icon
التغطية الحية

الولادات القيصرية في تركيا 5 أضعاف المعدل العالمي.. دواع طبية أم مكاسب للأطباء؟

2022.03.27 | 06:33 دمشق

0x0-hamileyken-koronaviruse-yakalandi-entube-edilen-kadinin-bebegiyle-ilk-bulusmasi-1622190096436.jpg
أحد مشافي النساء والتوليد في مدينة إسطنبول (موقع صباح)
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

بلغت معدلات الولادة القيصرية في تركيا 54.4% عام 2019، وهو أضعاف "المعدل المثالي" لعمليات الولادة القيصرية الذي حددته منظمة الصحة العالمية ما بين 10% و 15%، ما لفت انتباه السلطات الطبية إلى ما تحدثت عنه الكثير من التقارير حول الاستسهال الطبي والجشع الذي وقع ضحيته الكثير من النساء بينهم النساء السوريات.

نجت اللاجئة السورية راما (28 عاماً) في مدينة غازي عنتاب من الوقوع في الطمع والاستسهال عندما ذهبت لمستشفى ثانٍ بعد أن حددت طبيبتها الأولى أن ولادتها ستكون قيصرية، في حين أكدت لها طبيبتها الثانية أنها لا تحتاج إلى عملية قيصرية، وهو ما كان سيلزمها بنسبة كبيرة بأن تكون باقي ولاداتها قيصرية أيضاً في حال تجاوبت مع الطبيبة الأولى.

تقول راما لموقع تلفزيون سوريا: "عندما شعرت ببوادر الولادة، ذهبت برفقة والدتي إلى المستشفى، وأخبرتني الطبيبة المشرفة بأن موعد الولادة قد حان بالفعل، لكن وضعية الجنين تحتم علي الولادة القيصرية".

لم تقتنع والدة راما بكلام الطبيبة المشرفة وأصرت أن تصطحب ابنتها إلى مستشفى آخر.

تغير شكل الولادة بتغيير المشفى

إصرار الوالدة المرافقة دفع راما إلى تغيير المشفى الذي تغير معه شكل ولادتها على حد وصفها، فأنجبت طفلها الأول بولادة طبيعية سلسة دون أية مشكلات وتجنبت مخاطر تكرار الولادات القيصرية في الولادات القادمة كما تقول.

يسود العرف بأن النساء اللاتي خضعن لعملية ولادة قيصرية في الحمل الأول غالباً ما سيذهبن إلى الولادة القيصرية أيضا في الحمل الثاني، ويعود ذلك لأسباب متعلقة بسلامة الأم والجنين.

وأوضحت الطبيبة وخبيرة الصحة الإنجابية في "منظمة سيما" صبا جدعان أنه في بعض الأحيان وبعد القيصرية الأولى يمكن للمرأة أن تضع طفلها الثاني بولادة طبيعية، ولكن ذلك يتطلب التعاون مع الطبيب المشرف ويحتاج إلى المراقبة والصبر.

وتضيف راما: "عندما طلبت أمي تغيير المشفى اعتقدت أن ذلك يعود لتفكيرها التقليدي برفض الولادات القيصرية، ولكن يبدو أن ذلك كان بحكم تجربتها وخبرتها، فقد كانت على حق وجنبتني التعرض للاستغلال الطبي".

وتوصي منظمة الصحة العالمية بشأن رعاية الحامل بتخصيص مرافق معني بالتوليد من اختيار المرأة طوال مراحل المخاض وحتى وضع المولود يزودها بالدعم العاطفي لكي تخوض تجربة ولادة إيجابية.

منشور على فيس بوك يكشف طبيبة مستغلة

على الرغم من اختلاف الذرائع التي يختلقها الأطباء للذهاب بالمريضة إلى العمليات القيصرية، تتشابه النتائج وتتعرض الكثير من النساء للخداع، فيدخلن غرف العمليات ليواجهن مشارط الجراحين دون دواع طبية حقيقية.

ريما (23 عاماً) السورية المقيمة في إسطنبول تعزو تعرضها للولادة "القيصرية القسرية" والاستغلال الطبي على حد وصفها، لعدم خبرتها السابقة ولثقتها المطلقة في الطبيبة المشرفة التي كانت تربطهم بها معرفة قديمة.

تروي ريما قصة ولادتها لطفلها الأول وتقول: "أخبرتني الطبيبة في مراحل متقدمة من الحمل أن لدي تشوهات في عظام الحوض تجعل الولادة الطبيعية أمراً مستحيلاً ".

حضعت ريما لرأي الطبيبة وأجرت العملية القيصرية لتتفاجأ بعد شهر من ولادتها بمنشور على إحدى مجموعات الفيس بوك يتناول اسم طبيبتها وتتحدث فيه صاحبة المنشور عن تعرضها لولادة قيصرية دون دواع طبية على يد الطبيبة نفسها.

وكانت المفاجأة أكبر كما تقول ريما عندما فحصت التعليقات على المنشور لتكتشف المزيد والعديد من ضحايا تلك الطبيبة قد تعرضوا على يدها للموقف نفسه.

الآن وبعد ثلاث سنوات تنتظر ريما طفلها الثاني وتؤكد لها طبيبتها المشرفة أنها لا تعاني من أية مشكلة تمنعها من الولادة الطبيعية.

