icon
التغطية الحية

الولايات المتحدة تسعى لإجلاء أسرة أميركية من مخيمات سورية

2023.09.12 | 19:08 دمشق

مخيم الروج في سوريا
مخيم الروج في سوريا
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تعمل وزارة الخارجية الأميركية على إجلاء أسرة أميركية مؤلفة من عشرة أفراد بعدما تقطعت بهم السبل في سوريا، لكونهم من بين الآلاف الذين حُبسوا في مخيمات ومراكز احتجاز أقيمت في البادية السورية وذلك بعد الحرب التي أطاحت بتنظيم الدولة.

وعملية الإجلاء هذه ستجعل من تلك الأسرة أكبر مجموعة تنتقل من شمال شرقي سوريا إلى الولايات المتحدة، بعد احتجازها على يد ميليشيا كردية. وفي هذا السياق، يُذكر أن الحكومة الأميركية أجلت 40 مواطناً أميركياً منذ عام 2016 بينهم 25 طفلاً و15 راشداً، وذلك بحسب أرقام وزارة الخارجية.

مشكلة مستفحلة

تتألف هذه الأسرة الأميركية من براندي سلمان، 49 عاماً، وأبنائها التسعة الذين تتراوح أعمارهم ما بين ست سنوات و25 سنة، وتبين بأنهم جميعاً ولدوا في الولايات المتحدة. أما زوجها الذي تعود أصوله لتركيا، فقد انتقل معها برفقة الأولاد إلى أراضي تحت سيطرة تنظيم الدولة في عام 2016 ثم قتل بعد ذلك على ما يبدو.

يذكر أن مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا تضم عائلات لمقاتلين سابقين لدى تنظيم الدولة، إلا أن ما لم يتضح بعد هو صلة تلك الأسرة بتنظيم الدولة قبل انهياره.

بيد أن الغموض والتأخر الواضح في الإعلان عن أفراد تلك العائلة وتحديد هويتهم كأميركيين يعبر عن مشكلة معقدة وكبيرة ومستفحلة، وذلك لأن معظم الدول تركت مواطنيها يرزحون تحت وطأة العذاب في تلك المخيمات خوفاً من مصير مجهول. ونتيجة لذلك نشأ الآلاف من الأطفال هناك في ظل ظروف قاسية للغاية وأصبحوا عرضة للتطرف، إذ بحسب ما ذكره أحد أبناء سلمان، وهو فتى يبلغ من العمر اليوم سبعة عشر عاماً، فإن الأسرة احتجزت في مدينة الباغوز التي كانت آخر معقل لتنظيم الدولة وقد سقطت في مطلع عام 2019، فقام الحرس في المخيم بفصله عن أمه لبضع سنين بموجب سياسة استبعاد الذكور البالغين والتي أثارت جدلاً كبيراً.

ولكن لم يتضح ما الذي تعتزم السلطات الأميركية فعله مع السيدة سلمان أو أين سيستقر بها المقام هي وعائلتها وكيف سيتم ذلك، وذلك لأن بعض الراشدين الذين سافروا إلى سوريا لينضموا إلى تنظيم الدولة ثم تم إجلاؤهم إلى الولايات المتحدة، تعرضوا للملاحقة القضائية بتهمة التآمر وتقديم دعم مادي للإرهاب، في حين لم يتعرض آخرون لكل ذلك.

تخبرنا شقيقة السيدة سلمان، واسمها ريبيكا جان هاريس بأن عناصر من وكالة مكتب التحقيقات الفيدرالية أتوا إلى بيتها قبل أربع سنوات ليسألوا عن شقيقتها، وأضافت بأن السيدة سلمان أبلغتها برسالة نصية عن تلك الزيارة، ثم قطعت كل اتصال معها.

تظهر السجلات العامة بأن السيدة سلمان كان تعيش في مدينة نيوهامبشاير بولاية ماساتشوستس ثم انتقلت للعيش في نيويورك وبعدها ميتشيغان، أما والدها ستيفن ر. كارافالو، فقد ذكر بأن عائلته بقيت على تواصل متقطع مع ابنته طوال سنوات، وكانت آخر مرة رآها فيها خلال زيارته لنيويورك في عام 2006.

تحالفت الميليشيا الكردية التي تعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية، أو قسد، مع الولايات المتحدة لتصبح أهم حليف لها في المنطقة في محاربة تنظيم الدولة، لكنها تورطت باحتجاز نحو 60 ألف شخص معظمهم تعود أصولهم للعراق وسوريا، ولكن بينهم نحو عشرة آلاف شخص تعود أصولهم إلى 60 دولة أخرى، وبقيت هذه الميليشيا تحتجزهم على الرغم من أنها لا تمثل دولة ذات سيادة.

