icon
التغطية الحية

بعد عام من التطبيع مع الأسد.. هل تكون قمة المنامة الشهقة الدبلوماسية الأخيرة؟

2024.05.16 | 17:53 دمشق

يحضر بشار الأسد القمة العربية المقامة في البحرين
يحضر بشار الأسد قمة المنامة بعد عام من التطبيع العربي
The Washington Institute for Near East Policy- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يحضر بشار الأسد القمة العربية المقامة في البحرين، الخميس، بعد مرور عام تقريباً على عودة بلده للجامعة في قمة السعودية عام 2023، بيد أن نظرة سريعة على أعمال لجنة الاتصال الوزارية العربية حول سوريا، بالإضافة إلى تصعيد كبير في الغارات العسكرية الأردنية على شبكات تهريب الكبتاغون على الحدود، تظهر فشل التطبيع العربي مع الأسد في إعادة تأهيل النظام.

منذ بدء دراسة الكونغرس الأميركي لاتخاذ إجراءات أقسى ضد النظام السوري، صار لزاماً على الولايات المتحدة تحصيل إجماع كلا الحزبين حول تمديد "عقوبات قيصر" لضمان محاسبة النظام على جرائمه التي ارتكبها بحق الناس جماعياً، كما يجب على واشنطن اتخاذ خطوات سريعة لتسهيل تمرير المساعدات الإنسانية الأساسية إلى سوريا، فضلاً عن ضرورة التشاور مع الدول العربية الشريكة حول موضوع الخروج باستراتيجية لما سيأتي بعد ذلك، ويشمل ذلك وضع خطة شاملة للقضاء على تهريب المخدرات والأسلحة التي تخرج من سوريا.

التطبيع العربي والرد الأميركي

في عام 2021، أي بعد مرور عشر سنوات على تعليق الجامعة العربية لعضوية سوريا بسبب قمع النظام الوحشي للثورة والذي أشعل حرباً في البلد، بدأ الأردن ومصر بتقارب مشروط مع دمشق. فبما أن عمان كانت تتحرق لإعادة فتح حدودها الشمالية مع سوريا، وتعزيز التجارة، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، خرجت بورقة بيضاء حول التطبيع شملت خطة معقدة لنقل الكهرباء الأردنية والغاز الطبيعي الإسرائيلي والمصري عبر الأراضي السورية إلى لبنان. وكان ما يقف في طريقها لتحقيق ذلك هو العزلة الإقليمية المفروضة على الأسد والعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر، والتي تقيد الاستثمار في إعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا إلى أن تجري محاسبة شخصيات من النظام، مع التوصل لتسوية سياسية قابلة للتطبيق.

في ذلك الحين، دعمت إدارة بايدن مبادرة الطاقة بوصفها وسيلة لتحسين الوضع الإنساني محلياً. وللالتفاف على عقوبات الكونغرس الأميركي، قرر مسؤولو الإدارة الأميركية بأن شروط تلك الاتفاقية لا تمثل صفقة كبيرة بموجب قانون قيصر، بما أن هذه الصفقة تقضي بنقل الغاز والكهرباء عبر سوريا مقابل حصول دمشق على نسبة عينية تعادل 8% من الطاقة التي يجري تمريرها. ولكن الفكرة لم تؤت أكلها في نهاية الأمر، ويعود أحد أسباب ذلك لعدم قدرة الإدارة الأميركية على تقديم ضمانات خطية فيما يتصل بإعفاء الصفقات المخطط لها من العقوبات.