ولادات قيصرية أكثر من الطبيعية في تركيا

تغيب عن الأرقام الرسمية حصة النساء السوريات من معدلات الولادات القيصرية في تركيا المسجلة كواحدة من الدول التي تزيد فيها الولادات القيصرية على الولادات الطبيعية، ففي حين تحدد منظمة الصحة العالمية "المعدل المثالي" لعمليات الولادة القيصرية ما بين 10٪ و 15٪ بلغت معدلات الولادة القيصرية في تركيا 54.4% عام 2019 وفقاً لهيئة الإحصاء التركية لتكون من الدول ذات أعلى المعدلات عالمياً على مدار السنوات الأخيرة ما استدعى تحرك الحكومة التركية للحد من هذه الظاهرة.

وفي عام 2017 نظم معهد صحة الأم والطفل والمراهق التركي التابع لرئاسة المعاهد الصحية التركية (TÜSEB) ورشة عمل بحضور أمينة أردوغان زوجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الصحة آنذاك البروفيسور رجب أكداغ. أشارت فيها أردوغان إلى ارتفاع معدلات الولادة القيصرية في تركيا وضرورة العودة للولادة الطبيعية، فيما نبه أكداغ على مخاطر الولادة القيصرية وما يترتب عليها من آثار سلبية، وهدد بتطبيق عقوبات جزائية على المستشفيات ذات المعدلات الأعلى للولادة القيصرية غير الضرورية.

وترجع اختصاصية الصحة الإنجابية صبا جدعان سبب ذهاب الأطباء للعمليات القيصرية دون دواع طبية إلى استسهالهم لهذا الإجراء مقارنة بالولادة الطبيعية، فغالباً مايتم تحديد موعد الولادة القيصرية مسبقاً على خلاف الولادة الطبيعية التي لا يمكن معرفة توقيتها وزمنها بشكل دقيق، بالإضافة إلى كون العمليات القيصرية تعد مصدراً مالياً أعلى للأطباء من الولادات الطبيعية.

 

Picturؤؤe2.jpg
زوجة الرئيس التركي أمينة أردوغان في ورشة عمل عن تفضيل شكل الولادة
(2017) – موقع وزارة الصحة التركية

 

ولادات قيصرية وآثار سلبية لا مفر منها

تواجه المرأة عند خضوعها للولادة القيصرية أعراضاً يمكن أن تتجنبها في الولادة الطبيعية ما يحتم حقها في اتخاذ قرار شكل الولادة، فتقول جدعان إن ذهاب المرأة للعملية القيصرية دون دواع طبية، سيعرضعها لأعراض ونتائج القيصرية المستطبة، وأهمها معاناة الأم من إعاقة الحركة لفترة من الوقت بسبب العمل الجراحي وخياطة الجرح وألم مكان الجرح.

وتضيف في بعض الأحيان يكون للقيصرية تبعات نفسية على الأم أبرز أسبابها عدم تقبل الجرح في جسدها وعدم القدرة على حمل وليدها في الفترات الأولى.

وينصح عادة بتباعد الحمل الذي بعده لسنتين على الأقل عندما تكون الولادة قيصرية، كي لا يتأثر جرح الولادة الأول بتمدد البطن الناتج عن الحمل الثاني الأمر الذي يربك الأم في حال كانت تخطط لحمل ثانٍ.

اتخاذ القرار حق يؤخذ بالتثقيف

يشير تعريف الحقوق الإنجابية والصحة الجنسية والإنجابية إلى وجوب اتخاذ قرارات متعلقة بالإنجاب خالية من التمييز والإكراه والعنفـ وتنصح جدعان النساء المقبلات على الولادة القيصرية بالثقيف الصحي حول الحمل والولادة، والنقاش مع الطبيب حول أسباب القيصرية وعدم الخضوع  لرأيه دون توضيحات منطقية، لتجنب التعرض للاستغلال الطبي وضمان حقهن في اتخاذ قرار شكل الولادة.

وعن دور منظمات المجتمع المدني في تقديم التثقيف الإنجابي والدعم القانوني في حال التعرض للاستغلال الطبي، لم يرصد موقع تلفزيون سوريا أية مشاريع أو برامج في هذا الصدد في تركيا.

وفقاً لتقارير أممية، فإن الولادة القيصرية هي عملية آمنة وواحدة من أكثر العمليات الجراحية شيوعاً في العالم وقد تكون ضرورة ملحة يمكن أن تنقذ أرواحاً عندما تشكل الولادة الطبيعية خطراً على الأم أو الطفل، ولكن غالباً ما يتم إجراؤها دون الحاجة إلى المساعدة الطبية. لذلك أصدرت منظمة الصحة العالمية في شباط / فبراير 2018 توصيات لوضع معايير عالمية لرعاية النساء الحوامل وتمتعهن بصحة جيدة والحد من التدخلات الطبية غير الضرورية، تضمنت تلك الوصايا ترك النساء يتخذن القرارات بشأن مواقفهن تجاه التعامل مع الألم والولادة، ما يضع الأطباء أمام مسؤولية كبيرة قبل جر النساء إلى غرف العمليات دون أسباب طبية تدعوهم لذلك.

 

"تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان"