انهيار الليرة السورية

2019.11.26 | 14:53 دمشق

rmr2y.jpeg
+A
حجم الخط
-A

يسيطر على السوريين داخل سورية وخارجها هلع من فقدان الليرة السورية لقيمتها مقابل الدولار فقد انهارت الليرة السورية مقابل الدولار إلى أكثر من 750 ليرة مقابل الدولار بعد أن كانت قبل بدء الثورة السورية بحدود 50 ليرة للدولار الواحد. 

أقول إن الغريب هو أن الانهيار تأخر كثيرا وربما أقل مما كان متوقعا، إذ لا شيء يدعم الليرة السورية على الإطلاق ويمنعها من السقوط الحر مقابل الدولار، فاحتياطات النقد الأجنبي في المصرف المركزي السوري انهارت من 17 مليار دولار إلى أقل من 70 مليون دولار في عام 2019 وكل ذلك طبعا وفقا لتصريحات و أرقام غير رسمية فهذه تعتبر من "خفايا السيادة الوطنية"، كما أن مداخيل الميزانية السورية من ضرائب انهارت تماما إذا عَلِمنا أن أكثر من 84 بالمائة من السوريين تحت خط الفقر وفقا لتقرير الأمم المتحدة، أما مداخيل النفط السوري فهي بيد الولايات المتحدة اليوم التي ترسلها إلى قوات سوريا الديمقراطية وبالتالي أصبحت الحكومة السورية مستورداً صافياً للنفط بعد أن تصدر ما يعادل 150 ألف برميل يوميا بعد عام 2015، وبالتالي يمكن القول إن كل عائدات الخزينة السورية بالأرقام تبخرت ولا وجود لها، هذا فيما يتعلق بالشق الاقتصادي فإذا انتقلنا الآن للحديث عن الشق السياسي الذي يرغب بعضهم بالحديث عليه بوصفه "إشاعة الشائعات".

يبدو نظام الأسد اليوم وكأنه النظام الأكثر عزلة في العالم بعد هرب موراليس في بوليفيا واختيار غوايدو رئيساً شرعياً في فنزويلا وانفتاح ترمب على رئيس كوريا الشمالية، يبقى نظام الأسد اليوم وكأنه سبة العالم والأكثر عزلة سياسية لجهة فرض العقوبات الاقتصادية بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، ما يكسر عزلة نظام الأسد هو روسيا التي باتت اليوم تفكر في الأرباح أكثر من تفكيرها في مساعدة الأسد نفسه، وبالتالي فهو نظام تفرض كل دول العالم تقريبا عقوبات عليه ولا ترغب بالتعامل معه بما فيها دول جامعة الدول العربية التي لا تحكمها القيم الديمقراطية، فكيف لهذا النظام أن يتوقع أن عزلته تلك ستنتهي بين يوم وليلة، أو أن العقوبات سيَجري رفعها من أجل تحسين سعر الليرة، هذا نوع من الوهم الذي يشيعه الأسد لمؤيديه وشبيحته.

الحقيقة أن القيمة الفعلية للدولار على حساب الليرة أكبر بكثير وربما يفوق حاجز الألف ليرة، وأن السقوط الحر لليرة السورية سيستمر إذا ما بقي نظام الأسد دون أية عملية للانتقال السياسي، هل هذا يعني أن الأسد سيكترث للمصاعب الاقتصادية التي يعانيها الشعب السوري اليوم أو غدا، بالطبع لا، إنه نوع من أنظمة الإبادة التي لا يهمها ذل الشعب أو فقره أو حتى إبادته كما فعل الأسد في استخدام السلاح الكيماوي في أكثر من 53 مرة ضد المدنيين السوريين وفقا للأمم المتحدة.

وبالتالي فعلينا أن نكون واثقين أن كل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها سوريا اليوم لن تُرِفَّ جَفناً في عين الأسد فما فعله بالسوريين كان أكبر بكثير من أن تجعله يكترث لفقر السوريين أو وجعهم وآلامهم، وهذه هي المعضلة الحقيقية، فصحيح أن العقوبات تستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، لكنها وبشكل غير مباشر تؤذي السوريين وتؤلمهم وحتى المواطنين العاديين منهم الذين لم يَدعموا نظام ألأسد يوماً، لكنَّ فك عزلة الأسد أو إزالة العقوبات المفروضة عليه لن تخدمهم أيضا، فالأسد اليوم يدين بحمايته لروسيا وإيران أولا وثانيا للقيادات العسكرية والشبيحة في طائفته التي وقفت ضد خيارات الشعب السوري، وقررت الغوص في دمائه بعيداً ضد تطلعات السوريين ورغباتهم في الحرية والديمقراطية، فالأسد اليوم مدين لهم بالوفاء وبإرضائهم بكل الامتيازات التي يرغبون بها، مهما كانت هذه الامتيازات وارتفع ثمنها، فرفع العقوبات سيخدم الأسد ولن يفيد الشعب السوري بشيء، وهذه تماما معضلة الليرة السورية فمن يتأذى هو الشعب السوري، لكن تحسنها لن يفيده، بالنهاية مشكلة الليرة السورية مع الأسد وليس مع الدولار.