icon
التغطية الحية

الوردة الدمشقية حاضرة في صناعة الزيوت ببلغاريا

2022.12.27 | 09:43 دمشق

الوردة الدمشقية حاضرة بمهرجان الورود ببلغاريا
الوردة الدمشقية حاضرة بمهرجان الورود ببلغاريا
Money Control - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يقام في مدينة كازانلوك البلغارية مهرجان سنوي للورود، يبدأ بنهاية شهر أيار، ويمتد حتى حزيران، تقام  خلاله فعاليات لقطف الورود بعناية، ومسابقات، وعروض مسرحية موسيقية ومعارض مخصصة للسياح.

يبدو بأن هذه المدينة البلغارية الجميلة قد قفزت خارجة من إحدى البطاقات البريدية، إذا قلّبت بناظريك، لن تطالع سوى الجمال، حيث تلوح في الأفق جبال ستارا بلانينا، وهي جزء من سلسلة البلقان الجبلية الضخمة، فيما ينحدر وادي نهر توندزا نحو مساحة ضيقة بعدها تظهر بحيرة كوبرينكا الصناعية وسط آثار العاصمة القديمة للدولة التراقية: سيفتوبوليس.

تشتهر مدينة كازانلوك التي تقع ضمن "وادي الورد" جنوب شرقي بلغاريا، بأنها مركز رئيسي لإنتاج زيت الورد في البلاد، كما يستقطب مهرجان الورود فيها الآلاف من السياح عبر فعالياته ومسابقاته التي تدور جميعها في فلك الورد، ولذلك تكفيك زيارة واحدة لتقرأ في تاريخ المنطقة مع الورود، فعند اجتماعك بأهلها، وتناولك لأطعمتها المحلية الشهية، وتواصلك مع منتجي زيت الورد، لابد وأن تستخلص تجربة تغمر روحك بحق.

أجود أنواع الزيوت

بحسب ما ذكره مارتن شيشيف، وهو أكبر منتج للزيوت الأساسية في كازانلوك، تعتبر بلغاريا واحدة من أكبر الدول المصدرة للورد والخزامى والميليسا والزيوت الصفراء، إذ يقول: "تنتج بلغاريا 70% مما ينتجه العالم من زيت الورد، ولذلك حصدنا العديد من الجوائز في المعارض الدولة لبراعتنا في تلك الحرفة اليدوية. وتعتبر الزيوت البلغارية من أجود وأفضل أنواع الزيوت في العالم، ويعود الفضل الأكبر في ذلك للمناخ السائد في منطقة وادي الورد والذي يساعد على نمو وازدهار زراعة الوردة الدمشقية التي تنتج سلسلة كاملة من العناصر".

Rose Valley, Bulgaria. (Photo by Neeta Lal)

الوردة الدمشقية

وفقاً للأسطورة، فإن جنود الإسكندر الأكبر هم من جلبوا أوائل الورود إلى تراقيا (وهذا الاسم هو الاسم القديم لجنوب شرقي أوروبا)، من بلاد فارس، ثم مروا بعد ذلك بدمشق، وحدث كل ذلك خلال العصور الوسطى. ثم دخلت زراعة الورد هذه المنطقة وتركزت في المناطق المحيطة بكازانلوك، وهي مدينة بناها الأتراك في عام 1420 ميلادية. ومنذ عام 1650، أصبحت بلغاريا تنتج كميات هائلة من الورود التي تقدم الزيوت المستخدمة لأغراض صناعية. وفي عام 1740 ميلادية، قامت شركة فرنسية بتصدير أولى دفعات زيت الورد البلغاري، فأصبح هذا الزيت المادة الأساسية المفضلة لصناعة العطور الفرنسية.

مهمة شاقة وخلاصة سحرية

خلال موسم قطاف الورد، يعبق الوادي بكامله بأريج الورود التي تغرقه عن بكرة أبيه، وذلك لأن عملية جمع الورود التي كانت تناط بالنساء حسب التقاليد، تتطلب براعة شديدة وصبراً كبيراً، حيث يتم قطع الورود واحدة تلو الأخرى، ثم توضع في سلال وبعدها يتم إرسالها إلى معامل التقطير.

