icon
التغطية الحية

درعا جبل عال يواجه رياح التغيير الجيوسياسي لأربع دول

2021.09.09 | 06:34 دمشق

162294631_853156388886656_7996429762928953362_n.jpg
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

انتهى تصعيد النظام والميليشيات الإيرانية المضبوط روسياً على درعا البلد بعد 76 يوماً من الحصار والقصف ومحاولات الاقتحام، فوافقت اللجنة المركزية على شروط كانت ترفضها قبل ذلك بعد انعدام خيار البقاء الذي دفعوا لأجله منذ تموز 2018 ثمناً باهضاً من الاعتقالات والاغتيالات والتفكك الفصائلي بين لواء ثامن ولجان مركزية وفروع النظام.

كانت قواعد الاشتباك في معركة درعا البلد الأخيرة واضحة، فالنظام ضغط تدريجياً حتى حاصر وأطلق الحصار واستقدم التعزيزات واستعرض بها قوته الكافية لحسم المعركة، واللجنة المركزية تنسق مع مثيلاتها في أرياف الجنوب السوري لتنفيذ تصعيد واسع ومنضبط، وتقود معركة الصمود والدفاع بمن تبقى في درعا البلد من الشبان المقاتلين الذين كانوا في فصائل الجيش الحر، ولكنها لا تعلن ذلك وتقدم نفسها بأنها شخصيات مجتمعية تتحدث باسم أهالي المنطقة.

أما روسيا فأظهرت دور الوسيط بين طرفي نزاع هما النظام بقيادة الفرقة الرابعة وأهالي درعا بقيادة اللجنة المركزية، لكنها أخفت أنها قائدة المعركة بالمطلق، فلم تطلق طيرانها ولم تسمح للنظام باستخدام طيرانه، وضبطت وتيرة القصف وأعداد الضحايا، وزجت باللواء الثامن بقيادة أحمد العودة في وقت يناسبها وسحبته من رقعة الشطرنج في وقت آخر.

الثابت أيضاً أن هذه القواعد يعرفها كل طرف، ويعرف ظواهرها وبواطنها ومآلاتها وأسبابها، وضمن هذه المعادلة سعى ثوار درعا للخروج بأقل الخسارات.

حصلت الفصائل العسكرية عام 2018 على امتياز البقاء في الجنوب السوري نظراً لخصوصية المكان والجوار وبسبب الالتزامات الروسية المسبقة لإسرائيل والولايات المتحدة، وبسبب الاختلافات في سياسات روسيا تجاه سوريا وسياسات إيران المضادة، فوجدت موسكو فيمن تبقى فرصة لمنع إيران من الوصول للجنوب السوري، واستعراض كاذب لإنسانيتها بالسماح للأهالي والمقاتلين بالبقاء، وهي فترة كان ملف "عودة اللاجئين" على رأس قائمة الاهتمامات الروسية.

نجحت موسكو في مشروع اللواء الثامن (لواء شباب السنّة سابقاً أبرز مكونات الفيلق الخامس الروسي)، وبقيت للعودة شوكته ومساحته في رفض النظام، حيث ظهر ذلك جلياً في تموز من العام الفائت عندما أقام العودة حفل تخريج دفعة لألف عنصر من لوائه يرقصون تحت أعلام النظام ويهتفون ضد بشار الأسد وإيران. أما اللجان المركزية فحاولت أخذ مساحة أكبر ودفعت مقابل ذلك ثمناً باهضاً وصل درجة اغتيال أدهم الكراد أحد أبرز شخصياتها.

كان تدخل اللواء الثامن في الأيام الأولى من التصعيد ايجابياً نسبياً وقدم نفسه كخيار للحل بين المركزية والفرقة الرابعة، ومع التوصل للاتفاقات الأولى التي جدد النظام انتهاكها واستقدامه مزيداً من التعزيزات ورفع وتيرة التصعيد غاب فصيل العودة عن المشهد، فيما يبدو أنه تحرك روسي ممنهج ومدروس. عندما قررت موسكو المضي بالمعركة للنهاية سحبت اللواء الثامن من المشهد.

