انعكاسات المصالحة التركية الإماراتية على سوريا

2021.12.02 | 05:36 دمشق

thumbs_b_c_c5771dfad797fe1d6733afb1c4ffc392.jpg
+A
حجم الخط
-A

عندما أطلقت تركيا عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب في منطقة عفرين شمالي سوريا عام 2018، تصدّرت الإمارات مواقف الدول العربية المُنددة بالتحرك العسكري التركي واعتبرته تهديداً لوحدة الأراضي السورية.

لم يكن الموقف الإماراتي حينذاك مُجرد بيان سياسي ضد أنقرة فحسب، إذ تحدّثت وسائل إعلام تركية رسمية عن تقديم الإمارات خلال الأعوام الثلاثة الماضية دعماً استخبارياً كبيراً للوحدات الكردية في مناطق سيطرتها، مشيرة إلى أن أبو ظبي أرسلت منذ مطلع عام 2018 عشرات من ضباط وأفراد مخابراتها وخبراء تقنيين توزعوا على مقرات الوحدات في مدينة القامشلي ومحافظتي الحسكة ودير الزور. كما تحدثت تقارير أخرى وقتها عن استثمار دولة الإمارات ما يقرب من خمسين مليون دولار أميركي في مناطق الإدارة الذاتية التي أنشأتها الوحدات الكردية.

على الرغم من أن الإمارات لم تكن طرفاً مؤثراً في الصراع السوري، إلاّ أن اهتمامها بالوجود في المناطق الخاضعة لسيطرة الوحدات كان يُنظر إليه على أنه أحد أوجه الصراع الجيوسياسي بينها وبين تركيا على امتداد الإقليم وأنّه أحد وسائل احتواء دور تركيا الذي تنامى في المنطقة بعد اندلاع الربيع العربي قبل نحو عقد. ساهم الدور الإماراتي في شمال شرقي سوريا في تأجيج حدّة الخلاف مع تركيا قبل أن يمتد ليشمل صراعاً عسكرياً بالوكالة في ليبيا بعد انخراط أنقرة عسكرياً إلى جانب حكومة الوفاق الوطني الليبي في مواجهة هجوم الجنرال خليفة حفتر على طرابلس في 2019.

كان الموقف الإماراتي الداعم للوحدات يستند بشكل رئيسي إلى تأييد المعارضة الأميركية للتحركات التركية في شمالي سوريا، حيث وجدت واشنطن مصلحة في التمويل الإماراتي لوحدات حماية الشعب من أجل تمكين إدارته الذاتية رغم ما شكّله ذلك من تقويض للجهود التركية في مكافحة هذا التنظيم الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

لم تكن الخلافات التركية الإماراتية في الملف السوري محصورة عند حدود المسألة الكردية. ففي عام 2018 أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في العاصمة السورية مُطلقة مساراً لإعادة العلاقات مع دمشق تُوّج مؤخراً بزيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إليها هذا الشهر. هذا الانفتاح أعطى بُعداً جديداً للخلافات التركية الإماراتية ونُظر إليه في وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة على أنّه مشروع عربي تقوده أبو ظبي من أجل تهميش الفاعلين الإقليميين في الصراع السوري كتركيا وإيران.

مع قرار تركيا والإمارات هذا الشهر طي مرحلة الخصومة وفتح صفحة جديدة في العلاقات، تُثار تساؤلات حول كيفية تعاطي البلدين في القضايا الإقليمية ومنها سوريا التي لا تزال إحدى نقاط الخلاف الرئيسية، حيث تتضارب مصالح الطرفين إزاء الموقف من شرعية نظام بشار الأسد وكذلك مسألة الوحدات في وقت لا توجد فيه مؤشرات حتى الآن على أن هذا التضارب قد ينتهي قريباً.

المصالحة التركية الإماراتية ترتكز على قاعدتين أساسيتين. الأولى التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة من خلال اتفاقات التعاون التي أبرمها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد خلال زيارته التاريخية إلى أنقرة بعد سنوات من القطيعة، والثانية إدارة الخلافات في القضايا الإقليمية كبديل عن المواجهة. قبيل تتويج المصالحة بزيارة الشيخ محمد بن زايد للعاصمة التركية، عُقدت لقاءات عديدة بين الجانبين التركي والإماراتي على مستوى الاستخبارات. كما أجرى مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد زيارة إلى أنقرة في أغسطس آب الماضي.

المصالحة التركية الإماراتية ترتكز على قاعدتين أساسيتين. الأولى التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة من خلال اتفاقات التعاون التي أبرمها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد خلال زيارته التاريخية إلى أنقرة

وبالنظر إلى الطبيعة الاستخبارية لهذه المحادثات، فإنه من المُرجح أنّها تناولت تطبيع المواقف في القضايا ذات البُعد الأمني ومنها المسألة السورية. ما يزال الطرفان يتجنبان الخوض في طبيعة تلك المحادثات، إلاّ أن إتمام المصالحة يُشير بالفعل إلى أنهما تمكّنا من التوصل إلى رؤية مشتركة لكيفية إدارة الخلافات في بعض القضايا المهمة لهما كـ سوريا وليبيا.

 تبدو أنقرة بطبيعة الحال متوجسة من الانفتاح الإماراتي على دمشق. رغم ذلك، لم تُعرقل هذه المسألة مسار المصالحة بين البلدين، ما يُشير إلى أن تركيا على استعداد لتفهم اختلاف الموقف الإماراتي عنها في هذا الجانب، لا سيما أن أبو ظبي سعت لتقديم هذا الانفتاح كجزء من مبادرات خارجية أخرى جديدة مُتعددة الأوجه كالانفتاح على تركيا وإيران ضمن استراتيجية جديدة ترتكز على تصفير المشكلات وتهدئة النزاعات الإقليمية مقابل منح الألوية لمعالجة التحديات الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا والتكيف مع الوضع الجديد في مجال الاقتصاد. لكنّ تركيا تبدو أكثر حساسية في المسألة الكردية ولا يُمكن أن تتسامح مع أي موقف مناهض لها لا سيما أنها ترتبط بمصالح أمن قومي لها قبل أن تكون قضية للمنافسة الجيوسياسية مع الخصوم الإقليميين والدوليين. بغض النظر عما إذا كانت الإمارات وتركيا قادرتين على إدارة الخلاف بينها في سوريا، فإن المصالحة تفرض على أبو ظبي أن تكون أكثر وضوحاً في علاقتها بالوحدات وأكثر حذراً في مقاربتها المستقبلية لها.

 في القمة التي جمعت الشيخ محمد بن زايد والرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة، تركّز النقاش العلني حول التعاون الاقتصادي والتجاري، ما يعكس رغبة البلدين في المضي بالمسار الجديد بمعزل عن الخلافات الإقليمية. لكنّ الحفاظ على هذا المسار يفرض عليهما تحصينه من تضارب المصالح الإقليمية لا سيما في سوريا. الاتفاق على إدارة الخلافات في مسائل مثل سوريا وليبيا يبدو أمراً مهماً بهذا الخصوص، لكنّه سيكون من المُجدي للطرفين تطوير هذه الآلية في المستقبل لتشمل البحث في استكشاف مدى إمكانية خلق مقاربة مشتركة لإنهاء الصراع في سوريا. كما أن تركيا تضررت بشدّة من تداعيات الأزمة السورية، فإن الإمارات كما القوى العربية الفاعلة الأخرى وجدت نفسها مهمّشة في هذا الصراع. تركيا لاعب رئيسي الآن في المعادلة السورية ولديها شريط حدودي مع سوريا يتجاوز 800 كيلومتر وأي انفتاح عربي على دمشق لن يُساعد في إنهاء هذا الصراع من دون الأخذ بعين الاعتبار دور تركيا ومصالحها في هذا البلد.

 أثبتت تجارب السنوات العشر الماضية من عمر الصراع السوري أن المنافسة الجيوسياسية الحادة بين تركيا من جهة والإمارات والسعودية ومصر من جهة أخرى عقّدت من جهود تسوية الأزمة وخلقت بيئة مناسبة لأطراف إقليمية ودولية كروسيا وإيران لزيادة نفوذها وتهميش الدورين التركي والعربي.

في الوقت الراهن، تتفق تركيا والإمارات على هدف تسوية سياسية للحرب، لكنّ لكل منهما مقاربة مختلفة لطبيعة هذه التسوية ومن أين تبدأ. فبينما تتمسك أنقرة بضرورة إحداث تغيير سياسي تدريجي كمدخل لإنهاء الصراع، تميل الإمارات والقوى العربية الأخرى إلى تبني نهج جديد يقوم على إعادة تأهيل الأسد عربياً مقابل عودتها إلى إيجاد مكان لها في المعادلة السورية. رغم ذلك فإن ما يجمع تركيا والدول العربية في سوريا هو الحد من النفوذ الإيراني. قد يبدو التقاطع مدخلاً محتملاً لتعاون تركي إماراتي يُمكن أن يتطور فيما بعد إلى تعاون تركي عربي في سوريا، لكنّه لا يزال بحاجة إلى عملية ترميم كبير لعنصر الثقة بين الطرفين.