اليمين السويدي في مواجهة "الجمل والصحراء"!

2024.01.24 | 05:50 دمشق

آخر تحديث: 24.01.2024 | 05:50 دمشق

اليمين السويدي في مواجهة "الجمل والصحراء"!
+A
حجم الخط
-A

نشر موقع "المركز السويدي للمعلومات" وهو مركز أخبار ومعلومات غير رسمي، أُنشِئ عام 2015م، في قسم مقالات الرأي نصاً لرسالة موجهة إلى المهاجرين في السويد، ويقول المركز إن الرسالة مأخوذة من أحد أكبر مواقع اليمين السويدي المتطرف، لكن المركز لم يذكر اسم الموقع، ولم يضع رابطاً للمقال.

هي إذاً رسالة من موقع متطرف، يميني سويدي للمهاجرين الذين يعيشون في السويد، وهي رسالة عدا عن كونها بلا أية أفكار ذات قيمة، فإنّها تنزّ عنصرية، وتنمّط المهاجرين على نحو راح ينتشر في أوساط اليمين على امتداد أوروبا، تنميطاً يحطّ من ثقافة وقيم المجتمعات التي قدموا منها، ويصورهم على أنهم النقيض لثقافة وقيم المجتمعات التي يعيشون فيها اليوم، وأنهم يتعمّدون – أي المهاجرين – تحطيم ثقافة وقيم هذه المجتمعات.  

تقول الرسالة:

"هذه الرسالة لكل من يرفض قيم السويد أو يحاول تغييرها.

عندما تأتي إلى السويد، يجب أن تكون على معرفة كاملة أن الجمل يعيش في الصحراء لا في الثلوج، وأن النخيل والتمر لا يزرع هنا في السويد، فإن كنت تعتقد أن السويد يمكن أن يعيش فيها الجمل أو يزرع فيها النخيل، فأنت واهم".

ويتابع الموقع رسالته مرتكزاً على مقاربة وحيدة، تتلخص بالجمل، والصحراء والنخيل وقيمها في مواجهة الثلج، ومناخ السويد وقيم مجتمعها فيقول:

"أحياناً نجد أنفسنا نفكر في ذلك الجمل القادم من الصحراء للعيش في ثلوج السويد، ونتساءل هل يعتقد أن كثبان الثلوج البيضاء هي كثبان الرمل السمراء، إن كان كذلك فهو بالتأكيد جمل مهاجر واهم، وسرعان ما سوف يُصدم بأن ثلوج السويد قاتلة مثل حرارة الصحراء"، ويضيف مواصلاً مخاطبة المهاجر: "عندما تعتقد أنك قادر على زرع قيم وثقافة الصحراء في السويد، أنت أيضاً واهم، فهذا الزرع لا حصاد له، ومصيره الموت دون أن يخرج منه ثمرة واحدة".

كل من يقرأ الرسالة سيدرك مغزى استعمال الجمل والصحراء فيها، وبعيداً عن هذا الترميز المقصود، فإن نص الرسالة كله لا يرى في المهاجرِ إلا نمطاً متخلفاً، جاء ليستبدل "رقيّ السويد وحضارتها" بمفاهيم الصحراء والنخيل، وأن هذا المهاجر ليس إلا واهماً يريد أن يبقى أسير وهمه، وأسير محاولاته العبثية، مفترضاً في أساس فكرته أن المهاجر لا يمكن أن يكون حاملاً لقيم وثقافة غير قيم وثقافة الصحراء والنخيل والجمل، ومتجاهلاً بطريقة تدعو للاستغراب أنه - أي المهاجر-  أضاف تنوعاً مهماً في ثقافات المجتمعات التي وفد إليها، وانخرط في سوق العمل والاقتصاد وغير ذلك من أوجه المجتمع المتعددة.

النمو المتسارع والصادم لليمين الأوروبي، وضع المقللين من تأثيره أمام مشكلة جديدة لم يتوقعوها، وبدأ الانقسام داخل هذه المجتمعات يظهر واضحاً

منذ أكثر من عقد، بدأت الكتلة الناخبة في الدول الأوروبية تنزاح ببطء باتجاه اليمين، ورغم أن هذا الانزياح لم يلقَ في البداية اهتماماً كبيراً من مثقفي وسياسي المجتمعات الأوروبية، كونه بنظرهم ضعيف التأثير، ولا أهمية له، وليس له حظ في النمو بسبب تعارض ثقافة وقيم المجتمعات الأوروبية مع ما يطرحه، لكن ما حدث ويحدث من سنوات، أكّد خطأ هذا الرأي، فالنمو المتسارع والصادم لليمين الأوروبي، وضع المقللين من تأثيره أمام مشكلة جديدة لم يتوقعوها، وبدأ الانقسام داخل هذه المجتمعات يظهر واضحاً، ليس بين المهاجرين والسكان الأصليين فحسب، بل بين السكان الأصليين أنفسهم.