ما الذي تغير؟

طرأت على الساحة المحلية والإقليمية جملة من التطورات غيرت من الواقع القديم، فالمظاهرات التي شهدتها درعا رفضاً للانتخابات الرئاسية سببت حرجاً لبشار الأسد لم يكن متوقعاً، وهو في أصل المسألة لم يكن راغباً بهذا النموذج الفريد الذي ظهر في درعا بعد تموز 2018. ومع ذلك لم يبادر النظام للتصعيد بعد الانتخابات مباشرة لحين ظهرت تطورات إقليمية ودولية دفعت روسيا لإعادة النظر في سياستها تجاه الجنوب السوري.

أبرز هذه التطورات تمثلت بانتهاء 21 عاماً من حكم نتنياهو ووصول حكومة ائتلافية لم تبد الصرامة السابقة تجاه إيران في سوريا ولم تبد اهتماماً كافياً ببوتين الذي اتصل مع بينيت هاتفياً في الخامس من تموز الفائت وناقشا ملفات أمنية وسياسية، في حين جمع بوتين ونتنياهو 13 اتصالاً هاتفياً و 3 لقاءات خلال العامين الماضيين.

وهنا بدأ بوتين يجس النبض ويختبر ردود الفعل الإسرائيلية عبر التلميح بتعزيز الدفاعات الجوية لقوات النظام.

أما التغير الإقليمي الثاني فكان من جهة الأردن التي تدرجت خلال عام بالتطبيع مع النظام والاعتراف المطلق بالدور الروسي في سوريا، وتنامى هذا الاعتراف بالنظام وروسيا منذ افتتاح معبر نصيب الذي سيضخ في خزينة الأردن أموالاً غابت 8 سنوات، وبلغ هذا الاعتراف ذروته مع الحديث عن خط الغاز المصري للبنان عبر الأردن وسوريا وإبلاغ سفيرة الولايات المتحدة في لبنان، دوروثي شيا الرئيس اللبناني ميشال عون، بأن الإدارة الأميركية ستسهل هذه الخطة لإنقاذ لبنان، ما فسره الروس والأردنيون على أن قانون قيصر لن يقف في وجه هذا المخطط.

وفق هذه التطورات يرى النظام أنه قادر على إنهاء الحالة الثورية في درعا التي تسبب له قلقاً كبيراً، وتقديم نفسه لإسرائيل كخيار يضمن أمن حدودها الشمالية ويكفل لها برعاية روسية عدم وصول الإيرانيين إلى الجنوب السوري.

وإيران التي تراجع سياستها أيضاً ستتجاوب مع طموحات النظام ومخططه الجديد ولن تحرجه أمام تل أبيب وستساعده في الحصول على ورقة تأمين الجنوب السوري.

هذه التسهيلات الإيرانية المتوقعة تشمل حتى التلويح بورقة ناقلات النفط الإيرانية، وبالتالي سترى واشنطن أن خيار الغاز عبر سوريا أقل ضرراً وإحراجاً من أن تظهر إيران المنقذ للبنان مما سيزيد من رصيد حزب الله اقتصادياً وسياسياً.

الحفاظ على مربط الخيل

كان قرار ثوار درعا وأهلها البقاء في موطنهم ورفضوا التهجير وتعايشوا مع الظروف الميدانية ومتغيراتها، ونجحوا في تجاوز كثير من حملات التصعيد في كافة مناطق الجنوب السوري، وعندما فرضت عليهم المعركة الأخيرة قدموا نموذجاً فريداً في المواجهة، فالوجهاء والسياسيون قادوا المعركة، وقدمت بيانات المركزية خطاباً وطنياً مميزاً، وواجهت البنادق دبابات الفرقة الرابعة، هذه البنادق هي نفسها التي رفض الروس استلامها بحجة أنها صدئة فأبلغتهم اللجنة المركزية أنها فعالة بدليل أنها أحبطت هجمات النظام وميليشياته أكثر من عشر مرات رغم القصف المكثف جداً بصواريخ الفيل.

ربما يرى البعض بعد الاتفاق الأخير أن أهل درعا خسروا المعركة الأخيرة وقبلوا الشروط، لكنهم حافظوا على مربط خيلهم وبقوا في منازلهم، وحافظوا على رأس المال.. هم رأس المال ودرعا جبل عال يواجه الخذلان وسياسات الدول.

أما المربح فقد حصلت عليه سوريا مسبقاً عندما انتفضت المدينة في وجه النظام وقادت خلفها سوريا كاملة لثورة الحرية والكرامة.