة قصيرة، بعد أن نصحه لاجئون سابقون، عرض محمد عبر إحدى صفحات الفيسبوك غرفة من بيته للإيجار بـ "الأسود" واستغرب أنه خلال ساعة تلقى أكثر من عشرة طلبات لراغبين للسكن في بيته، ومنهم من عرض عليه أكثر من المبلغ الذي طلبه. لا يعلم الشاب السوري أن طلاب جامعات هولنديين يستأجرون غرفة في أمستردام بأعلى من مبلغ إيجار بيته.

يستذكر محمد الأيام الصعبة التي قضاها في إسطنبول،  وكيف كان يسكن مع ستة أشخاص في غرفة واحدة في حي غازي باشا، وأن عدداً منهم كان ينام ويبقى آخرون مستيقظين، كي يتاح لهم النوم لاحقاً

يستذكر محمد الأيام الصعبة التي قضاها في إسطنبول،  وكيف كان يسكن مع ستة أشخاص في غرفة واحدة في حي غازي باشا، وأن عدداً منهم كان ينام ويبقى آخرون مستيقظين، كي يتاح لهم النوم لاحقاً، لأن الغرفة صغيرة ولا تكفي لأجسادهم إن استلقت. طلبوا أكثر من مرة من صاحب ورشة الأحذية، التي يعملون بها أن يسمح لهم بالنوم فيها، غير أنه لم يوافق.

 بعد أيام قليلة من سكن محمد في البيت الجديد في أمستردام، زاره مسؤول شركة البيوت لتفقد أحوال البيت، فوجد أن سيراميك الحمام قد صار قديماً، ولا بدّ للشركة من تبديله، وهذا سيستغرق أسبوعاً كاملاً، لذلك فإن الشركة ستحجز له فندقاً، وما على محمد إلا أن ينظر في أجندة يومياته كي يحدّد لهم أي أسبوع هو الملائم له، ليقوموا بالتنسيق مع قسم الصيانة.

فتح محمد أجندته، ووجد أن أيامه متشابهة، ولا يملؤها سوى الفراغ. التزم بالصمت، محتاراً فيما يردّ به على موظف شركة البيوت.

 الموظف ذاته فهم صمت محمد، وفقاً للثقافة الهولندية، في أن عليه أن يعطيه الوقت الكافي ليرتب مواعيده، هذا حقه، فقال له: لا مشكلة يا محمد سأرسل لك إيميلاً مفصلاً بمضمون محادثتنا هذه، ويمكنك أن تقترح الأسبوع الذي يلائمك كي نقوم بعملية إصلاح الحمام.

حين انصرف موظف شركة البيوت عاد محمد للانشغال بشاشة هاتفه المحمول، فتح إحدى صفحات الفيسبوك الخاصة بالسوريين في هولندا وعليها منشور ثابت يقول: نصيحة إلى القادمين الجدد من السوريين منذ لحظة وصولك، افصلْ ملف لجوئك عن ملف زوجتك، وقل للعاملين في دائرة الهجرة: إنك قد تطلقت مع زوجتك!

 وقتها؛ سيتمّ تخصيصك ببيت، وتخصيصها ببيت مستقل، لا أثر لذلك التصريح على علاقتك بزوجتك، فالزواج الشرعي باق، هذا طلاق في بلاد جديدة لا تنطبق عليه شروط عقد الزواج في سوريا.

وفيما كان محمد مشغولاً بفكرة المنشور وكيف يمكن أن يفيد منه. بدأ خبراء مختصون هولنديون يبحثون في كيفية تطوير قانون الإسكان لمنع استغلاله من عدد من "القادمين الجدد"، وهو الذي كان يأخذ بعين إنسانية ومتسامحة جداً، جانب التعامل مع الضحايا القادمين من مناطق الحروب أو الجوع، وضرورة تخصيصهم بمنزل ملائم بأقصى سرعة ممكنة، كجزء من تأمين عوامل أمانهم النفسي والاجتماعي في المجتمع الجديد.