انتفاضة السويداء على خطى الباحث علي العبد الله

2023.11.08 | 06:49 دمشق

انتفاضة السويداء على خطا الباحث علي العبدالله
+A
حجم الخط
-A

ينطوي السؤال الذي طرحه الباحث والسياسي المخضرم الصديق (علي العبد الله) في مقاله (انتفاضة السويداء إلى أين؟) بتاريخ 1/11/ 2023 في صحيفة العربي الجديد على تكثيف وبلورة ما يدور من آراء ومجادلات سلبية وإيجابية في الساحة السورية حول انتفاضة السويداء، وعلى إشارة الكاتب إلى الأصداء الواسعة التي تركتها سواء في الداخل السوري أو في العالم، وكذلك ما أثارته من أسئلة مشروعة وبعض الآراء السلبية القاطعة التي لا تقبل المراجعة والنقض ولا التعديل.

(انتفاضة السويداء إلى أين؟) سؤال مشروع وهو نقطة المركز الاستراتيجية لأي حراك ولأي بحث في حيثياته، ولكنه في الحقيقة هو سؤال إشكالي في نظر كل من يعتبرون (دروز السويداء هم السوري الآخر) لأنه لا يقود إلا إلى إجابات إشكالية عند المدافعين من أهل الانتفاضة وأنصارها ممن يرون أنه سؤال، يتجاوز على الهدف الواضح لتلك الانتفاضة والمتمثل بضرورة التغيير السياسي وإسقاط بشار الأسد، تبعاً لما تؤكده فعاليات الانتفاضة الواقعية والتي تجلت في الهتافات واللافتات وعمليات تكسير الصور والتماثيل وإخلاء المراكز البعثية وغير ذلك. وهذه كلها، لم ولن تقنع الصف الآخر تحديداً الإسلام السياسي وحواضنه ومتفرعاته المتطرفة، ليس لأنه قادم من سويداء درزية فحسب، بل لأن شعاراتها واللافتات الوطنية المرفوعة والمطالبة بالديمقراطية والعلمانية، تتناقض مع رفع الرايات الدرزية المؤكدة على الخصوصية. وهي حقيقة نظرية صحيحة ويتبعها أو يؤكدها غياب العلم الرمز الجامع للثورة وأنصارها ومختلف فعالياتها. كما أن طرح الديمقراطية والعلمانية هو استباق للحدث، لأن شكل الدولة ونظام الحكم المستقبلي رهن بالتوافق السوري في مؤتمر وطني جامع أو في برلمان يمثل السوريين كافة. أما هجوم التخوين الذي يشنه شخوص من أهل النظام ويتمظهرون بأثواب (وطنية) شفافة فهو واضح الأهداف، إذ إن معيار الوطنية عند هؤلاء التابعين وحاضنة النظام هو الولاء لبشار الأسد ولنظامه الفاسد، وهو كلام لا يستحق التعليق.

أما العلمانية فهي ملازمة للديمقراطية والعكس ليس صحيحاً، ولم يطرحها الشيخ حكمت الهجري بقصد التنظير ولا استباق الزمن، بل لإبعاد الصبغة الدينية الدرزية عن الحراك والإشارة إلى أن الانتفاضة عامة

لا خلاف في الحقائق النظرية هذه، أما التوجه إلى الديمقراطية فهو توجه مشروع سبق وتبناه ربيع دمشق وإعلان دمشق للتغيير الديمقراطي ثم تبنته ثورة الحرية والكرامة لأنه الحل الضروري والوحيد لإنهاء الاستبداد القائم وقطع الطريق على أي استبداد يتحين الفرصة للانقضاض على السلطة. كما أنه في وضعنا الراهن وحده الضامن لإنهاء التشتت وسلطات الأمر الواقع وإعادة توحيد البلاد في ظل سلطة ديمقراطية، تلتزم بالقوانين الوضعية وتكفل للمواطنين المساواة في الحقوق والواجبات بعيداً عن الانتماء الديني والعرقي والإثني (المواطن المجرد)، وإلا فستكون ديمقراطية مزورة تقوم على الأكثرية العددية كما في إيران ودولنا العربية. أما العلمانية فهي ملازمة للديمقراطية والعكس ليس صحيحاً، ولم يطرحها الشيخ حكمت الهجري بقصد التنظير ولا استباق الزمن، بل لإبعاد الصبغة الدينية الدرزية عن الحراك والإشارة إلى أن الانتفاضة عامة وتتضمن المتدنيين والليبراليين والقوميين وغيرهم، أما في تفاصيل ذلك فمن المؤكد أن البرلمان السوري وحده المخول برسم شكل الدولة وحدود علمانيتها وعلاقتها بالديمقراطية عبر صياغة الدستور الوطني التوافقي.  

إنني أثق بالغيرة الوطنية للصديق علي العبد الله وبعد نظره وبصحة مقدماته النظرية التي توصل من خلالها لأحكامه القطعية، والتي قد يفهم منها ما مؤداه: كفوا يا أهل السويداء عن هذا الحراك وعودوا إلى بيوتكم لأنه لم يؤد ولن يؤدي إلى نتيجة هامة، لأنكم أقلية عددية ومحافظتكم طرفية فقيرة، لا تلعب دوراً هاما في دورة الإنتاج ولا تؤثر في قوانين السوق ولا تؤثر على النظام، لذا فهو يستنزفكم بلعبة الوقت وينتظر الشتاء ليصطدم رأسكم بالجدار وتعودوا خاسرين ملومين. ولكني أرى في هذا كله وجهة نظر بحثية تنطوي على نوع من الاستشراف الاستعلائي، قد يخالف بعضه أو كله واقع الحال وتطورات الأحداث.

لا أدري لماذا لم تمنع رايات الدروز المرفوعة ولا بعض طروحاتهم الاستباقية الشيخ أحمد الصياصنة شيخ الجامع العمري من التواصل مع الشيخ الهجري

ثم وفي تجاوزي لآراء نظرية أخرى، يطرحها الكاتب وأرى أنها ضرورية للمراجعة والتنبيه لبعض الإشكاليات الواقعية أقول: ألم يخسر النظام في السويداء معنوياً ويُهزّأ ويجرد من حساباته الموهومة مع هذه المحافظة الضئيلة العدد والموارد ولكنها على ضعفها المتبادل مع ضعف النظام، تستطيع أن تتابع الطرق على أبواب المجتمع الدولي والمنظمات والعالم الحر مطالبة بالمساعدة في تغيير هذه النظام وإسقاط المراهنة على انتصاره النهائي والذهاب إلى تفعيل القرارات الدولية بحقه وحيث لا استقرار لسوريا ولا للمنطقة مادام النظام قائما بكابتاغونه وحماته الدوليين وفساده وكل زبانيته.

 ثمّ لا أدري لماذا لم تمنع رايات الدروز المرفوعة ولا بعض طروحاتهم الاستباقية الشيخ أحمد الصياصنة شيخ الجامع العمري من التواصل مع الشيخ الهجري، ولم تمنع أحرار سهل حوران وهم محور ثورة الحرية والكرامة ووقودها من السعي الجاد للتواصل والتنسيق مع السويداء والقنيطرة ودمشق للتشارك والدفع بفاعليات الانتفاضة وأهدافها رغم تباين الظروف..

المراجعة مسألة ضرورية للسويداء وللجميع وكذلك الإجابة على السؤال: انتفاضة السويداء إلى أين؟ يجب أن يتوجه لكل السوريين لأن مجهوله هو مجهول سوري عام والإجابة عليه ستظل إشكالية إذا لم يصنعها السوريون معاً.