وحتى عندما حاول مسؤولون عرب تطبيق اتفاقية الطاقة نفسها خلال الفترة ما بين 2022-2023، زادت شبكات نظام الأسد بشكل كبير من إنتاجها للكبتاغون وتهريب كميات هائلة منه عبر المنطقة. ومن الصعب احتساب عوائد صافي أرباح تلك العملية على النظام بشكل دقيق، لكن المناطق السورية التي يسيطر عليها الأسد كانت تنتج الغالبية الساحقة من الإنتاج العالمي من هذه المادة التي تدخل في عمليات غير الاتجار على مستوى العالم بأسره، أي أنها أنتجت في عام 2021 ما تقدر قيمته بنحو 5.7 مليارات دولار أميركي. ففي السعودية وحدها، ضبطت 107 ملايين حبة كبتاغون في عام 2022، والتي بلغت قيمتها تقريباً 2.7 مليار دولار بحسب سعر الشارع التقريبي الذي يحدد مبلغ 25 دولاراً للحبة الواحدة. وفي عام 2023، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على شقيق الأسد، ماهر، وذلك لاستعانته بالفرقة الرابعة من الجيش السوري في تسهيل عمليات إنتاج الكبتاغون والاتجار به بمساعدة حزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات الإيرانية.

كبتاغون الأسد والخروج عن السيطرة

ومع خروج مشكلة الكبتاغون من السيطرة، ساء الوضع الإنساني في سوريا أكثر بعد زلزال شباط عام 2023، من دون أن يطرأ أي تطور باتجاه التوصل لتسوية سياسية من أجل سوريا. ولهذا قررت السعودية أن تعيد علاقاتها مع الأسد وأن تدعم عودة بلده للجامعة العربية في مؤتمر جدة عام 2023. وهذا النهج الذي كانت دولة الإمارات أول من وضعه يهدف إلى حل عدد من المشكلات التي استعصت على الحل بشكل فوري، وذلك عبر تقديم حوافز إيجابية للأسد حتى يغير سلوكه.

وتبعاً لذلك شُكلت لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا في تلك القمة لتضم الأمين العام للجامعة العربية ومندوبين من مصر والعراق والأردن ولبنان والسعودية والنظام السوري، وكلفت بأربع مهام أساسية وهي: (1) القضاء على إنتاج الكبتاغون وتهريبه، (2) عودة اللاجئين إلى سوريا، (3) المضي قدماً بالعملية السياسية بشأن سوريا من خلال اللجنة الدستورية، (4) تشكيل لجنة "إقليمية للتنسيق الأمني". وعلى الرغم من أن هذه المبادرة لم تشتمل على هدف القضاء على النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله المتمدد في سوريا من خلال عصابات الكبتاغون على سبيل المثال لا الحصر، إلا أنها دعمت ذلك المبدأ بكل تأكيد.

رداً على عودة النظام السوري للجامعة العربية، تقدم أعضاء في مجلس النواب الأميركي بقانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، والذي سعى للحد من الثغرات أو سدها بالنسبة للإعفاءات التي تعمل على تمكين الدعم الأميركي لمبادرات تشبه خطة الطاقة بين الأردن ومصر. ولكن ما يزال مشروع القانون هذا بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ، ثم إنه تحول إلى مثار جدل كبير بين المنظمات الإغاثية التي يقلقها أمر الضرر البالغ الذي يخلفه هذا القانون على الأمور الإنسانية، وبين المنظمات السورية الأميركية التي تطالب بمحاسبة الأسد على جرائمه.

زيادة تهريب الكبتاغون والغارات الأردنية

عقب اجتماع افتتاحي أقيم في القاهرة خلال شهر آب الماضي، أجهضت لجنة الاتصال الوزارية بسبب استمرار تدفق الكبتاغون مما أجبر الأردن على اتخاذ مزيد من الإجراءات العسكرية. إذ بنهاية شهر أيلول، كانت قوات المملكة قد أسقطت أربع مسيرات قادمة من مناطق سيطرة النظام، وشنت غارات جوية على مصانع إنتاج المخدرات بالقرب من قرية حدودية سورية تعرف باسم أم الرمان. ورداً على ذلك، اعترف وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، على العلن بأن عمليات تهريب المخدرات لم تزدد إلا في السنوات التي بدأت فيها عمان محادثات حول التطبيع. وقد زادت تلك العمليات بنسبة كبيرة خلال الشهور التي أعقبت ذلك، بما أن الضباب الذي ينتشر مع بداية الشتاء يساعد المهربين على تفادي الدوريات والكاميرات على الحدود.

في 17 من كانون الثاني، أسفرت غارة جوية أردنية على مستودعات للمخدرات في محافظة السويداء السورية عن مقتل عشرة مدنيين، ما أدى إلى نشوب حرب كلامية علنية غير مسبوقة بين دمشق وعمان، إذ أعربت وزارة خارجية النظام عن "حالة صدمة ومفاجأة" بسبب الغارات "غير المبررة" واتهمت عمان بغض الطرف عن تعامل النظام المفترض مع مشكلات التهريب وأمن الحدود، كما ذكرت الوزارة بأن الأردن سمح في السابق "لإرهابيين" بالعبور إلى سوريا، إذ تلك هي الكلمة المشفرة التي يستخدمها النظام للإشارة إلى عناصر المعارضة المسلحة خلال الحرب السورية. ورداً على ذلك، أكد وزير الخارجية الأردني بأن المخدرات والأسلحة التي يجري تهريبها من سوريا تشكل خطراً على الأمن القومي للمملكة الأردنية، وقال إن دمشق لم تقم بأي إجراء للقضاء على تلك المشكلات على الرغم من حصولها على معلومات استخبارية مفصلة من عمان (مثل أسماء مهربين معروفين ومن يدعمهم، ومواقع معامل التصنيع والتخزين، وخرائط تبين طرق التهريب).

عموماً، شن الأردن ما لا يقل عن ثماني غارات جوية ومدفعية على جنوبي سوريا منذ أواخر شهر آب فحسب، كما تورطت القوات الأردنية في عدد من الاشتباكات الكبرى على الحدود مع مهربي المخدرات الذين يمكن أن تصل فرق المداهمة لديهم إلى نحو 400 مسلح. وخلال الفترة عينها، أعلن نظام الأسد عن ضبطه لسبع شحنات من المخدرات، وهذا الرقم تافه مقارنة بالزيادة الكبيرة في عمليات التهريب، والتي أصبحت تعتمد اليوم على سلسلة كبيرة من الأساليب لتجنب من يعترضها (وأهم تلك التكتيكات الاستعانة بأسراب الحمام الزاجل).

تهريب السلاح

مما زاد قلق السلطات الأردنية زيادة الأسلحة المهربة من سوريا التي ضبطتها، وذلك لأن أي سلاح يتسرب عبر الحدود يمكن أن يستخدم في الداخل أو أن ينقل إلى الضفة الغربية بما يزيد أوار التوتر بين إسرائيل والشعب الفلسطيني في خضم الحرب الدائرة ضد حماس.

خلال هذا الأسبوع، كشفت مصادر أردنية عن الدور الذي تلعبه إيران بكل وضوح في تسهيل عمليات تهريب الأسلحة، ومع تردد أنباء حول ضبط مخبأ للأسلحة في شهر آذار الماضي، أعلنت المصادر بأن الأسلحة مرسلة من ميليشيات مدعومة إيرانياً في سوريا إلى خلية مرتبطة بحماس في الأردن. وهذه التفاصيل قد تفيد بأن عمان لم تعد قادرة على الالتزام بالصمت الحذر حيال التواطؤ الإيراني في سلسلة التهديدات القادمة من سوريا.

آخر الشهقات الدبلوماسية

بالأصل، خطط الدبلوماسيون العرب لمعالجة التصعيد في الاجتماع الثاني للجنة الاتصال الوزارية الذي عقد في 7 من آذار الماضي، إلا أن هذا الاجتماع ألغي بعد فشل دمشق في تقديم إجابات عن التساؤلات التي طرحتها اللجنة حول الكبتاغون وقضايا أخرى. وبدلاً من ذلك، أرسل النظام وزير الخارجية فيصل المقداد إلى الرياض لمعالجة تلك القضايا شخصياً عبر محادثات مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ومؤخراً عين النظام أيمن سوسان سفيراً للنظام السوري في السعودية.

حدد موعد آخر للاجتماع الوزاري في الثامن من أيار بمدينة بغداد، إلا أن فشل النظام السوري مرة أخرى في تقديم رد خطي على تساؤلات اللجنة، ما دفع المسؤولين لإلغاء الاجتماع بناء على طلب من عمّان. وفي 13 من أيار الجاري، التقى مقداد بالصفدي مباشرة، بيد أن التصريح الأردني الذي تلا ذلك اللقاء أشار إلى عدم حدوث أي تطور بالنسبة لطلبات اللجنة وتساؤلاتها القديمة.

توصيات بشأن السياسة

بصرف النظر عما ستتكشف عنه قمة المنامة، أثبت نظام الأسد بأن الحوافز الإيجابية لن تغير سلوكه فيما يتصل بالاتجار بالكبتاغون وتهريب السلاح وغير ذلك من الأخطار، فهذه المشكلة ما تزال قائمة حتى عندما سُمح لدمشق بمتابعة قناة التواصل الدبلوماسي المفضلة لديها والتي تعتمد على العمل من أعلى إلى أسفل وذلك عند تعاملها مع الرياض، بدل الاستجابة للنهج القائم على الشروط التي وضعها الأردن.

ينبغي على إدارة بايدن الاستعانة بأدلة كثيرة لتؤيد هذه النتيجة التي خلصت إلى ثني الشركاء العرب عن عزمهم على مواصلة المضي في طريق التطبيع مع الأسد، بدلاً من مساعدتهم على الخروج باستراتيجية مشتركة فعالة لمحاربة إنتاج الكبتاغون والاتجار به، إلى جانب قضايا شائكة أخرى.

في واشنطن، من المقرر أن تنتهي صلاحية عقوبات قيصر في شهر كانون الأول، في حين أن قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد ما يزال ينتظر البت بأمره في مجلس الشيوخ بعد موافقة مجلس النواب عليه بأغلبية ساحقة في شباط الماضي. وقد اعتزمت الإدارة الجمهورية لمجلس النواب الأميركي أن تدرج مشروع القانون ضمن حزمة عقوبات مكملة وقع عليها بايدن في 24 من نيسان، إلا أن الإدارة الديمقراطية لمجلس النواب حذفت القانون على ما يبدو بطلب من البيت الأبيض وذلك لتفادي تعقيد ما يجري حالياً مع سعي مستمر للتوصل إلى صفقة دبلوماسية كبرى مع السعودية. ولكن، في اعتراف صريح بتزايد مشكلة التهريب، أدرج نص من قانون منع تهريب مادة الكبتاغون غير المشروعة لعام 2023 ضمن تلك الحزمة الإضافية.

وبالمضي قدماً في هذا الملف، ينبغي على صناع السياسة الأميركية القيام بما يلزم لتمديد قانون قيصر حتى التاريخ المقترح لقانون مناهضة التطبيع في عام 2023. وفي حال عدم حدوث أي تغيير غير متوقع في سلوك الأسد، يجب عليهم سد كل الثغرات التي تتيح إعادة فتح خط الغاز العربي الذي يمر عبر سوريا.

وفي الوقت ذاته، يجب على الكونغرس أن يتمتع بحساسية ليواصل أنشطته الساعية إلى خفض مستوى المخاطر وذلك من خلال المصارف التي تتجنب التعامل مع المنظمات غير الحكومية التي تقدم مساعدات لسوريا، وذلك خوفاً من خرق العقوبات الأميركية. وهذا يعني التفكير بطريقة أكثر إبداعية حيال العقوبات، لتشمل إمكانية إقامة "قناة بيضاء" لتمرير المساعدات بحيث تؤسس تلك القناة لآلية دفع أموال مخصصة لخبراء مجازين متخصصين بالشأن السوري، مع تجنب تلاعب نظام الأسد. وما تزال فكرة الخروج بقانون قيصر أذكى ويمتد لفترة أطول أفضل وسيلة لممارسة الضغط اللازم من أجل المضي قدماً في سبيل التوصل لحل قابل للتطبيق بالنسبة للحرب السورية.

المصدر: The Washington Institute for Near East Policy