وعملية التقطير تتطلب دقة كبيرة، وهذا ما دفع المفوضية الأوروبية في أيلول من العام 2014 لتوافق على إضافة زيت الورد البلغاري ليشملها المؤشر الجغرافي للمواد المحمية، إذ يستخلص هذا الزيت من براعم الورود  بين الساعة الخامسة صباحاً وحتى ساعات الظهيرة قبل أن تتبخر قطرات الندى عن الورود، بحسب ما ذكره أحد الفلاحين من أبناء تلك المنطقة. ونظراً لعدم اختراع أي آلة تقوم بقطاف الورد، تحتاج عملية إنتاج هذا الزيت لجهود عدد كبير من العاملين.

Rose oil extraction is labour intensive. (Photo by Neeta Lal)

نساء وأطفال تجمعوا لاستخلاص زيت الورد 

يشرح لنا شيشيف ذلك فيقول: "يحتاج كيلو واحد من زيت الورد لأربعة أطنان من بتلات الورد، أما عملية استخلاص الزيت وتخميره فتستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي يحتاجه الويسكي، ولهذا يصل سعر ليتر واحد من زيت الورد لسبعة آلاف يورو. إذ يجب عند استخلاص الزيت توضع البتلات في وعاء مخصص لغليها، وتكرر العملية عدة مرات إلى أن يتم استخراج تلك الخلاصة العطرية السحرية".

وبحسب ما ذكره لنا مصنع الزيوت هذا، فإن زيت الورد البلغاري يتمتع بجودة عالية استثنائية نظراً للطريقة المتبعة لتصنيعه، حيث تجري عملية تقطيره مرتين، تتخللها عملية تبريد واحدة، ويعلق هذا الرجل على ذلك بقوله: "بتلك الطريقة، يتضاعف ما ننتجه من زيت الورد المستخلص من ماء الورد".

Bulgaria has a three-centuries-old tradition of producing rose oil (Photo by Neeta Lal)

فتاة تفحص المنتج بعد عملية التقطير

أما زوجة شيشيف الرائعة، واسمها ناديا زاهارييفا، وهي خبيرة بتطوير التراث الثقافي، فقد أخبرتنا بأنها هي وزوجها يعشقان ما يسميانه بيت وادي الورد، وذلك للجمال والروعة التي يتمتع بها طوال أيام السنة، حيث تصف لنا المشهد بقولها: "تكتسي المرتفعات الجبلية باللون الأخضر، أما الغابات فتبقى بلون داكن وتظل باردة طوال السنة. تتفتح الورود والخشخاش أولاً في شهر أيار، وبعدها شجيرات الأكاسيا في شهر حزيران، والخزامى في تموز، وعباد الشمس في آب".

(Photo by Neeta Lal)

ناديا زاهارييفا وهي تحمل كيساً مملوءاً ببتلات الورود

متحف فريد من نوعه

خلال جولتك في متحف الورد المحلي وهو الوحيد من نوعه على مستوى العالم، يمكنك أن تطالع مجموعة واسعة من الأشياء والصور والوثائق المعروضة التي تساعدك على تتبع التاريخ السحيق لصناعة الورود في بلغاريا والذي بدأ قبل ثلاثة قرون تقريباً، ومن بين المعروضات، هنالك بعض قطع لمعدات أصلية، وصور لعملية تقطير زيت الورد، وأدوات تستخدم لفصل الزيت عن ماء الورد، وقوارير وعبوات وعلب لحفظ وتصدير الزيت، وشعارات مخصصة لتجار الورود، وصور ووثائق لهم ولعائلاتهم وغيرها.

بعد خروجك من المتحف، هنالك متجر صغير يبيع كل ما يتصل بالورد من تذكارات وزيوت أساسية للورد والنعناع والخزامى، وشراب الورد وبراندي الورد وماء الورد إلى جانب العطورات وغيرها، وذلك حتى تنقلك تلك المنتجات كلما استخدمتها لوادي الورد، فتتذكر مناظره الآسرة ووروده التي تسلب الألباب.

المصدر: Money Control