الورقة الخليجية.. مواجهة طهران بتحييد الحريري ومحاصرة حزب الله

2022.01.29 | 05:57 دمشق

leb-6-730x438.jpg
+A
حجم الخط
-A

وسط ضبابية الأجواء التي تلف مختلف نواحي المشهد السياسي في لبنان تحت وطأة استمرار نهج المراوحة والمناورة الذي استحكم بأداء السلطة حيال مجمل الملفات الرئيسية في البلاد، عاد ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل إلى الواجهة أمس مدفوعاً برسائل متبادلة تؤكد جاهزية الجانبين اللبناني والإسرائيلي لاستئناف الجلوس إلى طاولة المفاوضات بجهود الوسيط الأميركي.
وفيما بدا أشبه برسائل متعمدة لإبداء الاستعداد لـ "تدوير الزوايا" أمام مبعوث بايدن لأمن الطاقة السفير آموس هوكشتاين عشية عودته مطلع الأسبوع المقبل، تقاطعت التصريحات الرسمية بين لبنان وإسرائيل عند محاولة إضفاء أجواء إيجابية تمهيدية لجولة هوكشتاين المكوكية المرتقبة، والتي سيبدؤها من تل أبيب الأسبوع المقبل قبل أن ينتقل منها إلى بيروت لاستئناف مهمة "استكشاف النوايا وجديتها" كما نقلت مصادر مواكبة للتحضيرات الجارية للجولة.

ويفترض بهوكشتاين أن يعمل على توفير ظروف التفاهم على آلية الترسيم. حيث يصر لبنان على تحصيل مساحة 860 كم كاملة، وما يمكن زيادته من هذه المساحة، خصوصاً لحماية حقل قانا، بحال طرحت معادلة حقل قانا مقابل حقل كاريش. وينتظر لبنان ما سيحمله هوكشتاين، وما سيكون قد حصّله من الإسرائيليين لإنجاز هذا الملف.

ما يزال حزب الله ملتزماً الصمت حيال الورقة الخليجية، رغم أنّها متعلقة بركائزه الجوهرية، وقاربت أموراً من المقدسات لديه

بالتوازي لا يمكن قراءة الورقة التي قدّمها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح إلى القيادات السياسية في لبنان خلال زيارته الأخيرة الّا وفق نظرية بدء مرحلة جديدة في التعاطي الخليجي مع الملف اللبناني. والتي بدأت مع قرار الرئيس سعد الحريري بخروجه مع تياره السياسي من الحياة السياسية ولو لمرحلة مؤقتة، فيما تشير المعطيات أنها ستمتد زمنياً والورقة التي حملها الوزير الكويتي حرص فيها على الإعلان بوضوح أنّها ثمرة توافق خليجي.

بالمقابل ما يزال حزب الله ملتزماً الصمت حيال الورقة الخليجية، رغم أنّها متعلقة بركائزه الجوهرية، وقاربت أموراً من المقدسات لديه، ولا سيما منها: "وضع إطار زمني محدّد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الرقم 1559 الخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، والقرار 1701 الخاص بسلاح «حزب الله" ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساس في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية، ووقف تدخُّل حزب الله في الشؤون الخليجية خصوصاً والعربية عموما، والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضدّ دول مجلس التعاون.

وعليه وقع لبنان الرسمي في أزمة جديدة. هي غير قادر على تجاهل الشروط، لأن رئيسي الجمهورية والحكومة أعلنا الاستعداد للبحث في تحسين العلاقات مع دول الخليج، لكنهما غير قادرين على إصدار موقف باسم الحكومة اللبنانية، لأن حزب الله الشريك الأساسي في مجلس الوزراء سيرفع الصوت في الحكومة.

لكن وعلى الرغم من عدم مناقشة الورقة والرد الخطي عليها على طاولة مجلس الوزراء، إلا أنه يتم العمل من قبل وزير الخارجية عبد الله بوحبيب على إعداد ورقة مسودة، تم توزيعها على رئيسي الجمهورية والحكومة. ويُنتظر موافقة الرئيس ميشال عون عليها، وميقاتي كان موافقاً على ورقة بوحبيب الذي نسّق معه أبرز بنودها.

