بعد أن تاه في السراديب.. "كسر عضم 2" ينهض من جديد

2024.03.25 | 05:39 دمشق

آخر تحديث: 25.03.2024 | 05:39 دمشق

53245234
+A
حجم الخط
-A

لا يمكن لأي متابع للسباق الدرامي الرمضاني هذا الموسم إلا أن يتوقّف مليّاً عند ما سمّاه متابعون "كبوة" الجزء الثاني من كسر عضم - السراديب، من تأليف هلال الأحمد ورند حديد وإخراج كنان إسكندراني، والذي كان ترك ضجيجاً هائلاً لدى عرض جزئه الأول في الموسم الرمضاني لعام 2022، بتوقيع المخرجة رشا شربتجي، فالجزء الذي بدأ رتيباً، بعد تشويق كبير لمتابعيه، بدا للحظة أن خيوط اللعبة تنسلّ من بين أصابعه بعد الحلقات الأولى منه، الأمر الذي دفع متابعيه للوقوع في مطبّ "خيبات الأمل"، والسبب المرجّح لذلك هو غياب معظم أبطال الجزء الأول عنه فيما عدا "فايز قزق، وكرم الشعراني، وولاء عزّام" مع دخول نخبة جديدة من النجوم لعل أبرزهم كان رشيد عسّاف الذي يلعب دور العميد كنعان الصايغ.

تدور أحداث الجزء الثاني في سراديب أجهزة الأمن السورية والتي يعرفها أو سمع عنها على الأقلّ كلّ سوري، وسط صراع مافيوي أمني - أمني لعلّه الأوّل من نوعه، مناصب ورتبٌ ونجوم تتستّر على ممارسات عملاقة من الفساد والجريمة، البشر أرقام كما يقول أحد المعتقلين في أقبية أحد الفروع، والقتل سهل لا تردعه أي منظومة قيم، لتتحوّل الجريمة والفساد والقتل إلى منظومة أخلاقية بحدّ ذاتها يضطر معها الخيّر إلى اللجوء إليها.

يحدث ذلك كلّه بين مجتمع مفكّك تحكم رزقه "البطاقة الذكية" ويشرف على تنظيمه مجرمون سابقون يتاجرون بقوت الشعب ويتحدّثون الإسبانية تيمّناً بـ "بابلو أوسكوبار" ومحامون وقضاة فاسدون، ومعلمون يتحرشّون جنسياً بطالباتهم المراهقات، وإناث لاهيات بعرض أجسادهن على تطبيق "تيكتوك" لجني الأرباح، وأبناء ضباط مسؤولين يُبَرِّئون من جرائم القتل بجرّة قلم، ومعتقلون يتم استخدامهم في معارك فروع الأمن ضد فروع الأمن الأخرى وتصويرهم على أنهم إرهابيون على الإعلام الوطني، وصحفيون يكتبون منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي فيعتقلون ويغيّبون..!

"العمل يشوّه صورة الضابط السوري" يصيح أحد الموالين للنظام في سوريا، بينما يصرخ معارض في الطرف الآخر: "العمل يلمّع النظام ويظهره على أنه يعمل على تنظيف البلد من الفساد".

وأمام هذا الصراع الإيديولوجي اجتذب "كسر عضم - السراديب" الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي، فكلا الفريقين يهاجم العمل كلٌّ من زاويته الإيديولوجية والسياسية، إلا أن كلا الفريقين يتفقان على بطء الإيقاع في المسلسل، وحضور بدا باهتاً في الحلقات الأولى، بالرغم من أن الحلقة الأولى تضمّنت تسليم المقدم إبراهيم (يلعب دوره أحمد الأحمد) هوية أحد المعتقلين لأمّه ويطلب إليها أن توفيه في دائرة النفوس كدلالة على مقتله تحت التعذيب، وهي فكرة تطرح للمرة الأولى في الدراما، رغم ذلك كثيرون تبنوا فكرة أن الجزء الثاني يتكئ على نجاح الجزء الأول.

وأمام كلّ هذا وذاك، وبعد إرهاصاتٍ جدلية، يطلّ عبد المنعم عمايري، والذي يلعب دور أبو مصطفى حمزة الغاوي، بأداء وصف بالأسطوري وخاصة بعد مشهد اعتقاله ومحاولة انتزاع معلومات منه، وذلك قبل أن يتم إحضار طفله البالغ من العمر 5 سنوات فقط وإردائه قتيلا برصاصة أمام عينيه، وأبو مصطفى هو ضابط رفيع ضمن منظومة الفساد، يحتفظ بملفات خطيرة كان أودعها لديه "أبو رولا" في مسلسل تصفية ضخم تقوم به يدٌ خفية في النظام، وابتدأ بتفجير أحد المسؤولين في حفلة عيد ميلاده وصولاً إلى أبو رولا مروراً بأبو زياد وأبو أدهم وصولاً إلى أبو مصطفى حمزة الغاوي، الذي يستطيع أخيراً أن يلتجئ إلى قريته ويتحصن بفيلا خاصة به، قبل أن يتمكن العميد كنعان بمساعدة هيثم أبو مريم بالوصول إليه واعتقاله، ومحاولة معرفة مكان الملفات المهمة.

 

 

وبذلك ينذر مشهد عمايري، وجلّ ما تضمنته الحلقات 11-12-13 (وهي الحلقات المعروضة حتى كتابة هذه المادة) ينذر بنهضة جديدة للعمل والذي فيما يبدو أن يسير باتجاه حالة أعلى من جرعات التشويق والإثارة، خصوصاً إلى جهة فرادة وجِدّة الزوايا الملتقطة في الحلقات الأخيرة، لعلّ أبرزها إلى جانب مشهد عمايري الأسطوري، كان مشهد تصوير المعتقلين الذين استخدمهم المقدم إبراهيم في الهجوم وقتلوا جميعاً، على أنهم إرهابيون كان يهاجمون فيلا أبو مصطفى وبأنه قضى في هذا الهجوم على الإعلام الرسمي، في صورة تعيد للأذهان إحدى الروايات المتداولة شعبياً عن لغز وفاة اللواء رستم غزالة عندما لجأ إلى قريته (قرفا بريف درعا) واحتمى فيها خوفاً، بعد أن علم أن تصفيته حانت لا محالة، ليتعرض لهجوم من عناصر شعبة الأمن السياسي التي تتبع للواء رفيق شحادة.

وبذلك يعود كسر عضم السراديب إلى حلبات المنافسة القوية في الموسم الرمضاني، بثلاث حلقات كانت هي الأقوى حتى الآن على عكس السائد في باقي الأعمال، فمن المعروف لدى المتابع لدراما رمضان أنها تتميز بالرشاقة والتشويق في الحلقات العشر الأولى لتبدأ رحلة المطمطة والتكرار في العشر الثانية، لتعود وتأخذ منحىً تصاعدياً في العشر الأخيرة، وهذا ما بدا أن كسر عضم السراديب يسير بعكس التيار السائد، ومن المتوقع –إن كان الأمر كذلك- أن تؤسس نهضة الحلقتين 11 و 12 إلى قفزات في الحلقات المقبلة.