صعود اليمين المتطرف لم يكن بسبب المهاجرين كما يدّعي منظّروه وقادته، فهو متعدد الأسباب، وإن تكن موجات اللجوء الضخمة الأخيرة قد هيّأت تربة مناسبة لخطابه العنصري ولصعوده،  لكن هذه الموجات ليست هي السبب الوحيد ولا الأهم، فقد ترافقت موجات اللجوء إلى أوروبا بمناخ عالمي عزّز من صعود التطرف بعد أحداث أيلول 2001م، وعزّز من انتشار أفكار اليمين، وخصوصاً بعد تغيرات عاصفة شهدتها دول كبرى مثل أميركا "ترامب" وروسيا "بوتين"،  وأيضاً صناعة "داعش"، وغير ذلك من حركات متطرفة تمت صناعتها لأهداف سياسية، وتمولها أجهزة مخابرات كبرى، وترافق هذا أيضاً مع انخفاض مستوى الرفاهية في المجتمعات الأوروبية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم جاءت جائحة "كورونا" لتلقي بظلالها الثقيلة على الوضع الاقتصادي، ولم تكد أزمة "كورونا" تهدأ قليلاً، حتى نشبت الحرب الروسية الأوكرانية، لتجد أوروبا نفسها أمام تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة.

لا يُمكن تجاهل حقيقة أن النسبة الكبرى من العاطلين عن العمل في السويد مثلاً هي من المهاجرين، لكن هذا لا يعود إلى ثقافة "الصحراء والنخيل" التي يركز عليها مقال الموقع اليميني المتطرف، بل تتحمل قوانين سوق العمل وفشل سياسة الاندماج، المسؤولية الأهم في تركّز البطالة داخل شريحة المهاجرين، وأيضاً تتحمل الممارسات التمييزية ضد المهاجرين، والتي بدأت تزداد داخل المجتمع السويدي، مسؤولية أخرى في تعزيز عزلة المهاجرين وعدم اندماجهم داخل المجتمع وداخل سوق العمل، يسبق كل هذا حقائق تتعلق بظروف المهاجرين أو اللاجئين الصعبة، وصعوبة اللغة وتغير مجمل ظروف الحياة بالنسبة لهم وخصوصاً الجيل الأول منهم، وغير ذلك من الصعوبات التي تواجههم وتجعل من إمكانية انخراطهم في المجتمع وسوق العمل مهمة شاقة.

 وفق البيانات السويدية الرسمية، فقد تم قبول أكثر من 2100 طالب سوري بالجامعات السويدية عام 2019م، مع العلم أن هذا العدد لا يتضمن السوريين الحاصلين على شهادات ثانوية سويدية، ولا السوريين الحاملين لجنسية سويدية، وفي ذلك العام أصبح الطلبة السوريون ثاني أكبر مجموعة من الطلاب الأجانب بعد الفنلنديين، وفي عام 2022م، تصدّر الطلبة السوريون وأصبحوا أكثر الطلاب لجالية مهاجرة يدرسون في جامعات سويدية، كما أن نسبة كبيرة من المهاجرين انخرطوا في سوق العمل، وأصبحوا من دافعي الضرائب، ونجحوا في أعمالهم.

لا يُمكن لخطاب عصبوي، عنصري متطرف أن يجد حلاً لمشكلة تزداد يوماً بعد يوم، وتضع أوروبا أمام تحدٍ بالغ الصعوبة

إن محاولة اليمين المتطرف تحميل مسؤولية السياسات الخاطئة، وتدني مستوى الرفاهية على شماعة المهاجرين سوف يؤدي إلى مشاكل كثيرة، وخطيرة، أهمها أنها سوف تهدد بنية النسيج الاجتماعي في تلك البلدان، وأنها قد تودي إلى تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية في مجتمعات يُشكّل المهاجرون جزءاً لا يمكن الاستهانة به، ففي السويد ذاتها وصلت نسبة المهاجرين إلى خمس عدد السكان، وخطاب اليمين يزيد من شعور المهاجرين بالقلق.

لا يُمكن لخطاب عصبوي، عنصري متطرف أن يجد حلاً لمشكلة تزداد يوماً بعد يوم، وتضع أوروبا أمام تحدٍ بالغ الصعوبة، سيما وأنها مترافقة مع ظرف دولي شديد التعقيد والخطورة، ينفتح على احتمالات حرب واسعة، فهذا التحدي يحتاج أول ما يحتاج إلى مجتمعات متماسكة، قوية تدير مشاكلها بمسؤولية ووعي.