والردّ الذي تتضمنه الورقة اللبنانية، سيشدد على حرص لبنان على العلاقة الجيدة مع دول الخليج، وعلى الالتزام بالشرعيتين العربية والدولية. كذلك تتضمن ورقة الإجابة، موقفاً واضحاً من ضرورة حماية المجتمعات العربية والخليجية، والتنسيق لمنع تهريب المخدرات، مع تأكيد أن لبنان اتخذ الإجراءات اللازمة لوقف عمليات التهريب، وتتضمن الورقة ملحقاً بالعمليات الأمنية الاستباقية التي أدت إلى توقيف شحنات كثيرة من المواد المخدرة.

أما بما يتعلق بالنقطة الجوهرية وهي القرارات الدولية وسلاح حزب الله وحصره بيد الدولة اللبنانية، فإن المطلوب خليجياً هو إصدار موقف رسمي من الحكومة اللبناني تعلن فيه رفضها لأنشطة حزب الله، وتدخلاته في الدول العربية، في محاولة لإعادة ترسيخ الفصل بين الحزب والدولة اللبنانية، وأن يلتزم لبنان بالمواقف التي تصدر عن الجامعة العربية لإدانة استهداف الحوثيين للرياض أو تدخل حزب الله في الدول العربية، وعدم التحفظ على مثل هذه القرارات.

لكن المخفي أن هناك تقارير أمنية وصلت لكل المسؤولين في بيروت حول الوضع الأمني، في ظل علامات التشنج والانكماش. أما حزب الله فبات يروج في إعلامه عن تحضيرات لتحرّك بعض المجموعات المحسوبة سياسياً على خصومه الإقليميين أي السعودية وتركيا في طرابلس والشمال.

فيما يقول خصوم الحزب إياه أنه قد يستثمر في غياب الحريري والمستقبل للعبث في المشهد السني المتخبط والمبعثر عبر عصابات يسلحها الحزب كسرايا المقاومة وجماعات سنية موالية له، وهو وفق رأيهم من أعاد شماعة خلايا داعش لإحكام سيطرته على أي "تسونامي سني" قد ينشأ كردة فعل على غياب سعد الحريري.

فيما حالة الخوف من المستقبل والحاضر والذي تعيشه الطبقة السياسية وتحديداً حلفاء حزب الله يصل لمستويات متقدمة، والجميع منهم بات يدرك أن الالتفاف على الناس منذ سنتين لم يعد ينطلي على السواد الأعظم من المواطنين في ظل المؤشرات والأرقام التي تتحدث عن نسب مرتفعة لمؤيدي تغيير المجموعة الحاكمة.

تعمل دول الخليج على الحضور بشكل بارز وفرض نفسها عنصراً أساسياً حاضراً على طاولة تقاسم النفوذ

لكن العارفين بفصول التحولات الإقليمية يتحدثون عن تصعيد كبير على أنغام التصعيد الروسي على أبواب أوروبا "والحركشة" الإيرانية بأمن دول الخليج عبر استهداف الحوثيين لأبوظبي مؤخراً، وهو جزء من إعادة رسم خريطة لقوى سياسية جديدة في المنطقة، وفي هذا السياق تعمل دول الخليج على الحضور بشكل بارز وفرض نفسها عنصراً أساسياً حاضراً على طاولة تقاسم النفوذ.

في ظل الحديث عن استعداد أميركي للانسحاب من المنطقة، وهذا الانسحاب سيجري ملؤه عبر تركيا وإسرائيل وإيران، فيما العرب غائبون تماماً نتيجة الانسحابات المتتالية في العراق وسوريا والفشل الذريع في حل معضلة اليمن.

وبما أن ما يجري يقود إلى إعادة رسم مشهد جديد للخريطة السياسية في المنطقة، فهو حتماً ينعكس على الواقع اللبناني بإعادة رسم خريطة نفوذ القوى السياسية اللبنانية، والورقة الخليجية بما تتضمنه هو مسعى خليجي لإعادة الحضور في بيروت لكن بطريقة مختلفة وبأوراق قوة بدأت بانسحاب الحريري والذي أمن لحزب الله غطاء سناي، ولا تنتهي بفرض معادلات انتخابية ترسخ حضورا عربيا في كل المجالس والمؤسسات.