يبدو المشهد هنا مضطرباً لأسباب عديدة، إذ ليس لدى قسد سجلات دقيقة وشاملة جمعت فيها بيانات كل من احتجزتهم. ثم إن أغلب الدول، وعلى رأسها الدول الأوروبية، ترفض السماح لمواطنيها بالعودة، خاصة الرجال المتهمين بالقتال إلى جانب تنظيم الدولة، كما تخشى بعض الدول من فكرة حبس هؤلاء لفترات قصيرة لن تمتد إلا لسنين معدودة في ظل النظام القضائي الذي تتبعه.

ثم إن الأطفال الذين ولدوا في كنف تنظيم الدولة لأهل مؤمنين بهذا التنظيم تلحق بهم وصمة عار هم أيضاً، إذ يعيش في مخيم الهول الذي يعتبر أكبر المخيمات في تلك المنطقة نحو 50 ألف نازح، أغلبهم من النساء والأطفال، ويقدر البعض بأن نصف قاطني هذا المخيم لا تزيد أعمارهم على 12 عاماً.

ناشدت الولايات المتحدة الدول الأخرى لتخفف من آثار تلك المشكلة عبر إجلاء مواطنيها، ووعدت بأنها ستجلي مواطنيها هي أيضاً، كما عرضت المساعدة على تلك الدول، إذ خلال الشهر الماضي مثلاً، تم إجلاء 95 امرأة وطفلا إلى قيرغيزستان.

ولكن بالعودة إلى موقف الولايات المتحدة، لا يتضح لنا سبب عدم إجلاء أسرة سلمان من سوريا قبل سنين، وذلك بحسب ما ذكرته ليتا تايلير وهي باحثة لدى منظمة هيومان رايتس ووتش أجرت مقابلة مع أحد أبناء سلمان، وهو الفتى الذي يبلغ من العمر 17 عاماً، وكان ذلك في أيار من عام 2022 في مركز الهوري المخصص للمراهقين الذكور، وذكرت تايلير بأنها أبلغت وزارة الخارجية الأميركية بوضع هذا الفتى في تشرين الثاني من العام نفسه، وأضافت: "إنه لشيء عظيم أن تعمل الولايات المتحدة على إعادة تلك الأسرة، ولكن لماذا لم يتم إجلاء تلك الأسرة الأميركية التي تعيش في ظل ظروف مريعة طالما أن أفرادها مواطنون أميركيون؟ هذا هو السؤال الذي بات بحاجة لجواب من الحكومة الأميركية".

ولدى سؤاله عن سبب التأخر الجلي، اعترض على ذلك إيان موس، وهو نائب منسق عمليات مكافحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأميركية، لكنه تحدث عن مدى صعوبة التعرف إلى هوية وأصول من يقيمون في سوريا، وقال: "إننا نعمل بأقصى سرعة على إجلاء الأميركيين أينما وجدناهم".

وفي اجتماع مع السيدة سلمان وخمسة من أولادها في أحد المخيمات في شهر تموز الماضي، أعلن موس بأنها أعربت عن رغبتها بالعودة إلى الولايات المتحدة برفقة أسرتها بكاملها، ولهذا عمل مكتبه على إجلاء تلك الأسرة.

فيما التقت فيونوالا ني أولاين المقررة الأممية الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان بالفتى نفسه في تموز الماضي، وكلاهما نشر الرسائل من محادثتهما معه واشترطا عدم نشر صحيفة نيويورك تايمز لاسم الفتى، إلا أن الصحيفة لم تتمكن بمفردها من التحقق من كل التفاصيل الواردة في قصته.

رحلة تخييم انتهت بتنظيم الدولة

في عام 2016، عندما كان في التاسعة من عمره وكان في تركيا بحسب روايته للسيدة تايلير، أعلن والده أمام الأسرة بأنهم سيخرجون للتخييم، وبعد مرور بضعة أيام على السفر، كشف الأب بأنهم وصلوا إلى سوريا.

وهناك استبقت الأم أولادها داخل البيت في معظم الأحيان لأنها خافت عليهم بحسب ما ورد في رسائل الفتى.

وعندما ساقت الميليشيا الكردية الأسرة إلى السجن في الباغوز، حبست شقيقه الأكبر، الذي تجاوز عمره 17 عاماً وقتئذ، وذلك في سجن مخصص للذكور البالغين، بحسب ما ورد في الرسائل، أي أنهم فصلوه عن أسرته. وأصبح عمر هذا الفتى اليوم 21 عاماً، وما يزال على قيد الحياة بحسب ما أعلنه أحد المسؤولين.

