icon
التغطية الحية

باحثة سورية - أميركية: قصص السجون السورية جعلتني أقوى أمام الانتهاكات في أميركا

2024.05.17 | 16:00 دمشق

لافتة لجامعة ولاية أوهايو - المصدر: الإنترنت
لافتة لجامعة ولاية أوهايو - المصدر: إنترنت
The Columbus Dispatch- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كتبت سمية حمدمد وهي باحثة لدى جامعة ولاية أوهايو من قسم طب العيون وعلوم البصريات لدى كلية الطب عن تجربتها مع السجن لمدة 12 ساعة في الولايات المتحدة فحدثتنا عن ذلك بقولها:

"في كل مرة تطأ قدمي أرض حرم جامعة ولاية أوهايو، أسترجع ذكرياتي مع الذل في السجن في ذلك اليوم المروع الذي صادف الخامس والعشرين من شهر نيسان".

ثمة سؤال يخطر ببالي على الدوام وهو: هل هذا هو المكان ذاته الذي اخترته كملجأ هرباً من الديكتاتورية قبل 24 عاماً.

كان صباحاً جميلاً ومشمساً، وهذا صباح نادر في أوهايو في ذلك الوقت من السنة، وكنت أستمتع بشمس ذلك اليوم في المنطقة البيضاوية، حيث يتجمع الطلاب ليتحدثوا ويستريحوا ولينعموا بنور الشمس وليتجمعوا أو ليناموا.. أياً يكن.

"تلك هي القوانين"

كنت أجلس على العشب وأتحدث إلى صديقة عندما اقترب ضابط شرطة منا وأمرنا بالمغادرة، سألته بارتباك عن السبب، فأجاب: "تلك هي القوانين"، فكان ردي له أني أعمل هنا، وأعرف القوانين جيداً، وأحترمها دوماً، وبأني لم أسمع بحياتي عن قانون كهذا، ولهذا طلبت منه أن يوضح لي الأمر، فجاء رده بأننا أنا وصديقتي نحاول العودة وهو يريد أن يفرق الجمع، فأخبرته أني وصلت إلى توي، ولم أشارك قبل وصولي في أي تجمع أو حشد، وإذا كان شخصان يشكلان تجمعاً، فسأبتعد عن صديقتي وسأجلس وحدي.

غادرنا الضابط، ثم عاد برفقة 17 ضابطاً من رجال الشرطة الذين أصروا علي حتى أخلي المنطقة.

وبما أني مهاجرة سورية، لذا فإنني أحمل على كاهلي ذكريات ترهقني عن الديكتاتورية، فقد عشت في ظلها، ثم نزحت بسببها، وخسرت أهلي بسبب وحشيتها، قبل أن أختار السفر إلى الولايات المتحدة لأدرس فيها قبل 24 عاماً.

السورية-الأميركية سمية حمدمد
السورية-الأميركية سمية حمدمد

اخترت ارتياد مؤسسة تعليمية عليا في الولايات المتحدة لأنها تجسد القيم المناهضة للديكتاتورية، إلى جانب حرية الفكر والتعبير والحقوق الدينية وحكم القانون والتفكير النقدي، ومقاومة القمع سواء الديني أو السياسي.

كان ذلك هو الحلم الأميركي بالنسبة لي، لأنني لم أكن أعتبر تلك القيم أمراً مفروغاً منه.

فسحة للتغيير

بعد وصولي إلى الولايات المتحدة، نذرت نفسي للدفاع عن تلك القيم عبر المناصرة، فقد كان مفهوم المناصرة غريباً علي قبل وصولي إلى الولايات المتحدة، لكنها أصبحت هدفي بعد إقامتي هنا.

وفي جامعة ولاية أوهايو انضممت إلى اللجنة الاستشارية لدى كوادر الجامعة لمناصرة حقوق الموظفين، وترأست مبادرات مثل مبادرة العلماء المسلمين ومبادرة السلام لمجموعات موارد الموظفين، ووقفت ضد الرقابة والتمييز، وسعيت من أجل مزيد من التسهيلات الدينية في المكان الذي يتعلم فيه أطفالي، ودافعت عن حقوق الشعب السوري في الديمقراطية داخل أروقة الكونغرس.

كانت مناصرة الحقوق الأساسية الأميركية ترياقاً للديكتاتورية بنظري، ولهذا أصبحت رسالتي في الحياة الدفاع عن تلك القيم.

لكني كنت أعرف بأن أميركا ما تزال مشروعاً قيد التنفيذ، فلقد اختبرت سياستها الخارجية، وكانت تصل إلي على الدوام انتقادات من أهلي في الشرق الأوسط لدفاعي عن أميركا، بيد أني كنت أدرك دوماً بأن أميركا قد لا تكون كاملة، ولكن فيها فسحة للتغيير على الدوام، أي لتتحسن أو تسوء فيها الأمور.

وهذا ما خطر ببالي في 25 نيسان عندما طلب مني ضابط الشرطة المغادرة، إذ كنت أدافع عن القيم نفسها التي جذبتني لهذا البلد، ولا أريد لأميركا أن تقع في فخ الديكتاتورية لأنها تمثل ما تبقى لي من أمل في وجه الاستبداد، وهذا ما دفعني لأن أرد على الضابط بالقول: "أريد أن ألتزم بالأوامر حقاً، لكني أرى فيك ديكتاتوراً سورياً الآن".

كابوس امتد لاثنتي عشرة ساعة

بدلاً من التعاطف، قابلوني بالأصفاد وباتهامي بأني أتعدى على حقوق الآخرين، وكانت الساعات الاثنتا عشرة التالية التي قضيتها في السجن أشبه بكابوس، إذ انتهكت جميع حقوقي الدينية، حيث نزعوا حجابي، وجردوني من ثيابي وفتشوني أمام أعين الضباط، وحرموني من وجبة الإفطار بما أني كنت صائمة يومئذ، واستخدمت مناديل الحمام لأصلي عليها، وأحجمت عن التبول أو التبرز لمدة 12 ساعة لأني لا أريد أن أفعل ذلك أمام عشرة أشخاص محتجزين في الزنزانة نفسها، كما حرموني من حق استخدام الهاتف لإبلاغ أهلي عما جرى لي، ولأطلب من أحدهم أن يأتي بأطفالي من المدرسة، والقائمة تطول.

بيد أن الشيء الوحيد الذي أبقاني قوية هو للأسف ما قرأته من قصص مرعبة عن السجون السورية، فبقيت أقول لنفسي: "يمكن أن يتصرفوا معي بطريقة أسوأ"، وتمسكت بالمفارقة القاسية لتلك الفكرة.

بقيت فكرة أخرى تراودني طوال الوقت، وهي أني عرفت بأن 40 طالباً من الجامعة نفسها كانوا في طريقهم إلى السجن، ولذا سيتعرضون للمحنة ذاتها التي أعيشها، لكن أحداً منهم لم يقرأ عن قصص السجون السورية، لذا كيف سيكون واحدهم قوياً في مواجهة كل هذا؟

وأنا أدون هذه السطور في الذكرى السنوية لمقتل أربعة طلاب في ولاية كينت ضحوا بحياتهم من أجل أن يلتزم هذا البلد بالقيم التي يتمثلها، أكرر ما قلته أمام ضباط الشرطة الذين صفدوني وأقول: "أحب هذا البلد، ولا أريد له أن يسقط في فخ الديكتاتورية التي هربت منها قبل 24 عاماً، وأنا على استعداد لأدفع حياتي ثمناً للدفاع عن ذلك".

المصدر: The Columbus Dispatch