بعد الخسائر الفادحة.. هل سيعمل بوتين على تفعيل منظمة الأمن الجماعي؟

2022.12.28 | 07:03 دمشق

بعد الخسائر الفادحة.. هل سيعمل بوتين على تفعيل منظمة الأمن الجماعي؟
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب الحرب الأوكرانية من إتمام شهرها العاشر ووجود الحقيقة التي تقول إن بوتين والقيادة الروسية ورغم استمرار حربهم الدامية المكلفة تلك، فلايزال طموح إعادة أمجاد الإمبراطورية القيصرية وقوة الاتحاد السوفييتي السابق التي انهارت وتفككت في تسعينيات القرن الماضي يراود أحلام بوتين، ولا يزال هذا القيصر في حربه الضروس تلك يحاول جاهدا وبشتى الطرق والأساليب السياسية والميدانية أن يكون قطبا دوليا، يستطيع معه الوقوف في وجه أهداف واستراتيجيات واشنطن والغرب، والعمل على امتلاك القدرة لفرملة ووقف زحف الناتو باتجاه ملاعبه الخلفية، _هذا الزحف_ الذي بات وكما يقول إنه يهدد سلامة جغرافيته وأمن بلاده القومي، وعليه فقد لمسنا أن "موسكو" قامت في السنوات الأخيرة الماضية باللجوء إلى إظهار واستعراض قوتها، وإبراز دور ترساناتها العسكرية في مناطق عديدة وذلك بهدف فرض أجندتها ورؤيتها، وإرسال رسائل للعالم بأسره بأنها وريثة الإمبراطورية السوفييتية وقوة نووية عظمى لا يمكن تجاوزها، أو الانتقاص من قدرها وقدراتها والاستهانة بها بأي شكل من الأشكال، ولذلك فقد قامت القيادة الروسية بتحركات وإجراءات عملية عديدة لإيجاد مواطئ أقدام لها ونشر قواعدها العسكرية في العديد من بلدان العالم (كأبخازيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وترانسنيستريا وطاجيكستان وأوسيتيا الجنوبية وسوريا وليبيا والسودان) ودول إفريقية أخرى.

لا شك بأن موسكو في غزوها لأوكرانيا قد استخدمت غالبية أسلحتها التقليدية الحديثة، وزجتها في ميادين المعارك وعلى جبهاتها المتعددة، بهدف تحقيق الأهداف التي حددها الرئيس بوتين لعمليته الخاصة (الخاطفة)، ولكن ومع اقتراب المعارك من إتمام عامها الأول ومع كل التدمير الذي قامت به صواريخ "كاليبر" وطائرات "السوخوي" بأنواعها وحوامات "الكاموف 52" وغيرها من الأسلحة واستهدافها للبنى التحتية الأوكرانية ومحطات المياه والغاز للضغط على الشعب الأوكراني. وحسبما تشير كل الدلائل والوقائع الميدانية على الأرض أن القيادة العسكرية الروسية قد أخطأت كثيرا في تقديراتها للمواقف القتالية والميدانية، وقوة الجيش الأوكراني ومدى انضباطه والتفافه مع الشعب حول قيادته السياسية، ناهيك عن عدم إجراء الحسابات الدقيقة بأن الغرب وواشنطن وبطرق ضغط مختلفة (العقوبات الدولية والتضييق على موسكو، تزويد كييف بكل احتياجاتها المادية والتسليحية) لن يسمحوا لبوتين من إحراز نصر سهل وسريع وغير مكلف كما يشتهي له أن يكون..!

سيبقى "الكرملين" يعاني من شبح وخطر حلف "الناتو" الزاحف باتجاهه من الضفة الشرقية، ولعل" أوكرانيا" المثال الأقرب على ذلك  

منظمة دول الأمن الجماعي الست:

دول الاتحاد السوفييتي السابق (أرمينيا، روسيا البيضاء، كازاخستان،، قرغيزستان، طاجاكيستان) والتي من حيث الرؤية والتفكير الاستراتيجي الروسي تعد بعد انفراط عقد حلف "وارسو" الحدائق الخلفية الأهم لأراضيها وحدودها، ولذلك قامت موسكو في عام 1992 م بإنشاء حلف عسكري جديد تسيطر عليه وتتسيده وتقوده يضم الدول الست المذكورة أعلاه حيث سمّت هذا الحلف بـ "معاهدة الأمن الجماعي" الدفاع المشترك "CSTO" ولاشك أن "موسكو" بادرت مسرعة لإقامة هذا الحلف بعد خشيتها من فقدان السيطرة على هذه البلدان، وانفراط عقدها الحاليّ، وبالتالي سيبقى "الكرملين" يعاني من شبح وخطر حلف "الناتو" الزاحف باتجاهه من الضفة الشرقية، ولعل "أوكرانيا" المثال الأقرب على ذلك بعد أن باتت "كييف" ورقة ضغط كبيرة بيد الغرب، ولا يريد القادة الروس من الدول الأخرى في هذا الحلف المُنْشأْ أن تكون كذلك.