أما الفتى الأصغر الذي أصبح عمره اليوم 17 عاماً، فقد عاش مع أمه وأشقائه في مخيم الهول حتى مطلع عام 2020، وفي أحد الأيام، احتجز الحرس الصبي مع بضعة مراهقين آخرين عندما كانوا في منطقة السوق بالمخيم، وذلك بدون أن يبلغوا أهاليهم باحتجازهم أو يسمحوا لهم بجمع أغراضهم ومتعلقاتهم وذلك بحسب ما ورد في رسائل الفتى التي سرد فيها قصته.

احتجز هذا الفتى في مكان أشبه بمرحاض على ما يبدو لمدة شهر قبل أن ينقل إلى مركز الهوري، والذي يوصف بأنه مركز لإعادة التأهيل أو للتخلص من عقيدة التطرف التي عششت في قلوب الشباب.

نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش مقطع فيديو ظهر فيه الصبي، لكن دون أن تتضح معالم وجهه ومع استخدام اسم حركي له، وهذا الفيديو يدور حول الأطفال الذين تقطعت بهم السبل في سوريا بعدما انتقل أهلهم للعيش في ذلك المكان بهدف الانضمام لتنظيم الدولة. وفي هذا الفيديو قال الصبي: "لست وحدي، فهنالك الكثير من الأطفال كما تعرفون، ولا أحد منا يرغب بالبقاء هنا، أو أن يكبر هنا من دون أن يفعل شيئاً، فهذا الشعور ينتابنا جميعاً".

سياسة فصل الذكور

نشرت ني أولاين وهي أستاذة جامعية متخصصة بالقانون أيضاً تقريراً أممياً عقب زيارتها لسوريا، تحدثت فيه عن سياسة "الفصل الإجباري العشوائي الذي طال المئات من الفتيان" عن أمهاتهم، ووصفته بأنه انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان، وجاء في التقرير عنها أيضاً: "تحدثت كل امرأة تكلمت إليها عن انتزاع وإخفاء أولادها الذكور الأحداث المراهقين ووصفت هذا الأمر بأنه أشد شيء يقلق مضجعها". كما ورد في التقرير بأنها التقت بفتيان آخرين وصفوا لها عمليات الانتزاع الفجائية التي تعرضوا لها بأنها كانت: "عنيفة وتسببت لهم بقلق شديد، إلى جانب معاناة عقلية ونفسية".

غير أن المسؤولين لدى تلك الميليشيا الكردية دافعوا عن تلك العملية بناء على عدة معطيات، وذكروا بأنها تحد من خطر ظهور حالات حمل في المخيمات، وخطر اعتناق الشبان الصغار لعقيدة فاسدة بسبب النسوة الموجودات في المخيم واللواتي مازلن ينتمين لتنظيم الدولة.

يذكر أن أكثر من ثلاثة آلاف شخص قد تم إجلاؤهم من سجون قسد في عام 2022، وقد تجاوز هذا العدد أعداد من تم إجلاؤهم خلال السنوات الثلاث الماضية مجتمعة، كما أجلي أكثر من 2500 شخصاً إلى بلدانهم الأصلية حتى تاريخ اليوم من هذا العام بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية.

ولكن ما يزال تسعة آلاف معتقل بالغ يقيمون في السجون، بينهم ألفان تعود أصولهم لدول أخرى غير العراق وسوريا، ومن بين خمسين ألف قاطن في مخيم الهول هنالك نحو 7500 شخص تعود أصولهم لدولة ثالثة، بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية. أما مخيم الروج الأصغر حجماً، فيؤوي نحو 2400 شخص، وهنالك مئة فتى يتوزعون بين مراكز الشباب.

منذ أن انتزع الفتى ليقيم في مركز الهوري، زارته شقيقته مرتين بحسب ما ذكره لتايلير في أيار 2022، كما تبادل بين الفينة والأخرى رسائل مع أمه عبر الصليب الأحمر.

وبعد مقابلتها مع الفتى، أعلنت ني أولاين بأنه أبدى حالة كرب وقلق بالغة حيال عدم تمكنه من التواصل مع أمه، وأخذ يريها لوحاته ورسوماته التي تصورهم وهم جميعاً معاً، كما تحدث عن الهامبرغر ومدى اشتياقه لموسيقا الراب، وقالت: "بدا لي كأي شاب مراهق، باستثناء أنه يمضي فترة مراهقته في ظل ظروف استثنائية قاهرة تسودها انتهاكات ممنهجة".

 

المصدر: The New York Times