بعض فضائل مجرمي الحرب

2023.11.13 | 13:33 دمشق

بعض فضائل مجرمي الحرب
+A
حجم الخط
-A

من فضل أميركا وكرمها وحلمها، أن ابتعثت إسرائيل في الشرق الأوسط، مندوبًا لها وممثلًا ورسولًا، لتعليم العرب الديمقراطية والعدل والعلم، ومن السماحة والجود والفضل أن يطالب رئيس أميركا ربيبته ومندوبته السامية إسرائيل بالتلطف في القتل والتدمير والدقة في التصويب وأن تزودها بقنابل دقيقة، فهي تقتل فلسطينيًا كل عشر دقائق، وهو معدل كبير، ويستحسن أن تجعل نسبة القتل أقل، كأن يكون فلسطينيًا كل ربع ساعة مثلًا، حتى لا تسيء إلى سمعة الأسلحة الأميركية الفاضلة في التصويب. وإن رئيس أميركا دعا مندوبته إلى السماح بإدخال المزيد من المساعدات الغذائية والدوائية و"البسكويت الفاسد"، ولعل وزير خارجيته طوني بلينكن ألطف من رئيسه وأكرم، فقد صرح أنه يشق عليه ويؤلمه أن يرى أطفالًا تحت الأنقاض، لأنه يتذكر أطفاله، ومن الفضل والإنسانية أن تصرح منظمة العفو الدولية أن جرائم إسرائيل قد ترقى إلى جرائم حرب. وإعراب قد يكون هنا هو حرف اضطراب وشك. أما مراسلون بلا حدود، وقد قُتل العشرات من الصحفيين، فقد قررت أن الجرائم ترقى إلى جرائم الحرب، والحمد لله وله المنة.

أبان نصر الله لنا في خطابه الطويل أن طلب المشاركة منه في الحرب أمر غريب، فقد شارك فيها من أول يوم، في معركة العمود التي أجمع عليها السوريون أنها معركة للتدرب على دقة التصويب

لكن أجود الأقوال وأكرمها وأكثرها نورًا، هو تصريح رئيس مصر العاطفي الجنتل المتخفي بنظارة بعد أن قصفت إسرائيل مخفرًا حدوديًا مصريًا بالخطأ، قيل إنه بالخطأ في بيانات سياسية وعسكرية مصرية وإسرائيلية  متناغمة، وأصيب في القصف تسعة جنود، وقيل في تقارير أخرى غير رسمية إنهم أكثر من تسعة، وإن إصاباتهم عارضة، ولم نعلم إن كان الجنود من خط الجمبري أم من خط المعكرونة، لكنهم مصريون وجنود  دولة صديقة بينها وبين إسرائيل معاهدة سلام، المهم أن رئيس مصر الغيور على وطنه، غضب غضبة مضيفة طيران وجدت راكبًا نسي ربط  الحزام قبل الإقلاع، والغاضب الواقف ليس كالجالس، فقال من غير أن نعلم من هو المخاطب بخطابه: "من فضلكم مصر دولة ولها احترامها وسيادتها"، لكن ألطف هؤلاء المذكورين وأرقهم على الإطلاق هو حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وكان حسن نصر الله  قد برز من غيهب الغسق كأنه الكوكب الدري في الأفق، في اليوم السابع والعشرين من الحرب، فذهب وهلنا إلى أنه غار من أبي عبيدة، الذي تصدر النجومية والبطولة قرابة شهر، وكان قد سبق له الظهور في برومو سينمائي تشويقي، مصحوبًا بتلاوة سوره النصر، بصوت عبد الباسط عبد الصمد، ثم وضع يده على مكان من خريطة، وهي يد شديدة النعومة، لم تجل كأسًا أو تجمع حطبًا، فأبان نصر الله لنا في خطابه الطويل أن طلب المشاركة منه في الحرب أمر غريب، فقد شارك فيها من أول يوم، في معركة العمود التي أجمع عليها السوريون أنها معركة للتدرب على دقة التصويب. وقد أقر بأن البطولة للقسام، وهو جندي لبناني، اختصاصه الطريق إلى القدس وليس القدس، والدنيا اختصاصات.

أما تصريح الدبلوماسي الأميركي وسفير أميركا في لبنان سابقًا، ديفيد ساتر فيلد، ففيه جود كثير وعدل، ولا يخلو من لطف، وإن كان فيه شنآن قوم، فقال: لم نر محاولات من حماس بالاستيلاء على المساعدة وتلك شهادة حق في ذمة حماس، لكن كاتب هذا السطور يعتبر أنّ إعلان محمود عباس أبي مازن عن استعداده لحكم غزة بعد احتواء حماس والتخلص منها كرم وتضحيه وفداء، وكان سبق له أن غرد في اليوم التاسع من الحرب أن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، ثم حذف تغريدته، وعدّلها وصوّبها إلى أنّ حركة فتح هي ممثل الشعب الفلسطيني والوحيد والحصري. المثل يقول الاعتراف بالخطأ فضيلة.

آخر مكارم القتلة هو موافقة إسرائيل بعد شهر من القتل الصافي على اقتراح أميركي بالهدن الحربية المؤقتة، ستكون هدنة يومية مدة أربع ساعات، يرتاح فيها القتلة في "بريكات عمل"، يتاح فيها للضحايا اختيار مقبرة جديدة.

يضاف إلى هؤلاء الأجاويد وزير التراث في حكومة العدو، عميحاي الياهو الذي أغضب رئيس وزراء إسرائيل، بطلبه ضرب غزة بقنبلة نووية، وله في أميركا سيدته أسوة حسنة، لكن غضب رئيس الوزراء لم يبلغ عزله عزلًا كاملًا، فما يزال له حق التصويت في الحكومة، وسبب غصب رئيس الوزراء منه كما نظن هو حمق وزير التراث، فقد ضربت إسرائيل غزة بقنبلتين بالتقسيط، والتقسيط أثوب وأقل إيلاما للضمير العالمي، وهذه أيضًا من لطائف إسرائيل في القتل. وقد يكون سبب غضب رئيس الوزراء منه أنه جاوز اختصاصه التراثي بالطلب باستعمال أسلحة غير تراثية!

 آخر مكارم القتلة هو موافقة إسرائيل بعد شهر من القتل الصافي على اقتراح أميركي بالهدن الحربية المؤقتة، ستكون هدنة يومية مدة أربع ساعات، يرتاح فيها القتلة في "بريكات عمل"، يتاح فيها للضحايا اختيار مقبرة جديدة.

 لا يذهبن ظنّكم أن القتلة تعبوا من القتل. فهي قوانين العمل، لابد من استراحة عمل.