icon
التغطية الحية

"الوساطة".. تكتيك روسيا للوصول إلى المصالح الاستراتيجية في سوريا

2021.10.22 | 16:20 دمشق

vladimir_putin_with_sergey_lavrov_2016-03-23.jpg
أنطاكيا - فراس فحام
+A
حجم الخط
-A

تقحم موسكو نفسها كوسيط في عدد من الملفات السورية بين أطراف محلية وأخرى دولية، بهدف تعزيز نفوذها وحضورها السياسي واستثمار المكتسبات الميدانية سياسياً وضمان مصالحها الاستراتيجية في سوريا.

كان آخر عروض موسكو للوساطة ما عرضه "ميخائيل بوغدانوف" عن لعب دور "الوسيط" بهدف تفادي إطلاق عملية عسكرية تركية محتملة في سوريا.

تصريحات "بوغدانوف" يوم أمس، جاءت ضمن مقابلة مع وكالة "إنترفاكس" الروسية، أكد فيها أن موسكو "تعارض تجدد الأعمال القتالية في سوريا".

التصريحات الروسية الأخيرة، تتسق مع التكتيك الذي تتبعه موسكو، والقائم على فكرة تقديم نفسها كوسيط في النزاعات الدولية القائمة على الأراضي السورية، بغية تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.

احتواء "قسد" وتحجيم النفوذ التركي

لا يبدو أن روسيا متحمسة للموافقة على عملية عسكرية تعزز من النفوذ التركي في سوريا، وهذا بدا واضحاً في تصريحات "بوغدانوف" الأخيرة.

محددات الموقف الروسي في معارضة العمليات العسكرية التركية، هو الحفاظ على الثقة مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتأكيد على أن موسكو قادرة على ضمان مصالحها، في محاولة لاحتواء "قسد"، وإقناعها بالابتعاد أكثر عن الموقف الأميركي.

تعزيز روسيا لعلاقتها مع "قسد"، بالإضافة إلى عرض فكرة الوساطة معها على أنقرة، يجعل من دور موسكو في شمال شرقي سوريا محورياً أكثر، ويتيح لها الحصول على تنازلات من الطرفين لاحقاً، إذ ترغب موسكو في تخفيض سقف مطالب "قسد" المتعلقة بالحكم الذاتي، وتحاول دفعها للموافقة على الانخراط ضمن المؤسسات السورية، وإن كان بهامش استقلالية معين، في حين أن احتواء ورقة "قسد" سيتيح لموسكو الضغط على أنقرة والتأثير على موقفها الميداني في إدلب، وقد يجعلها تتساهل أكثر مع القيود المفروضة على التبادل التجاري بين شمال غربي سوريا ومناطق سيطرة النظام السوري، وأيضاً سيضمن لموسكو تماشياً أكبر من تركيا في المسار السياسي السوري.

ويبدو أن روسيا بدأت بالفعل حصاد بعض المكاسب بما يخص شمال شرقي سوريا من بوابة "الوساطة"، حيث أتاحت "قسد" للقوات الروسية يوم أمس، الوصول إلى ريف دير الزور الغربي، والعبور باتجاه محافظة الرقة.

الوساطة في الملف الإيراني

اللافت أن التوغل الروسي في محافظة دير الزور مؤخراً، أتى بعد أيام قليلة من الهجوم الذي تعرضت له قاعدة "التنف" الأميركية في البادية السورية، مع شبهة كبيرة بوقوف الميليشيات الإيرانية خلفه.

وهذا يفتح الباب أمام احتمالية الرضا الأميركي على تسيير دوريات روسية في دير الزور، بهدف مراقبة نشاط الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وهي ورقة لعبتها سابقاً روسيا في درعا والجنوب السوري.

وطيلة فترة التصعيد الذي قادته الفرقة الرابعة المدعومة إيرانياً عل درعا في صيف العام الجاري، حاولت روسيا الوقوف موقف "الوسيط" بين الفرقة والفعاليات الشعبية ومقاتلي المعارضة السابقين، واستطاعت في نهاية المطاف استثمار ما يجري لدفع المدن والبلدات في محافظة درعا باتجاه التسوية، وإعادة السيطرة الشكلية للنظام السوري.

وللمرة الأولى استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مدينة سوتشي، ووصف بوتين علاقة بلاده بإسرائيل بـ "الفريدة"، مشيراً إلى وجود مصالح مشتركة بينهما خاصة في الشأن السوري.

وأعرب بوتين عن آماله بأن تواصل حكومة بينيت "نهج سلفه بنيامين نتنياهو"، لافتاً إلى وجود "نقاط تماس" بينهما في الشأن السوري، "لا سيما فيما يخص مكافحة الإرهاب".

وأضاف: "كما تعلمون، نبذل جهودا من أجل استعادة سلطة الدولة في سوريا، وهناك مسائل خلافية بيننا وعددها ليس قليلا، غير أن هناك أيضا نقاطَ تماس وفرصاً للتعاون، لا سيما فيما يخص المسائل المتعلقة بمحاربة الإرهاب، وبشكل عام ثمة العديد من المسائل التي يمكن ويجب علينا مناقشتها".

وتسعى موسكو للتوسط بين تل أبيب وطهران، من خلال المحافظة على الحد الأدنى لمصالح الطرفين، رغبة في احتواء التصعيد بينهما، والاستفادة من دور كل طرف من الأطراف لصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا.

واستطاعت موسكو الحصول على تسهيلات أميركية في سوريا، من بوابة لعب دور الوسيط في الملف الإيراني، ومحاولة إقناع الأطراف الدولية والعربية، بأنها الضامن لضبط نفوذ طهران على الأراضي السورية، مما عزز علاقاتها مع بعض الدول مثل الأردن والإمارات والسعودية، التي باتت ترى في العمل مع موسكو بديلاً عن دعم المعارضة السورية لمواجهة ميليشيات إيران، إلا أن روسيا تستثمر ذلك جيداً في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية دون الاندفاع للتصعيد مع طهران.

وتقوم الاستراتيجية الروسية، على التحول تدريجياً إلى الجهة الدولية الأكثر نفوذاً في الملف السوري، من خلال الانتشار في مناطق جغرافية حساسة ومؤثرة بالنسبة لمختلف الفاعلين الدوليين الأساسيين، واستثمار هذا الانتشار في الضغط على الأطراف بهدف تحصيل مكاسب على أصعدة متعددة، وهذا ما أتاح لها تقويض نفوذ المعارضة السورية والفصائل العسكرية في مناطق جغرافية مختلفة كالجنوب السوري والغوطة الشرقية ومدينة حلب.