في الواقع فإن الكرملين وبسبب الغزو لأوكرانيا (العملية الخاصة)، بات جيشه يعاني من كثرة الخسائر المادية والبشرية الفادحة، والنقصان الكبير في مخزونات الأسلحة والذخائر، بل وبات هذا الجيش في كل يوم يغوص أكثر وأكثر في مستنقع استنزاف دامي قد تطول معاركه دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي رسمها وحددها "بوتين" في بداية الغزو، ولذلك لمسنا اضطرار "موسكو" ونتيجة لكل ذلك بالقيام بإجراءات التعبئة الجزئية لـ 300 ألف من جنود الاحتياط لديها، ولوحت مرارا وتكرارا بالنووي التكتيكي، واستقدام المرتزقة من "فاغنر" وغيرها من الدول، ومنحها الجنسيات الروسية لمن يقاتل إلى جانب قواتها... إلخ، بل ونتابع الآن كيف بات "بوتين" وهو قائد الدولة العظمى يمد يد الحاجة لإيران لتزويد جيشه بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة. الانتحارية، بهدف سد العجز الذي باتت تعاني منه قواته ومستودعات ومخازن سلاحه الاستراتيجية.

كل الاحتمالات بتوسع دائرة الصراع واردة مع تعنت "بوتين" الشديد وإصراره على ضم ما احتله من مناطق أوكرانية

عملياً ومع غضب "بوتين" وتخبطه وكثرة وفداحة خسائر قوات بلاده على الجغرافيا الأوكرانية، ومع استمرار تدفق الأسلحة الغربية الحديثة والمتطورة للجيش الأوكراني، تزداد المخاوف الدولية َمن أن يكون هذا سببا في توسع دائرة الحرب، ودخول دول أخرى في إوارها، وخاصة إذا توج هذا باتخاذ إجراءات وقرارات مفاجئة وغير مقدرة أو محسوبة النتائج بالشكل الأمثل من كل الأطراف التي لها بشكل أو آخر يد أو ضلع في استمراريتها حتى الآن. فـ"بوتين" وكما هو معروف عنه عناده وعدم تقبله للهزائم، ولتحقيق أهدافه أو بعض منها فمن الممكن أن يلجأ إلى استخدام "المحرمات" أو حتى تفعيل اتفاقية "الدفاع المشترك والأمن الجماعي" مع دول جواره الست وإدخالهم في معادلة الحرب، وبالتالي ولادة إمكانية نشوب صراع دولي قابلاً للانفلات والتمدد، ولا شك أن مثل هذا الأمر قد تم بشكل أو بآخر منذ بدايات الحرب مع بيلاروسيا التي انطلقت منها أرتال بوتين بل ولا تزال توجد على أراضيها قوات مقاتلة روسية، وقبل يومين فقط أجرت هذه القوات على الأراضي البلاروسية بالاشتراك مع قوات "مينيسك" مناورات مشتركة على مقربة من الحدود الشمالية الأوكرانية .إذا فلا شك أن كل الاحتمالات بتوسع دائرة الصراع واردة مع تعنت "بوتين" الشديد وإصراره على ضم ما احتله من مناطق أوكرانية (لوغانسك، دونيتسك، خيرسون، زباروجيا)، يقابله  في الطرف الآخر عدم قبول الرئيس" زيلينسكي" الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا بعد تنفيذ القوات الروسية الانسحاب الكامل  وغير المشروط من كل الأراضي الأوكرانية المحتلة والذي تم بعد 24 شباط 2022.

ختاما... في الأشهر الأخيرة من المعارك، فلاشك أن هناك تحولا ميدانيا لافتا قد جرى لصالح "كييف" بعد قيام الجيش الأوكراني بهجماته المعاكسة الناجحة والتي أجبرت القوات الروسية بشكل أو آخر على الانسحاب من مدينة "خيرسون" جنوبا وخسارتها لمئات المناطق في محيط "خاركييف" شرقا، وبالتالي طفت على السطح وبغض النظر عن الدوافع التي أجبرت "بوتين" التخلي عن "خيرسون" وأهدافه من ذلك، ولكن هناك نتيجة واضحة للعيان يمكن استخلاصها من هذا التحول، مفادها أن الرئيس الروسي أصبح في مأزق كبير مستمر في أوكرانيا وبشكل يصعب الخروج منه بأقل الأضرار، وخاصة مع مرور الوقت أكثر ولذلك فاحتمالات توسيع بوتين لحربه وإدخال حلفاء فيها أمر وارد، أما "كييف" فليس لديها الشيء الكثير والمزيد لخسرانه في هذه الحرب وليس لها وبالدعم الغربي المتواصل إلا أن تقاتل من أجل الحفاظ على استمراريتها ووجودها كدولة للتخلص من التغول الروسي والجنوح لاحقا باتجاه الغرب وحلف الناتو.