بوابة الله كل ما ينتظره السوريون في الأضحى

2020.07.29 | 00:02 دمشق

013703198713771.jpg
+A
حجم الخط
-A

" بوابة الله " هكذا كان يسميها حجاج الشام وتركيا في العهد العثماني، وهم ينطلقون من دمشق إلى الحجاز قاصدين حج بيت الله، عابرين بلادهم بعد مراحل طويلة من تهيئة وتجهيز، لتأخذ رحلتهم إلى مكة أربعين يوماً، يعانون منها المشقة والمخاطر كما ترويه القصص والحكايات، ولتتوالى كل عام النكبات، فيتحول اسمها من بوابة الله إلى بوابة الموت، حيث كانوا يعتبرون الراحلين مفقودين، وعرضة لقطاع الطريق، ولذلك كان والي دمشق يرافق القافلة ومعه كل سبل الحراسة والحماية في رحلتها ليؤمن سلامتها، فقد كان يعتبر ذلك قوة لمدينته ورعيته.

وحتى تكون رحلة الحج سهلة ميسرة، ارتأى السلطان عبد الحميد الثاني إنشاء خط سكة حديدية تربط دمشق بأرض الحجاز، فكانت "محطة الحجاز" الأثرية من أوقاف مال المسلمين، تبرعوا بها من أقاصي الهند والمغرب، ومن كل البلاد المجاورة لشام شريف، فأصبحت الرحلة إلى الحجاز تستغرق خمسة أيام لا غير، وباتت المحطة حلاً للمسافرين، وأمناً، وتخفيفاً للعبء المادي، وقد واكبها بناء نصب التلغراف، وهو عمود وسط ساحة المرجة في دمشق، وبني فوقه جامع صغير، ليكون رمزاً لتدشين الاتصالات بين دمشق والمدينة المنورة والبلاد الإسلامية، ولتبدأ انطلاقة جديدة،  وامتداد جديد بين المدن والشعوب والحضارات، ثم يتوقف عمل المحطة في 1916 إثر الحرب العالمية الأولى، والثورة العربية الكبرى، ولتمضي عقود والمحطة معطلة، دون جهود تبذل لإعادتها للحياة حتى يومنا الحاضر.

في عهد حافظ الأسد كان الحج حلماً بالنسبة للسوري العادي، وظل كذلك في عهد ابنه بشار، فكان الحج مقتصراً على الأغنياء، وبات السوري العادي مخيراً بين بيع شقته أو أرضه، وبين السفر لأداء الحج، إذ إنه يستحيل عليه التفكير بالحج مقارنة بتكاليفه، وقد ظلت الغصة في قلوب السوريين – كبار السن منهم خاصة- وهم يخافون من الموت قبل أن يحققوا أمنيتهم الوحيدة، والتي أصبحت مستحيلة التحقق في السنوات الأخيرة، لأن السوري بات يلاحقه الموت والقصف والخطف والسجن والتهجير، وبات يجمع ما أمكن من مال، ليفتدي به أحد المعتقلين أو يسترد أحد المخطوفين قبل أن يعاد جثة هامدة،  كما أصبح يعيش يوماً أشبه بـ "يوم عرفة" طوال العام، ويمتد عاماً بعد عام، فالخيام التي تمتد في عرفة للحجيج ليوم واحد، يطلبون فيها الرحمة والمغفرة والخير من الله، باتت تمتد أشباهها في الشمال السوري، وعلى الحدود بين سوريا والدول المجاورة، يسكنها أناس أرواحهم أشبه بأرواح الحجيج، تجردوا من كل شيء، وتركوا خلفهم كل شيء، تركوا بيوتهم ومزارعهم وأرضهم وأموالهم، وخرجوا متجردين من كل ما يملكون من متاع، إلى بوابة الله التي لا تُعبر من دمشق هذه المرة، ولكنها تفتح لهم أبوابها أينما انتشروا، وهم الذين خرجوا يطلبون الأمان بالله من طاغية مجرم، يحملون كرامتهم وذاكرتهم، لتوجعهم بشدة ذاكرة الكبار، وهم يسردون في الليالي المقمرة قصصاً عن الحج، عندما كانت شام شريف ملجأ للحجيج من أصقاع الدنيا.

لم يعد غريباً اليوم أن نسمع خبر تأجير محطة الحجاز لجهة روسية أو إيرانية، شركة غامضة مجهولة تستأجرها 45 عاماً، لتبني مشروعات سياحية وتجارية وصالات ألعاب ضخمة، على أن تعود الملكية لهذه الشركة بعد انقضاء هذه الأعوام، وكأن الأوقاف الإسلامية، وتاريخ المدينة وآثارها ومعالمها باتت مشاعاً وعرضة للنهب والمتاجرة، ومعالم دمشق العريقة أصبحت سلعة تضخ الملايين في جيوب حاكم لم يتردد بالاتجار بشعبه.

يأتي عيد الأضحى اليوم على السوريين وهم في شِدّة البقاء تحت ظلم النظام، ومواجهة وباء يفتك بهم يومياً دون اعتراف أو منقذ، يُضيّق الخناق عليهم أكثر من أي يوم مضى، تعصف بهم الوحدة والألم والموت والمستقبل المجهول، لكن يبقى لهم يقين بأن بوابة الله ستبقى مفتوحة لهم، وما عند الله خير وأبقى، على أمل زوال الظلم والبطش، وعودة الأرض لأهلها.

 

كلمات مفتاحية